تسعى مختلف القوى في أرجاء منطقة الشرق الأوسط إلى دحر تنظيم الدولة الإسلامية الذي استولى على أراضٍ في العراق وسورية في العام2014 . لكن بغضّ النظر عن أداء هذا التنظيم الجهادي على المستوى العسكري، لاتزال إيديولوجيته تطرح تحدّياً على المدى الطويل. فهي متعدّدة الوجوه ولايمكن أن تُعزى إلى فرد واحد أو حركة أو حقبة واحدة. وبالتالي، يُعدّ فهمُها أمراً ضرورياً لإلحاق الهزيمة بالتنظيم. يطبّق تنظيم الدولة الإسلامية هذه الأفكار بشأن المؤسّسات الحديثة والمعايير الديمقراطية لتبرير الحرب على أفراد الجيش وقوات الأمن في البلدان الإسلامية. كما أن التنظيم معتادٌ على تكفير الإسلاميين وكذلك رجال الدين في التيار السائد، الذين يشكّلون جزءاً من المؤسّسات الدينية الرسمية. وأنتج الأنباري، الذي يُعدّ أقدم وأعلى مرجع في تنظيم الدولة الإسلامية حتى وفاته في آذار/مارس 2016، 40 محاضرة رمت إلى شرح إيديولوجيا التنظيم. وتركّزت المحاضرات على عدم شرعية المؤسّسات في البلدان الإسلامية، بما فيها المساجد والمحاكم. وأفرد الأنباري غضباً خاصاً لجمهور الشيعة، والصوفية، والإخوان المسلمين، والسلفيين في التيار السائد (غالباً ما أشار إلى السلفيين باعتبارهم «مرجئة»، وهذا مصطلح تحقيري يُقصَد به المؤسسات الدينية وشيوخ الدين التقليديين بشكلٍ عام). كما خصّ في إحدى محاضراته هؤلاء السلفيين التقليديين باعتبارهم «الأكثر عبثية» بين منتقدي تنظيم الدولة الإسلامية، ماشكّل انعكاساً للمعركة الإيديولوجية الشرسة بين الطرفين منذ صعود التنظيم مؤخراً في سورية والعراق.65 رابط الصحوة ينتمي العديد من رجال الدين الذين يستشهد بهم تنظيم الدولة الإسلامية لتبرير إيديولوجيته المعادية للشيعة، إلى جيل الصحوة أو يرتبطون بتيار الصحوة بطريقة ما، ويشملون: ابراهيم الفارس، ومحسن العواجي، ومحمد البراك، وحمود العمري، ومحمد النجيمي، وسعد الدريهم، ومعاصريهم من مصر وأماكن أخرى، مثل عمر عبد الرحمن الذي يُعرف أحياناً باسم «الشيخ الضرير». يعبّر رجال الدين هؤلاء عن مواقفهم بصراحة، ولاسيّما ضدّ الشيعة. فقد كتب الفارس، على سبيل المثال، كثيراً عن الشيعة باعتبارهم «رمز الخيانة»، واقتبس في إحدى المرّات عن ابن تيمية قوله: «أصل كل فتنة وبلية هم الشيعة ومن انضوى إليهم، وكثير من السيوف التي سُلَّت في الإسلام إنما كانت من جهتهم».66 مع ذلك وعلى عكس عقيدة الدولة الإسلامية، يؤكد بعضهم، ولاسيما حمود العمري، على أن العنف ضدّ المدنيين الشيعة غير مقبول، مع أنهم يرون أن الشيعة طائفة منحرفة. يحتل تركي البنعلي، من البحرين، المركز الثاني بعد أبو علي الأنباري من حيث التأثير في تنظيم الدولة الإسلامية من داخله. ووفقاً لسيرته المنشورة على الإنترنت، البنعلي هو تلميذ سلمان العودة، الشخصية البارزة في تيار الصحوة في المملكة العربية السعودية. يدّعي البنعلي أن علاقة وثيقة كانت تجمعه بسلمان العودة قبل أن يبدأ الأخير ب»التراجع»، أو يصبح أكثر اعتدالاً.67 وقد ارتبط البنعلي بحجّاج العجمي، وهو رجل دين كويتي سلفي ناشط ومعروف بأنشطته في جمع التبرعات للجماعات الأصولية المتمرّدة في سورية. كما تأثّر البنعلي بعبد العزيز الطريفي، وهو رجل دين سعودي معروف من جيل الصحوة، اعتقلته السلطات السعودية في نيسان/أبريل 2016 بسبب انتقاده إصلاحات الرياض الدينية المدفوعة من الغرب على مايبدو.68 ويواصل البنعلي التحدّث بصورة إيجابية عن الطريفي ويمتدح كتاباته. قبل أن يسافر البنعلي إلى سورية في العام 2013 للانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية، كان قد اكتسب صدقيّة باعتباره مفتياً جهادياً من خلال إقامة علاقة وثيقة مع أربعة عشر من رجال الدين المعروفين في المنطقة. في العام 2009، أذن المقدسي له بالتدريس والإفتاء، وهذا ما فعله في منتديات جهادية بارزة تحت الاسم الحركي أبو همام الأثري. يسلّط أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية الضوء على تعاليم وفتاوى البنعلي للتصدّي لمحاولات رجال الدين الآخرين، بمن فيهم المقدسي، التقليل من أهمية ثقله الديني. على الرغم من ضعف البنعلي في مجال العلوم الدينية، مقارنةً مع بعض رجال الدين، إلا أن أنشطته الجهادية المبكرة تساعد تنظيم الدولة الإسلامية على الادّعاء بأنه جزءٌ من طابور طويل من الفقه الجهادي. وهذا مايجعل البنعلي مفيداً للتنظيم كي يدافع عن نفسه في وجه مزاعم الفصائل الجهادية الأخرى بأن إيديولوجيته ليست عميقة الجذور بالقدر الكافي في الأمور الفقهية. وقد أشار أحد رجال الدين في الدولة الإسلامية إلى أن قبول مرجعية البنعلي قبل حصوله على العضوية في التنظيم هي إما شهادة على صدقيّة التنظيم أو دليل على افتقار منتقدي القاعدة في صفوفه للصدقيّة، نظراً إلى أنهم وافقوا على مؤهّلاته في السابق. تصدّر البنعلي عملية بناء شرعية أبو بكر البغدادي. وباعتباره كان منتسباً إلى تنظيم القاعدة، فهو في وضع يؤهّله لأن يجذب أنصار هذا الأخير. ويُقال إنه أُرسِل إلى مدينة سرت الليبية في آذار/مارس 2013 وفي العام 2014 لنشر دعوة الدولة الإسلامية وجمع الأنصار من مسجد الرباط.69 وقد ألّف البنعلي كتيّباً حول أبو بكر البغدادي وأحقيته بالخلافة، يحمل عنوان «مدّ الأيادي لبيعة البغدادي». يُعدّ البنعلي مهمّاً لتنظيم الدولة الإسلامية أيضاً بسبب خلفيته وآرائه الطائفية. ففي العام 2007، طُرد من دبي، حيث كان يدرُس، ومُنع في وقتٍ لاحق من دخول الكويت، ومصر، وقطر، والبحرين وطنه الأصلي، بسبب أفكار التكفيرية والطائفية. إضافةً إلى ذلك، كان شديد الانتقاد للشيعة وعقيدتهم «الفاسدة»، كما يراها هو وغيره من المنتقدين. وفي تموز/يوليو 2015، هدّد البنعلي بشنّ هجمات ضد مساجد الشيعة في البحرين، في أعقاب التفجيرات الانتحارية التي نفّذها تنظيم الدولة على مساجد الشيعة في الكويت والمملكة العربية السعودية. يميل البنعلي إلى التركيز على موضوعين أساسيين مركزيّين في إيديولوجيا تنظيم الدولة الإسلامية وهما: نواقض الإسلام والتوحيد. ففي ليبيا، ألقى محاضرات حول نواقض الإسلام، وألّف كتاباً عن التوحيد بهدف استخدامه