مرتبة المغرب في خرائط الفساد لاتشرفه ..إنها تضع على جبينه بأن دواليب إداراته ومسارات صفقاته العمومية وعلاقات مواطنيه بالمرفق العام هي علاقة مثقلة بالرشوة وبالمحسوبية والزبونية. لقد رتبت منظمة ترانسبرانسي الدولية بلادنا في تقريرها الذي صدر هذا الأسبوع في الرتبة ال 90 ضمن مؤشر إدراك الرشوة. وبالتالي يمنحه هذا التصنيف الذي يهم 176 دولة 37 نقطة على 100. ويضعه تاسعا في مجموعة الدول العربية . لقد انحدر المغرب بعشر مراتب خلال سنتين . واتضح أن آفة الفساد لم تجد سياسة عمومية ناجعة لوقف استشرائها ، وأن الآليات التي تم إحداثها أصيبت مفاصلها بوهن وارتخاء . والوعود التي أعطيت لم تكن إلا مجرد تصريحات استهلاكية . وكل ذلك نتيجته أو الصورة التي ولدها وكما عبرت عنها ترانسبرانسي المغرب في تقديمها للنتائج «أن ظاهرة الرشوة مازالت مزمنة ونسقية». قبل سنة، أعلنت الحكومة أنها أعدت خطة لمحاربة الفساد، ووفرت لها دعاية واسعة، وجعلتها صلب أي خطاب يتعلق بالموضوع . لكن، ونحن على بعد أكثر من اثني عشر شهرا من الإعلان عنها، نجدها مجرد خطة على الورق، إذ لم تتم برمجة الاعتمادات المالية التي ستنقلها من مستوى الخطاب إلى أرض الواقع ، بل إن مشروع ميزانية السنة الحالية لا يتضمن أي بند تم رصده لمحاربة الفساد وإعمال هذه الخطة. صحيح أن هناك ملاحقات قضائية تمت في السنوات الأخيرة، وطالت أشخاصا تلاعبوا بالمال العام أو ابتزوا مواطنين أو قدموا خدمات عمومية مجانية بالمقابل ... لكن كل ذلك لم يندرج ضمن خطة تشمل بآلياتها الفضاء الإداري العام . والمثير أن هذه الملاحقات استهدفت على العموم «الرشوة الصغيرة» ولم تضع يدها على «الرشوة الكبيرة» التي تعد أكبر داء ينخر المجتمع الاقتصادي والسياسي ... لقد تم إحداث هيئة وطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، وتمت دسترتها وأنيطت بها « مهام المبادرة والتنسيق والإشراف وضمان تتبع تنفيذ سياسات محاربة الفساد، وتلقي ونشر المعلومات في هذا المجال، والمساهمة في تخليق الحياة العامة، وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة، وثقافة المرفق العام، وقيم المواطنة المسؤولة». لكن لم يتم توفير الإمكانات لهذه الهيئة كي تنهض بمهامها . وحتى الصيغة الجديدة لقانونها لم تكن بمستوى اقتراحات ومرافعات المجتمع المدني . إن الفساد يفقد المغرب سنويا حوالي 2% من الناتج الإجمالي المحلي الذي تبلغ قيمته حوالي 102 مليار دولار . وإن لم تكن هناك سياسة ترتكز على آليات، وتستند إلى إرادة، وتنتهج الصرامة والحزم في إطار خطة تمتد في الزمان والمكان، فإن مياها اقتصادية وإنتاجية كثيرة سيلتهما رمال الرشوة والفساد أكثر من أي وقت مضى. وبالتالي ستضيع جهود التنمية، وتصبح الاستراتيجيات والسياسات العمومية، تحت رحمة المفسدين، يعيثون في البلد فسادا، ويعيقون كل إمكانيات تطوره وتقدمه.