أصدرت وزارة التربية والتكوين بيانا توضيحيا بتاريخ 19 دجنبر، تملصت فيه من مسؤوليتها عما تضمنته الكتب المدرسية الجديدة في مادة التربية الإسلامية(مستوى الجذع المشترك والأولى ثانوي تأهيلي) من هجوم على الفلسفة، بدعوى أن المرجع الرسمي لتدريس كل المواد الدراسية هو المنهاج الدراسي الصادر عن الوزارة .. وباعتبارأنه كما ورد في البيان»الكتب المدرسية هي وثائق مساعدة منذ حوالي خمس عشرة سنة تطبيقا للمبادئ المنصوص عليها في الميثاق الوطني للتربية والتكوين، أن تكون متعددة ومن تأليف مؤلفين فاعلين تربويين طبقا لدفاتر التحملات المعدة لهذا الغرض.» يثير هذا البيان مجموعة من التساؤلات من قبيل: ما الفرق بين كتاب مدرسي مصادق عليه من طرف الوزارة وسائر الكتب التي تنشر بشكل شبه حر؟ لماذا تصادق الوزارة على كتب لا مسؤولية لها فيها؟ ثم ما هي الأسس والمعايير التي يوضع وفقها منهاج المواد التعليمية؟ وما هي الوسائل التي تتيحها الوزارة لتصريف المنهاج؟من المسؤول عن الاختلالات التي قد تعرفها الكتب المدرسي؟أليس التكامل بين المواد ضروريا لكمال شخصية التلميذ؟ ما دواعي التصريح بمقتضيات للمنهاج والعمل بضدها؟ مقتضيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين المتعلقة بالكتب المدرسية: يعتبر الميثاق الوطني للتربية والتكوين آلية مركزية لإصلاح نظام التعليم (تم الشروع في تطبيقه ابتداء من 2000)وهو مجموعة من المكونات والآليات والمعايير التي تشكل التصور المتكامل لهذا الإصلاح في أفق مسايرة المستجدات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتربوية. يتناول الميثاق في قسمه الأول المرتكزات والغايات الكبرى لنظام التربية والتكوين....أما في قسمه الثاني المخصص لمجالات التجديد ودعامات التغيير فقد تناول الكتاب المدرسي في المجال الثالث من القسم الثاني المعنون ب» الرفع من جودة التربية والتكوين»والذي خصصت فيه الدعامة السابعة ل»مراجعة البرامج والمناهج والكتب المدرسية والوسائط التعليمية» فقد نص على وجوب سلطات التربية تنظيم عملية مراجعة البرامج والمناهج ... وأن هذه السلطات مسؤولة عن تحديد مواصفات التخرج والأهداف والمراحل الرئيسية لتدرج المناهج والبرامج المدرسية ، وتقوم (السلطات ) بإحداث لجنة دائمة للتجديد والملاءمة المستمرين للبرامج والمناهج ...وأن تشرف هذه اللجنة على إنتاج الكتب المدرسية والمعينات البيداغوجية وفق مقتضيات المنافسة الشفافة بين المؤلفين والمبدعين والناشرين، على أساس دفاتر تحملات دقيقة مع اعتماد مبدا تعددية المراجع ووسائل الدعم المدرسي. أما خاتمة الميثاق فتنص على إصلاح نظام التربية والتكوين ككل متكامل لا يقبل التجزئة ولا التسويف أو التعثر.. وتوجب»وضع آلية المتابعة اليقظة والدقيقة، على مستوى الحكومة، وكذا عن طريق البرلمان والمجالس المنتخبة والرأي العام» مسؤولية الوزارة في المصادقة على الكتب المدرسية يتبين مما سبق أن الكتاب المدرسي يحتل موقعا متميزا في العملية التعليمية التعلمية، لكونه يتضمن عناصر معرفية ومنهجية من المفترض أن تكون مناسبة للمستوىالتعلميللتلميذ ومناسبا لوضعيات تعلمية ملائمة