عهد الملك الحسن الثاني كان عهد ملكية سلطوية تتزاوج فيها صورة الحاكم مع صورة الإمام، إنه أمير المؤمنين الذي يترسخ في قلب الزمن كسلطة دينية في سياق تنتقد فيه الحركات الإسلامية الناشئة النظام وتدعو إلى قيام »خلافة ثانية«. أما الأحزاب السياسية العلمانية التي كانت في السابق ترفض هذا الجانب من السلطة، وترى فيه علامة على »استبداد قروسطي» بدأت تعترف به بل وتدافع عنه بقوة على أمل ضمان تمدين الحقل السياسي الحزبي. إن هيمنة الملك على الحقل الديني والذي يتوخى عزل القوى السياسية الإسلامية المعارضة يقود بالضرورة إلى تثبيت وتقوية وضع الملك كأمير للمؤمنين. ملك وأمير المؤمنين هما وجهان للملك كما أعاد بناءها الملك الحسن الثاني في مغرب ما بعد الاستعمار، وتتجسد إن رمزيا على مستوى اللباس من خلال ارتداء البزة العسكرية أو اللباس الأوربي من جهة، والجلباب والطربوش (الفاسي) من جهة ثانية، وهنا تكمن خصوصية الملكية المغربية. وهذا الكتاب يحاول تتبع نشأة هذه الملكية كما أعاد الملك الحسن الثاني ابتكارها... في كل مرة تتحدث فيها هذه المقررات عن هذا الكيان أو ذاك نجد دائما نفس منطق الوحدة هو البارز: - الوطن الأمة هو وحدة لاتتجزأ لأنها موحدة بروابط العروبة والإسلام. - المغرب العربي هو وطن واحد لأن سكانه لهم نفس الإله ونفس الدين. - الوطن العربي موجود منذ اعتناق سكانه للدين الإسلامي وللغة العربية. - وحدة الأمة الإسلامية ضرورة لأن الإسلام يعلّم أنصاره »»الوحدة»« و»»التضامن»« و»»الأخوة««. أما بخصوص التناقضات التي تخترق المجتمعات الإسلامية المعاصرة، فإن مؤلفي المقررات يرجعونها للانحراف عن الإسلام والأعمال الشريرة للاستعمار. فالوحدة التي تدعو إليها وتبرزها هذه المقررات تترجم، كما قلنا، تأثيرا واضحا للمذهب الإصلاحي، فهذا التأثير المذهبي لا يتمظهر فقط في التعبيرات التي ينتجها مؤلفو هذه المقررات أنفسهم، بل كذلك تتمظهر من إعادة إنتاج العديد من النصوص المقتبسة من مختلف أنصار الايدولوجيا الإصلاحية، وهكذا نجد في مقرر النصوص الأدبية للسنة الثالثة من الباكالوريا نصوصا لمحمد عبده (1905-1849) شكيب أرسلان (1946-1869) عبد الحميد بن باديس (1940-1889) محمد البشير الإبراهيمي (1965-1889) علال الفاسي (1964-1910) المختار السوسي (1963-1900). لسنا هنا بصد الدخول في تفاصيل الأطروحات التي يدافع عنها كل واحد من هؤلاء الإصلاحيين لأن نصوصهم لاتهمنا كنصوص، بل فقط تهمنا كنصوص منقولة هي جزء من الخطاب البيداغوجي في شموليته، فهذه النصوص المنقولة تسمح لنا في هذا الإطار بفهم أفضل للأطروحات التي يدافع عنها مؤلفو المقررات. لاحظنا في ما سبق أن موضوع الوطن في هذه المقررات يحيل على جملة من الدوائر المترابطة التي هي على التوالي: الوطن، الأمة، المغرب العربي، الوطن العربي، الأمة الإسلامية، بمعنى آخر يتعلق الأمر بمحاولة للمزج والمصالحة بين الإحساس الوطني والإحساس العربي والإحساس الوحدوي والتضامني الإسلامي، التي تتمظهر ،كما رأينا، من خلال تمجيد الإسلام واللغة العربية كأسس للوحدة، وفي هذا الإطار تدخل النصوص الإصلاحية مثل نصوص ابن باديس أو المختار السوسي التي اختارها واضعو المقررات المدرسية والتي تستعرض صراحة مفهوم الوحدة كما يتصورها الخطاب المدرسي المغربي الذي يركز على أولوية مفهوم الأمة كمرجعية للهوية بالنسبة لكل مسلم. يقول المختار السوسي بهذا الخصوص في المقطع الذي اختاره مؤلفو المقررات»»أنا من الذين يرون المغرب كوطن واحد، والعالم العربي كله كأمة واحدة وكل الدول الإسلامية من شمال إفريقيا حتى اندونيسيا كجبهة واحدة متينة، ليس مسلما حقيقيا من يراه بعين وطنية ضيقة والتي ليست سوى من مخلفات الاستعمار الغربي««، نفس التصور عن الوطنية وبناء الهوية الوطنية على أساس الإسلام نجدها في نص ابن باديس. في هذا الصنف من النصوص الإصلاحية، نجد كذلك وفي نفس المقرر نصا لمحمد عبده بعنوان »»الوحدة والسيادة«« والذي يعرض فيه الكاتب أطروحته المعروفة حول الوحدة كعنصر القوة، هذه الفكرة نجدها في العديد من نصوص هذه المقررات حيث يقدم التنوع باستمرار كمرادف للتفرقة وبالتالي كخطر لجماعة المؤمنين والمنطق الذي يؤطر جميع هذه النصوص هو نفس المنطق ويتلخص في الصيغة التالية: الوحدة /القوة (مقابل) التفرقة /الضعف ولدعم هذا التحليل يستنجد مؤلفو هذه المقررات بالسور القرآنية التالية: «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا» «» كُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ، كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ» «»وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ « « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ»