تشكل منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي الإطار المرجعي لكل مجتمع عادل، ومن هذا المنطلق ولتحقيق العدالة الاجتماعية كان من الضروري أن يتجه نضال المجتمع المغربي بعد الاستقلال، من خلال أحزابه التقدمية ونقاباته المواطنة، نحو التأسيس لبناء مغرب حديث تقدمي ديمقراطي مرجعيته الأساسية الإنصاف، الذي يعطي لكل مغربي، وبغض النظر عن وضعيته الاجتماعية، الحق في ولوج المعرفة التي تعتبر سلاحا ضد التهميش والقهر. لقد كان نضال الحركة الوطنية نبيلا في مضمونه وأهدافه وغاياته، والتي أضحت بارزة بشكل واضح في دستور 2011، الذي اعتبر العدالة والإنصاف وتكافؤ الفرص المنطق الذي يجب أن تبنى عليه عملية التكوين وتلقي المعرفة. لقد كان هذا التوجه حاضرا ،وعلى مر العقود، في بلورة تصور لمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي كقوة اقتراحية فاعلة من خلال المساهمة المؤثرة في المناظرات الوطنية حول التعليم أو في اللجان المتعددة للإصلاح، أو في مراجعة القوانين والمراسيم أو على مستوى المشاركة في بلورة الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي اعتمده المغرب بكل مكوناته خارطة للطريق لإصلاح منظومة التربية والتكوين. ذلك الميثاق الذي يعتبر اليوم منطلقا أساسيا لأي توجه استراتيجي لمنظومة التربية والتكوين التي تعاني الكثير من الخلل حينما أكد التقرير التحليلي للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي أن العديد من مضامينه بقيت دون تطبيق فعلي على أرض الواقع. وهو التقرير الذي اعتمد من بين المرجعيات الأساسية للرؤية الاستراتيجية 2015-2030. إن الدول التي تحترم نفسها تضع الإنسان فوق كل الاعتبارات وبالتالي يصبح أي تطور حقيقي لتحقيق الصعود لابد أن يمر عبر استثمار الدولة في تكوين الإنسان وتعليمه وبحث كل السبل لتطوير معارفه، فالمعرفة حق من حقوق الإنسان ولابد أن يتجسد هذا الحق في كل لحظة من لحظات بناء الدول الصاعدة كما تؤكد على ذلك المواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي انخرط فيها المغرب. لقد فتح المغرب ورش التكوين والتربية والبحث العلمي من خلال المجلس الأعلى في صيغته الجديدة، وهو ورش يحضر فيه الفاعل السياسي والاجتماعي والأكاديمي من أجل التداول في حل معضلة التكوين والمعرفة التي تؤسس للرأسمال اللامادي في الفرد والإنسان والمجتمع ويعتبر الفاعل الاجتماعي حاضرا بقوة في هذا المكون ليؤكد على أن أي تقدم لا يمكن أن يتحقق بدون رؤيا واضحة. إن مقاربتنا للإصلاح بالمغرب تنطلق من بعدين، بعد نظري له علاقة بما يجب أن تكون عليه مؤسسات التكوين والبحث، وبعد واقعي يرتبط بمدى توفر الإمكانيات المادية والبشرية التي تؤهلها لتحقيق أهدافها أي المساهمة في التنمية الشاملة للبلاد. وهي تنمية لا يجب أن تنحصر في تغيير عقليات مؤسسات التكوين ولكن التغيير يجب أن يشمل المحيط كذلك. إن إصلاح المنظومة انطلق من ثلاثة أبعاد، بعد الحكامة الجيدة والتدبير التشاركي، وتطبيق آليات بيداغوجية جديدة، وتطوير البحث العلمي من خلال وضع استراتيجية على المدى القريب والمتوسط والبعيد، و دخول هذه الأبعاد الثلاث حيز التطبيق نظريا بدأ مع الميثاق الذي أفرز عددا من القوانين المنظمة للأكاديميات والجامعات وهي القوانين التي تحتاج اليوم إلى تقييم حقيقي يستحضر المكتسبات والمعيقات وهي القوانين التي يجب أن يعاد فيها النظر بشكل يجعلها مؤهلة لإحداث تحولات جذرية في مجال صناعة المعرفة. إن التفكير في إدخال هذه الأبعاد حيز التطبيق يعرف العديد من العراقيل مما جعل هذه الأبعاد بعيدة عن تحقيق الأغراض التي وضعت من أجلها، ورغم اعتبارنا خلال بداية التفكير في الإصلاح أن الجانب التقني يعتبر ضروريا غير أن زمنه استغرق أكثر ما يلزم، ما يناهز أكثر من عقد من الزمن، لازلنا إلى حدود اليوم لم نتمكن من وضع صيغ أعمق تتجاوز ما هو تقني لترقى إلى مستوى تطلعات المجتمع أي تحقيق التنمية الشاملة وبلورة مشروع مجتمعي مبني على الصيغة النضالية التي تأسست على مدى عقود والتي جعلت منظومة التكوين متلازمة مع المشروع المجتمعي بحيث يصبح المجتمع جزء لا يتجزأ من المنظومة، بل هو المنظومة ويصبح التقني ثانويا حينما يتحكم المجتمع في مصيره المعرفي، إنه التوجه الذي يجب أن تؤسس عليه أية إستراتيجية لإصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي مستقبلا. لقد ظلت الجامعة المغربية ومؤسسات التعليم العالي فضاء للعلم والمعرفة فضاء يكرس العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص وإذا كان هذا الفضاء يعرف اليوم أزمة فقد أريد لها أن تكون كذلك من خلال سياسة تهدف إلى خلق مستويات ذات خيارات متعددة تنطلق من الوحدة نحو التعدد غير المنظم فمن وحدة الولوج إلى الجامعة انتقلنا إلى الثنائيات بين مؤسسات تابعة للجامعة وأخرى غير تابعة للجامعة ثم بين مؤسسات ذات الاستقطاب المفتوح وأخرى ذات الاستقطاب المحدود وانطلاقا من ذلك أصبح تعليمنا العالي متعدد السرعة والجودة. اليوم سارت الدولة نحو خلق سرعة ثالثة تمييزية من خلال خلق مؤسسات للتعليم العالي مؤدى عنها في إطار ما يعرف بالشراكة دون أن تخضع لأية قوانين ولا لأي دفتر تحملات، كما توجهت نحو خلق جامعات بأنظمة خاصة ليصبح بذلك تعليمنا العالي فسيفسائيا وهو ما يعني توجه الدولة نحو بداية التملص من الإنفاق على التعليم العالي والبحث العلمي العموميين. إن أي إصلاح لمنظومة التعليم العالي يجب أن ينطلق من ضرورة حماية وتطوير الجامعة كمرفأ عمومي من الضروري أن يتوفر على قانون إطار يشكل أداة لحماية موارده البشرية والمالية وأن يحدد مسؤولية الدولة اتجاهه من خلال الزيادة في الاستثمار في مجال المعرفة باعتبارها قاطرة حقيقية للتنمية، فأي إصلاح لمنظومة التعليم العالي يجب أن تنطلق من فهم حقيقي للأدوار التي نريد أن يلعبها هذا المرفق العمومي في هذا البلد وفي إمكانية جعله ذا جودة عالية سواء على مستوى التكوين أو البحث أو التدبير وإذا كانت هذه المستويات أساسية فإنها أصبحت اليوم متجاوزة على مستويات التقييم الدولية، فعلى القانون الإطار المنظم للتعليم العالي أن يستحضر مستويات أعمق تتمثل في السياسة الترابية للتعليم العالي وفي جودة الخدمات العمومية المقدمة وفي مستويات إدارتها وفي تطوير الرأسمال البشري وفي مستويات العلاقة بين الاقتصاد والقانون أو بعبارة أخرى حجم استثمار الدولة في التعليم العالي العمومي. هذا بالإضافة إلى ضرورة إعادة النظر في هندسة بنوده بشكل تجعل منه قانونا متكاملا ويجعل منه آلية أساسية لتطوير التعليم العالي والبحث العلمي سواء على مستوى الحكامة الجامعية التي تعرف العديد من المشاكل والتي من الضروري دمقرطتها من خلال ربط المسؤولية بالمحاسبة كما يقول الدستور، أو على مستوى إعطاء أهمية أكثر لتنظيم البحث العلمي أو على مستوى التدبير المالي الذي يجب أن يتحول من المراقبة القبلية إلى البعدية، دون أن ننسى المواد الخاصة بالأستاذ الباحث. هذا بالإضافة إلى ضرورة جعله قانون إطار يرتكز على تقوية وتنمية الجامعة العمومية وتوحيد التعليم العالي بعد الباكلوريا في إطار الجامعة الموحدة. وهي للأسف المعطيات المنطقية التي تبقى بعيدة عن تفكير المؤسسات الإجرائية في هذا البلد رغم أنها تشكل أهم منطلقات الرؤيا الاستراتيجية 2015-2030. إن طرح الإصلاح كأداة للتغيير يقتضي مقاربته في وضعه الشمولي وليس الجزئي، فإصلاح مكونات التعليم العالي يعتبر جزءا من إصلاح مجتمعي شامل، بحيث لا يمكن أن تكون الجامعة فاعلة في مجتمع لا يعترف بها وقد لا يساير تطورها، والمقصود بالاعتراف يقتضي وضع الثقة في إمكانياتها في مجال التكوين والبحث، وهي ثقة يجب أن تتوفر كذلك لدى مكونات المجتمع الجامعي. إن هذه المقاربة الإشكالية هي التي يجب أن تكون حاضرة لكل غيور على مستقبل التربية والتكوين في هذا الوطن، مقاربة ترتكز على بعدين بعد الرؤيا الأفقية من خلال الحديث عن المدرسة المغربية باعتبار أن من يلج التعليم العالي يتلقى تكونه في مراحل يجب أن لا تغفل التهيء لهذه المرحلة، وبعد يشمل جميع مكونات ومراحل المنظومة ويرتكز على الإنصاف في الولوج إلى التكوين والمعرفة والبحث وفي الحصول على جودة في التكوين التي يجب أن ترتبط بتأهيل مهنة التدبير والتكوين ثم الارتقاء بالفرد والمجتمع ليكون في قلب المساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد. إنها خارطة طريق على المسؤولين العمل على أجرأتها وتحويلها إلى قانون إطار يلزم الجميع ويجعل الفاعل السياسي والفاعلين التربوين والمجتمع بكل مكوناته متملكا للإصلاح ومساهما في بلورته، وبذلك يمكن للإصلاح أن يخرج من دائرة الشعار نحو الواقع الملموس. إن ما ميز بداية القرن الواحد والعشرين التطور الذي حدث في صناعة المعرفة فالعلم بمعناه الواسع أصبح من الأنشطة الإنسانية الأكثر أهمية التي تؤثر بشكل مباشر في كل مناحي الحياة، فقد ساعد الدول الغربية وجود مجموعات فكرية كبيرة علمية وثقافية تعمل في مناخ ملائم يضمن ضروريات تطورها، وشكل غياب هذه المجموعات بالعدد الكافي وعدم توفر الإمكانيات الضرورية لها وحتى الوعي بمدى أهمية دور تلك المجموعات الفكرية في أكثر من بلد نام إلى تراجع نمائه وتفشي الجهل، لذلك يصبح الاستثمار في مجال المعرفة والبحث ضرورة استراتيجية لتطوير الاقتصاد والمجتمع. وفي إطار عولمة الاقتصاد وتطور مجتمع المعرفة يصبح البحث العلمي أداة أساسية لإثبات الذات في عالم متغير. فحينما نتحدث عن البحث العلمي لا يجب أن نختزله في الإنتاج والمشاريع والمجلات ولكن كذلك في الاستراتيجية وفي الحكامة وفي التمويل وفي علاقة السياسات العمومية بالبحث العلمي فعن طريق هذه التوجهات العامة يمكن أن نساهم في تطوير الإنتاج والمشاريع والابتكار والتي تبقى دون المستوى وتجعل