في معسكرات التدريب التابعة للتنظيم.70 وفي حين يستخدم تنظيم الدولة الإسلامية مصطلحات غالباً ماترتبط بالسلفيين أو الوهابيين، يستشهد أيضاً بخطب ومؤلفات لأفراد لاينتمون إلى المؤسسة الدينية التقليدية. على سبيل المثال، ثمة قائمة مقترحة من 196 من المواد المكتوبة والسمعية والبصرية يوزعها أنصار تنظيم الدولة الإسلامية على الأعضاء الجدد، تشمل بأغلبية ساحقة مؤلفات لرجال دين آنفي الذكر.71 وفي مايتعلق بعقيدة الولاء والبراء، يُنصَح الأعضاء الجدد بمشاهدة خطب رجال دين مرتبطين بتيار الصحوة، ذلك أنهم غالباً مايعلّقون على أفكار علماء الدين الذين يحظون بقبول واسع لدى في صفوف مسلمي التيار السائد. وبطبيعة الحال، لايعفي تأثير علماء حقبة الصحوة السلفية، ولاسيما بنسختها السعودية، من المساهمة في إضفاء الشرعية على جماعات مثل تنظيم الدولة الإسلامية. إذ تغذّي التقاليد السلفية خطاب تنظيم الدولة الإسلامية وتساعده على الارتباط بالإسلام التقليدي. غير أن التنظيم تجاوز هذه التقاليد، وحدثت مواجهة بينه وبين السلفيين التقليديين لأسباب دينية. وقد استخدم المفكرون الدينيون المعاصرون ممن لهم تأثير على الإيديولوجيات الجهادية اليوم العديد من الأفكار المتطرّفة لابن تيمية والوهابية لأغراض سياسية وثورية. واستُخدم مفهوم الولاء والبراء، على سبيل المثال، خلال حقبة الصحوة ليس لاستهداف المسلمين الهراطقة وحسب، بل الغرب أيضاً. وقد أثّرت إعادة التفسير هذه كثيراً على الجهاديين في تسعينيات القرن الماضي.72 لايقبل السلفيون التقليديون العديد من ممارسات الدولة الإسلامية. إذ يرفض معظمهم، على سبيل المثال، التفجيرات الانتحارية بحجّة أن الإسلام يحرّم الانتحار بجميع أشكاله. وقد أجاز رجال دين إسلاميون، مثل يوسف القرضاوي، التفجيرات الانتحارية، على الرغم من أنه ذكر في وقت لاحق بأن فتواه كانت خاصة بإسرائيل.73 ومن ضمن الممارسات التي يرفضها السلفيون التقليديون: التمرّد ضد الحكام واعتبار عوام الشيعة مرتدّين وتفجير المساجد. تبرير التوحش يسعى أبرز رجال الدين في الدولة الإسلامية إلى تقديم مبرّرات لوحشية التنظيم، ولاسيما للأعمال المُرتكبة ضدّ إخوانهم المسلمين. لكن بعضهم يقوم بذلك عبر تأجيج مشاعر الكراهية الشمولية والطائفية، بدلاً من تبنّي العنف الذي يمارسه تنظيم الدولة الإسلامية بصورة مباشرة. خالد الراشد معروفٌ بتعليقاته النارية، والتي كثيراً ماترد في خطب بكائية. فقد روى في إحدى خطبه قصة قطع رأس خالد بن سفيان الهذلي في القرن السابع الميلادي. وفقاً للراشد، طلب النبي محمّد متطوّعاً لقتل الهذلي بسبب تنظيمه هجمات ضد المسلمين، فتطوع عبد الله بن أنيس وقتل الهذلي وثم قطع رأسه. وعندما عاد بالرأس المقطوعة، وفقاً للراشد، أثنى عليه النبي محمّد وكافأه. مع أن هذه الرواية موضع خلاف، إلا أن أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية يروونها بصورة متكرّرة. يستشهد تنظيم الدولة باثنين من رجال الدين على وجه الخصوص هما أبو عبد لله المهاجر وأبو بكر ناجي، لتبرير