لمتطلبات المنهاج، والكتاب المدرسي- بوصفه أداة من أدوات أجرأة المنهاج - يحظى بعناية خاصة من طرف الوزارة لأنه مندرج في صيرورة العملية التعليمية التعلمية ويتوجه مباشرة إلى التلميذ ليساهم في تعزيز مكتسباته وتنمية قدراته وادماجهما حرصا على النموالمتوازن لشخصيته وتكاملها سواء من خلال ما تتيحه له مادة بعينها أومن خلال الربط والتنسيق مع مختلف المواد المدرسة الأخرى... بهذا وحرصا على جودة الكتاب المدرسي، جرت العادة أن تصدر الوزارة وفقا لمقتضيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين وثيقة إطار لوضع المناهج والتوجهات التربوية العامة كما تصدر دفترا للتحملات-خاص بكل مادة- يتضمن المبادئ والخطوط العامة التي بمقتضاها يتم اختيار الكتاب المناسب لحاجيات التلميذ والمطابقة للخطوط العريضة للمنهاج، وتعين الوزارة لجنة علمية(متعددة الاختصاصات) لتتبع محتويات مشاريع الكتب المدرسية المقدمة من طرف لجان التأليف (عن طريق دار للنشر) ومراقبة مدى توفرها على المواصفات المطلوبة قيميا وفنيا ومعرفيا، لكي تتمكن من فرزها وتحديد مشاريع الكتب الممكن اعتمادها.. ولاتصادق الوزارة إلا على الكتب المؤهلة، التي تحصل فيهاالمطابقة الفعلية لمرتكزات الغايات الكبرى للميثاق الوطني ويتجسد فيها الاحترام التام للوثيقة الإطار ولدفتر التحملات .. وعليه فمنهاج مادة التربية الإسلامية يقر فعلا- كما جاء في البيان التوضيحي للوزارة - بأنه يستند إلى مبدإ الوسطية والاعتدال، ونشر قيم التسامح والسلام والمحبة، ويؤكد على تعزيز المشترك الإنساني بالبعد الروحي الذي يعطي معنى للوجود الإنساني، والذي تمثل مجزوءة «الإيمان والفلسفة» أحد مظاهره، إضافة إلى أن «الوثائق الرسمية تؤكد فيما يتعلق بهذا الموضوع على التوجيهات التالية: أن «التفكير الفلسفي يقوي العقل ويطور التفكير»، وأن للمنهج الفلسفي الموضوعي «أثره في ترسيخ الإيمان» وأن «لا تعارض بين الفلسفة الراشدة والإيمان الحق»» إذا كان الأمر هكذا فماهي مبررات تملص الوزارة من مسؤوليتها حول فحوى الكتاب المدرسي لمادة التربية الإسلامية الذي ينعث الفلسفة بالسفه والزندقة ...الخ,؟ ما هي أسباب التناقض بين ما يتم التصريح به في المنهاج وما يتم تصريفه من سموم إلى التلاميذ عبر الكتب المدرسية؟ هل ثمة وعي حقيقي بأهمية التنسيق بين المواد الدراسية؟ ألم ينتبه المسؤولون إلى ومفعول مدى الحيرة المربكة والتشويش على أذهان التلاميذ ؟ ألم يستوعب المسؤولون الرهانات التربوية والفكرية التي يقوم عليها المنهاج؟أم أن الأمر يتعلق سكيزوفرينياschizophrénie تخترق المنظومة التربوية كاختراقها للواقع والفكر وكل ما يفرزانه من تصدعات؟ سكيزوفرينيا تجسد لسان حال مجتمع يلوح بلواء مفاهيم التسامح والمساواة والانفتاح ويضمر في طياته الانغلاق الفكري والكراهية والعداء للفلسفة ولما تتيحه من إمكانيات توسيع الآفاق؟ اسكيزوفرينيا التصريح بالوسطية والاعتدال والانفتاح على مختلف الثقافات،والعمل على تكريس وتزكية الفكر المناهض لتقوية قدرات التلاميذ على تحرير عقولهم عن طريق التساؤل والنقد والشك وحل المشكلات بروح المسؤولية؟ * فاعلة تربوية