جامعاتنا في مراتب متأخرة وهو ما يجب أن يدفعنا إلى التفكير أولا في تحديد الأولويات في مجال البحث والعمل في إطار أقطاب للبحث لأن الأعمال الفردية، وهي موجودة وذات قيمة علمية عالية، إلا أنها لا تؤثر في جعل الجامعات المغربية حاضرة بقوة على المستوى الإقليمي والعالمي. أيضا يجب أن يصبح البحث العلمي قاطرة للتنمية وأي دولة لا تستثمر في البحث العلمي بحيث يصبح جزءا أساسيا في سياستها العمومية فلن تستطيع أن تحقق النمو الاقتصادي ولا الاجتماعي هذا بالإضافة إلى أننا إذا أردنا أن نكون منافسين على الصعيد الدولي فيجب أن تتحول جامعاتنا من جامعات محلية إلى جامعات دولية من خلال تحديد الأولويات في البحث ومن خلال وضع استراتيجيات واضحة وطنية وجهوية تعمل من أجل العمل على أن يرتبط البحث العلمي في المغرب بحاجيات المجتمع من جهة ومواكبا للتحولات المعرفية التي يعرفها العالم من جهة ثانية. إن البحث العلمي في المغرب ما يزال بعيدا عن إثبات ذاته بشكل واضح سواء على مستوى المؤسسات الجامعية أو على مستوى المحيط السوسيو الاقتصادي، هذا بالإضافة إلى تفاوت واضح بين الاهتمام بالعلوم البحتة والعلوم الإنسانية. إن أي تطوير للبحث العلمي في الجامعة المغربية يجب أن ينطلق من عملية التمويل، حيث إن الاستثمار في العلوم والتكنولوجيا يعتبر استثمارا على المدى المتوسط والبعيد لأن عائداته لا تظهر إلا بعد مرور السنوات التي تفصل بين الحلول النظرية وتطبيقاتها العلمية. إن ما يخصصه المغرب للبحث العلمي يبقى ضعيفا، وإن كانت التوقعات التي حددها ميثاق التربية والتكوين تتمثل في تخصيص 1%من نسبة الناتج الداخلي الخام في أفق 2010 ، حيث أن هذه النسبة لم تكن تمثل سوى 0,3% سنة 1997 وقد وصلت إلى0,8% سنة 2005 لتستقر اليوم في 0.7 . وقد وضعت الرؤيا الاستراتيجية للمجلس تطورا تدريجيا يهدف تحقيق 1% على المدى القريب و1,5 % سنة 2025 و2% سنة 2030. إن الزيادة في نسبة الناتج الداخلي الخام لا تمثل سوى جانب من جوانب تطوير البحث العلمي، ففي غياب بنيات تحتية وهياكل فاعلة، وقلة تفاعل عناصر المنظومة مع بعضها البعض وتفاعلها مع محيطها الاقتصادي والاجتماعي، لا يمكن أن نطور البحث العلمي، فالمغرب لا يتوفر على سياسة علمية وطنية موحدة يشترك في بلورتها جميع الفاعلين وترتكز على حاجيات المجتمع، بحيث تتم ترجمة هذه السياسة الوطنية إلى استراتيجية على صعيد كل جامعة تأخذ بعين الاعتبار خصوصية كل مؤسسة على حدة. إن إصلاح منظومة البحث العلمي يجب أن تبنى على إرادة حقيقية للدولة وللفاعلين، في إحداث الإقلاع المطلوب والمبني أساسا على تكوين الموارد البشرية وعلى حكامة جيدة لمنظومة البحث العلمي وأخير على تمويل ينبني على: أولا على الزيادة في الميزانية المخصصة للبحث العلمي وثانيا على تبسيط مساطر صرفها، علينا كذلك أن نوازن داخل جامعاتنا بين جودة التكوين والبحث العلمي، وبين البحث في العلوم البحتة والعلوم الإنسانية. وبدون الأخذ بعين الاعتبار المقاربة الشمولية والتدريجية من خلال الوقفات التأملية في كل مرحلة من مراحل هذا الإصلاح تبقى جميع الاستراتيجيات دون جدوى. ويبقى بذلك الاستثمار في المعرفة وتطوير البحث العلمي كفيلين بمواجهة التحديات المجتمعية والمساهمة في القدرة