وحشيته الدموية ضدّ خصومه.74 وبسبب المبرّرات التي ساقها الاثنان لعمليات قطع الرؤوس والأساليب القاسية المشابهة، لايستغني التنظيم عن كتاباتهما. ألّف المهاجر كتاباً بعنوان «مسائل من فقه الجهاد»، وهو الكتاب الذي درسه الزرقاوي مؤسّس تنظيم الدولة، ثم علّمه في أحد المعسكرات الجهادية في هيرات في أفغانستان. ألّف ناجي – واسمه الحقيقي محمّد حسن خليل الحكيم وهو عضو سابق في الجماعة الإسلامية الجهادية المصرية - كتاب «إدارة التوحش»،75 والذي ذكر أحد رجال الدين التابعين لتنظيم الدولة الإسلامية أنه يوزّع على نطاق واسع بين أعضاء التنظيم وقادته المحليين. فحوى الكتاب هو التمييز بين الجهاد والمسائل العقائدية الأخرى. إذ قال مؤلّف الكتاب إن الطريقة التي يتم من خلالها تدريس الجهاد «على الورق» تجعل استيعاب معناه الحقيقي صعباً على الشباب، مضيفاً: «ومن مارس الجهاد من قبل علم أن الجهاد ما هو إلا شدّة وغلظة وإرهاب وتشريد وإثخان - أتحدث عن الجهاد والقتال لاعن الإسلام فلا تخلط – وأنه لايمكن أن يستمر القتال وينتقل من مرحلة إلى أخرى إلا إذا كانت مرحلة البداية فيه مرحلة إثخان في العدو وتشريد به».76 ليست السطوة الكبيرة التي يمارسها هذان المنظّران على تنظيم الدولة الإسلامية حديثة العهد، ذلك أنهما أثّرا على الزرقاوي كثيراً أيضاً.77 يبرّر المهاجر وناجي قطع الرؤوس ليس من منطلق أنه جائز شرعاً وحسب، بل لأن الله ورسوله أوصيا بذلك. ويزعمان «أن الإجماع منعقدٌ على إباحة دم الكافر إباحةً مطلق»، وأن مناصرة ومظاهرة الكفار على المسلمين كفر أكبر، مايجعل الشخص كافراً بصورة قاطعة.78 سرد القصص والجهاد من حيث تلقين العقيدة، يتجنّب تنظيم الدولة الإسلامية تعريض الأعضاء الجدد إلى التعاليم غير المستمدّة مباشرةً من كتب الشريعة، ويتم إطلاعهم على النصوص الدينية بصورة حصرية تقريباً، وفقاً لرجال دين تابعين للتنظيم. في المقابل، يمكن للأعضاء القدامى أو القادة دراسة كتب إرشادية مثل كتاب أبي بكر ناجي.79 ويتّفق قصر قراءات الأعضاء الجدد على النصوص الدينية والقصص التاريخية مع موقف التنظيم بأنه يشكّل امتداداً حقيقياً للإسلام، وليس مجرّد تنظيم له تعاليمه الخاصة. يُطلع تنظيم الدولة الإسلامية أعضاءه الجدد أيضاً على قصص تعود إلى بدايات التاريخ الإسلامي (في الغالب من الفترة المعروفة باسم حروب الردّة التي أعقبت وفاة النبي محمّد) لتبرير عمليات الذبح والصلب والقتل الجماعي والممارسات الوحشية المشابهة. واستشهد أبو أسعد السمعان، أحد رجال الدين في التنظيم، بقصة صفيّة بنت عبد المطلب، وهي امرأة عايشت النبي محمّد، لتبرير قطع الرؤوس كأسلوب ترهيب. ووفقاً للسمعان، تم فصل النساء المسلمات عن الرجال في المدينةالمنورة خلال معركة الخندق ووُضعن في مكان آمن.80 لكن رجلاً عرّفته القصة بأنه يهودي، تمكن من الصعود إلى المكان الآمن واقترب من النساء. وطلبت صفية من رجل مسنّ أن يقتل المتسلّل، لكنه ردّ بأنه غير قادر على القتال. تمكّنت صفية، التي قاتلت في معركة سابقة، من قتل