يزخر التراث العربي بقصص وأخبار الأولين التي تم تدوينها، في كتب ومجلدات عديدة، متناولة حيوات أو أحداثا وقعت لهذا الشاعر أو هذا الأديب أو لذاك الوالي أو ذاك الحكيم أو هذا المجنون، أو هذا الطماع وذاك المحتال إلخ.. وهي قصص وأخبار انتمت في غالبها إلى الأدب العربي، الفصيح العالم منه، أو الشعبي، مما ظل الحكاة والرواة يرددونه في مجالس أنسهم، أويطالعه المهتمون بالأدب لإغناء قاموسهم اللغوي، لما تنطوي عليه بعض هذه القصص من مفردات مُفعمة بنداوتها الأولى وطراوتها البدئية، أو لما تشمله من عبر وحكم وأمثال أو لمجرد متعة القراءة والترفيه عن النفس. ولأن »» اقرأ» نزلت في شهر رمضان، فإن هذا الشهر المبارك، ظل شهر القرآن وشهر القراءة إلى جانب كونه شهر العبادة، بل إن العديد من الأقطار العربية شهدت رواة وحكواتيين يقصون على الصائمين في الساحات العامة أو في بعض المقاهي العتيقة، قصص السير، كالعنترية وسيرة سيف بن ذي يزن أو سيرة بني هلال، أو بعض القصص من هنا وهناك مما هو مدون في »الأغاني» مثلا، وغيرها كثير مما تزخر به كتب التراث العربي . لذلك، وبمناسبة هذا الشهر الفضيل، اخترنا منتخبات من هذا التراث ليصاحبها القارئ الكريم، عله يجد فيها من البلاغة والفصاحة وحسن القول وسرعة البديهة، وخفة الظل والدم ومن مهارات الخطابة وأساليب المكر والحيل لبلوغ الغاية ومن الامتاع والمؤانسة، ما يملأ به وقته الرمضاني الطويل من استفادة ومتعة. حلال لليلى شَتْمُنا سأل لملوَّح - أبو المجنون - رجلا قدم من الطائف أن يمر بالمجنون فيجلس إليه فيخبره أنه لقي ليلى وجلس إليها، ووصف له صفات منها ومن كلامها يعرفها المجنون وقال له: حدثه بها، فإذا رأيته اشرأب لحديثك واشتهاه فعرفه أنك ذكرته لها ووصفت ما به فشتمته وسبته وقالت: إنه يكذب عليها ويُشهرها بفعله وإنما ما اجتمعت به قط كما يصف. ففعل الرجل ذلك، وجاء إليه فأخبره بلقائه إياها، فأقبل عليه وجعل يسائله عنها، فيخبره بما أمره به الملوح فيزداد نشاطا ويثوب إليه عقله، إلى أن أخبره بسبِّها إياه وشتمها له، فقال وهو غير مكترث لما حكاه عنها: تمر الصبا صفحا بساكن ذي الغضا ويصدع قلبي أن يهب هبوبها إذا هبت ريح الشمال فإنما جواي بما تهدى إلي جنوبها قريبة عهد بالحبيب وإنما هوى كل نفس حيث كان حبيبها وحسب الليالي أن طرحنك مطرحا بدار قلى تمسي وأنت غريبها حلال لليلى شتمنا وانتقاصنا هنيئا ومغفور لليلى ذنوبها