التنافسية للبلاد يعني تأهيل مغرب الغد لكسب رهان التنافسية في عالم متحرك على جميع المستويات وهذا يعتبر أولوية وطنية لا يمكن أن يتحقق سوى من خلال بناء إستراتيجية واضحة للدولة مبنية على التوجيه والبرمجة والتقييم وهو ما يعني إعادة النظر في عمل اللجنة الوزارية الدائمة للبحث العلمي والتقني والابتكار مع التأكيد على ضرورة التنسيق بين مختلف المتدخلين في مجال البحث العلمي انطلاقا من منطوق القانون المنظم للتعليم العالي والبحث العلمي والأنظمة الأساسية للموارد البشرية . إن هذا المعطى المرتبط بحكامة منظومة البحث العلمي لا يمكن أن يتحقق دون ربط مخرجات البحث العلمي نحو الابتكار وخدمة المجتمع من خلال وضع استراتيجية للبحث تستجيب لمجموعة من التحديات العلمية والتكنولوجيا والاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بمجالات متعددة مثل الصحة والأمن الغذائي وتدبير الموارد الطبيعية والتقلبات المناخية والحركية والنظام الحضاري والطاقة المتجددة وتطوير الاقتصاد الرقمي والتكنولوجي والتنمية البشرية. واقع التعليم العالي في المغرب مرتبك وغير واضح ويظهر ذلك من خلال عدم وضوح الخريطة الجامعية لبلادنا حيث ترتكز أهم المعاهد والتخصصات في محور القنيطرةالجديدة وتبقى باقي المجالات هامشية، الارتباك يظهر كذلك من خلال القانون الإطار الذي ينظمه فهو قانون يتحدث عن نوعين من المؤسسات مؤسسات التعليم العالي التابعة للجامعة وأخرى غير تابعة للجامعة وكل منها يدبر بنظام مختلف وهو ما يؤدي إلى نوع من الطبقية في التعليم العالي المغربي وهو وضع انتبه إليه ميثاق التربية والتكوين في مادته 78 حيث أكد ضرورة أن تصبح جميع التكوينات ما بعد الباكلوريا تابعة للجامعة وهو البند الذي أعاده وركز عليه القانون 00/01 في مادته المائة التي تقول "يتم إعادة هيكلة التعليم العالي على مدى ثلاث سنوات وبتشاور موسع بين مختلف الفاعلين بمجموع أسلاك التعليم العالي ومؤسساته وبين شركائهم في مجالات العلم والثقافة والمجالات المهنية وذلك من اجل تجميع مختلف مكونات التعليم لما بعد الباكلوريا وأجهزته المتفرقة حاليا وتحقيق تنسيق وثيق بينها على صعيد كل جهة أي بناء جامعة موحدة متعددة الاختصاصات وهو ما يدفعنا إلى التساؤل حول المراسيم التي تصدرها الحكومة بخصوص الأقطاب دون التشاور مع المعنيين بالأمر الأساتذة وهياكلهم كما حصل فيما سمي بكلية الطب وعلوم الصحة ومدارس البوليتكنيك. إن كل جهة يجب أن تتوفر على فضاء جامعي حقيقي بكل المواصفات فضاء ليس فيه فصل بين الكليات المختلفة ولا بينها وبين المعاهد والمؤسسات العليا، فضاء وحدته الأساسية مختبرات البحث والتدريس سواء في العلوم البحثة أو التطبيقية أو الإنسانية أو التربوية فضاء يمكن مؤسسات تكوين الأطر العليا من التنظيم داخل جامعات متعددة التخصصات. فضاء يتمتع بالاستقلالية والحرية الأكاديمية، وما نلاحظه اليوم هو تدخل سافر في هذه الاستقلالية. التي تتنافى مع منطوق قانون الجهوية التي أعطت بموجب الدولة الكثير من الصلاحيات للجهات وهو ما يعني العودة إلى مركزة القرار ضاربة عرض الحائط كل ما تحقق في هذا الإطار فيما يخص اللامركزية واللاتمركز. *الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم العالي