الرجل وقطعت رأسه وألقت الرأس المقطوعة على مقاتلي العدو لترهيبهم. ويشير أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية أيضاً إلى آيات من القرآن تدعو إلى «ضرب الرقاب» وتكتيكات مماثلة، على الرغم من أن رجال الدين في التيار السائد يؤكّدون على ضرورة أن تُفهم هذه الآيات في سياق المعركة. يعتمد تنظيم الدولة بصورة كبيرة على قصص وأحداث من التاريخ الإسلامي لأن من شأنها أن تكون أقوى من الاستدلال بالمبادئ الإسلامية، خاصة إذا كانت القصص والأحداث تدعم الآيات القرآنية أو الحديث (الأقوال التي تُنسب إلى النبي). ويستغلّ التنظيم إلى أقصى حدّ ممكن أي نموذج يمكن أن يعثر عليه، ويستعير مما يعتبره رجال الدين المسلمين حوادث معزولة لاينبغي اتّباعها كقواعد. ويستخدم قصصاً ليس بهدف مناقشة فكرة دينية دائماً: فقد يتم تقديمها لمساعدة أفراد التنظيم الذين يعانون صعوبة في ارتكاب أعمال شديدة العنف. يستشهد التنظيم بقصة القائد الإسلامي خالد بن الوليد، الذي قتل آلاف الأسرى بعد معركة أليس،81 في مايُعتبر مخالفة لتعاليم الدين الإسلامي. كان بن الوليد أقسم أن يصنع من دم أعدائه نهراً إن سيطر عليهم. وعندما لم يتمكن من العثور على عددٍ كافٍ من الأشخاص لصنع هذا النهر، قتل الأسرى، وأمر بفتح أحد السدود المُقامة على النهر على جثثهم النازفة. ويُشير تنظيم الدولة الإسلامية إلى أن الخليفة الأول أبو بكر، أثنى على بن الوليد بسبب النصر الذي حققه، وأشار إليه النبي محمد باسم «سيف الله المسلول». وعندما يقتل تنظيم الدولة أسراه، يمكنه ببساطة أن يسوق هذه القصة، معتمداً على ما يمكن وصفه ب»الشريعة الحركية»، أي الأحداث والقصص وليس التعاليم الدينية وحسب. يطبّق تنظيم الدولة بصورة متعمّدة عقوبات غريبة وشاذّة لصدم المراقبين وتسليط الضوء على حوادث مماثلة في التاريخ الإسلامي، كما فعل أتباع المتطرّف السعودي جهيمان العتيبي في سبعينيات القرن المنصرم. ففي كانون الأول/ديسمبر 2014، على سبيل المثال، ألقى مقاتلو التنظيم رجلاً يبلغ من العمر عشرين عاماً اتُّهم بممارسة المثلية الجنسية، من أعلى مبنى في دير الزور، «كما فعل خليفة المسلمين أبو بكر»، وفقاً لبيانات صادرة عن التنظيم.82 وتوحي الأحاديث مع الأعضاء الجدد في التنظيم بأن رجال الدين فيه غالباً ماينقّبون في التاريخ الإسلامي بحثاً عن قصص أو أحاديث غامضة لإقناع الأعضاء الجدد وإثبات أن الإسلام الحقيقي غائبٌ عن مجتمعهم. وأوضح عضو التنظيم المثنّى عبد الستار الأمر قائلاً: «عندما تستمع إلى رجال الدين في الدولة [كما يشير أعضاء التنظيم إليه[، تُصدم بحقيقة أن معظم مجتمعاتنا الإسلامية قد انحرفت عن الدين الحنيف. فهي تتبع ديناً اختُرع قبل عقدين، أو أقل من ذلك».83 قد يواجه رجال الدين في التيار السائد صعوبات في التعامل مع قصص العنف الشديد التي يعتمد عليها تنظيم الدولة الإسلامية. وهم يحجمون عادةً عن رواية قصص مشابهة في الأماكن العامة، مايفسح المجال أمام تنظيم الدولة الإسلامية لصياغة هذه القصص كي تتناسب مع خطابه. وعلاوةً على ذلك، غالباً مايجد رجال الدين في التيار السائد أنفسهم عاجزين عن الدخول في مناقشات حول هذه القصص من دون المخاطرة بأن يؤدّي ذلك إلى تداعيات طائفية. على سبيل المثال، من شأن انتقاد خالد بن الوليد، الذي يكرهه الشيعة لكنه يحظى بقدرٍ كبيرٍ من الاحترام في صفوف السنّة، أن يضع رجل الدين في موقف حرج يتمثل في تبرئة أفراد الطائفة الأخرى. خاتمة بغضّ النظر عما سيؤول إليه حال تنظيم الدولة الإسلامية على الصعيد العسكري في الأشهر والسنوات المقبلة، لاتزال إيديولوجيته تشكّل تحدّياً طويل الأمد. فهو يعبّر عن مشكلة أوسع نطاقاً تم تجاهلها إلى حدّ كبير وهي: عملية تغيير تاريخية وعشوائية للسلفية التقليدية تؤدّي إلى نشوء حركات جديدة تنبثق من السلفية والإسلاموية. وإلى أن يتم الإقرار بوجود تأثير متبادل بين الأفكار السلفية والإسلاموية، سيتواصل تشخيص إيديولوجيا تنظيم الدولة الإسلامية بصورة خاطئة. فتركيز هذا التنظيم على التعاليم الدينية الإسلامية في خطابه العام يحجب طبيعته الثورية ويخلق توهّماً بإمكانية عزو إيديولوجيته إلى السلفية وليس إلى التقاء الفرعين الأصولي والثوري فيها في العقود الأخيرة. لقد صُوِّر الدور المركزي الذي تضطلع به الأفكار الإسلامية على أفضل وجه في مقولة شهيرة في صفوف أنصار تنظيم الدولة الإسلامية، وتُنسب إلى الصحافي اليمني عبد الإله شائع: «الدولة الإسلامية كتبها سيد قطب، درّسها عبد الله عزام، عولمها أسامة بن لادن، نقلها إلى الواقع الزرقاوي، نفّذها البغداديان أبو عمر وأبو بكر».84 أضاف تنظيم الدولة الإسلامية التركيز على الطائفية إلى سجلّ حافل بالآراء المتطرّفة. فقد ربط نفسه، على وجه الخصوص، بالحركة السلفية الجهادية التي انبثقت من الجهاد الأفغاني، ماساعد التنظيم في تأصيل نفسه داخل السلفية، وجعله أقل عرضة إلى السخرية أو اتهامه بالانحراف. إذ بات الجهاد الطائفي الذي يمارسه تنظيم الدولة مُزدهراً في المناخ الإقليمي الراهن. وتساعد جملة من العوامل تنظيم الدولة الإسلامية على الصمود واستمالة وتجنيد الأعضاء الجدد، من ضمنها: الاستقطاب الطائفي، وبروز الميليشيات الطائفية على نحو مماثل في العراق وسورية وخارجهما؛ وغياب القيادة الدينية والسياسية. يُضاف إلى ذلك أن الخطب السياسية ووسائل الإعلام الطائفية تواصل إذكاء الكراهية الطائفية، مايصبّ في صالح تنظيم الدولة الإسلامية. في غضون ذلك، لاتلقى الرسائل التي يوجهها رجال الدين في التيار السائد إلى التنظيم صدى واسعاً عموماً بسبب علاقاتهم بالأنظمة السلطوية. فقد جرى إضعاف المؤسّسات المعتدلة في أعقاب الانتفاضات العربية في العام 2011، عندما اعتُبرت المؤسّسات الدينية متواطئة مع الأنظمة القمعية وعاجزة عن تلبية تطلّعات الشباب الثوري. وسرعان ماملأ تنظيم الدولة الإسلامية وسائر المجموعات الفراغ الناجم عن ذلك، ويبدو أن التنظيم في صدد تحويل تعاليمه التي يكتنفها الغموض إلى مدرسة معترف بها في التطرّف، على غرار تنظيم القاعدة على مرّ السنين، لكن يُحتمل أن تمارس تأثيراً أكبر.