"التسويف وتعليق الحوار القطاعي" يغضبان نقابات تعليمية بالمغرب    حركة "حماس" ترفض لغة التهديدات    الربيعة: المعتمرون غير مطالبين بالتلقيح.. وعلاقات المغرب والسعودية استثنائية    حادثة سير تفضح مخدرات بالبيضاء    مليلية تسجل حالات إصابة بالحصبة    المغرب يجدد التأكيد على الرؤية الملكية لتكون الريادة للقارة الإفريقية    النيابة العامة تنظم بطنجة دورة "الطب الشرعي ودوره في حظر التعذيب والوقاية منه"    حماس تشيد بموقف الأردن ومصر    القاهرة تحتضن قرعة بطولتي الناشئين وسيدات الفوتسال المغرب 2025    أزمة القطيع بالمغرب تتصاعد والحكومة في سباق مع الزمن قبل عيد الأضحى    أكادير.. وزير التجهيز والماء يترأس مجلس إدارة وكالة الحوض المائي سوس ماسة    توقيف مواطن كويتي مطلوب دوليًا بمطار محمد الخامس بالدار البيضاء    منخفض جوي يقترب من المغرب وتوقعات بعودة الأمطار والثلوج    توقيف سائق شاحنة مغربي بالجزيرة الخضراء بسبب القيادة تحت تأثير الكحول    نجاح أول عبور رسمي للبضائع عبر معبر سبتة إلى المغرب    سعيدة فكري تطلق جديدها "عندي أمل"    حقيقة طلاق بوسي شلبي من محمود عبد العزيز دون علمها    الخزينة العامة: مداخيل الجمارك بلغت 7.8 مليار درهم في يناير 2025    المعهد الفرنسي بتطوان ينظم "ليلة الأفكار"    27 قتيلا حصيلة حوادث السير بالمدن    "الكونفدرالية": لا جدوى من تقارير مجلس الحسابات إن لم تتبعها محاسبة حقيقية    إبراهيم دياز يعود بقوة بعد الإصابة    مباحثات عسكرية مغربية أمريكية حول الأمن والتصدي للتهديدات الإقليمية    ليبيا.. وزير في حكومة الدبيبة ينجو من محاولة اغتيال    بعد المغرب.. تفشي الحصبة "بوحمرون" في الولايات المتحدة الأمريكية    التنسيق النقابي لقطاع الصحة يطالب بلقاء عاجل لتصحيح المسار وتسريع تنفيذ اتفاق يوليوز 2024    الدكتور عميريش مصطفى: التلقيح يعد الوسيلة الوحيدة والأكثر فعالية للوقاية من داء الحصبة    نصف المتوجين بجائزة الكتاب العربي من المغاربة    نزار بركة يترأس لقاءً تواصليًا بأكادير لمناقشة تحديات الماء والطرق وتعزيز العمل الحزبي    المفتش العام للقوات المسلحة الملكية ورئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات الأمريكية يشيدان بدينامية التعاون العسكري بين المغرب والولايات المتحدة    سبعة مغاربة وأردني ولبناني وسعودي ومصريان يفوزون بجوائز ابن بطوطة لأدب الرحلة 2024 – 2025    فضيحة إنجاز "بحيرة الرهراه" بطنجة ب940 مليونا تصل لوزير الداخلية.. ومطالب برلمانية بفتح تحقيق    "دوزيم" الأكثر مشاهدة خلال 2024 وسهرة رأس السنة تسجل أعلى نسبة    كوريا الشمالية: "اقتراح ترامب السيطرة على غزة سخيف والعالم يغلي الآن مثل قدر العصيدة يسببه"    أشرف حكيمي.. ملك الأرقام القياسية في دوري أبطال أوروبا ب 56 مباراة!    مأزق استراتيجي جديد لقصر المرادية بسوريا    جامعة الدول العربية ترفض التهجير    أكادير تحتضن الدورة الثانية للمعرض الجهوي للاقتصاد الاجتماعي والتضامني    مؤشر "مازي" يرتفع ببورصة البيضاء    نوفل لحلو: التوفر على صناعة طبية مرنة شرط أساسي لتحقيق السيادة الصحية الوطنية    بعد الانتصار المثير علي السيتي... أنشيلوتي يعتذر لنجم ريال مدريد البديل الذهبي … !    الاتحاد الدولي للملاكمة يتجه لمقاضاة اللجنة الأولمبية على خلفية مشاركة الجزائرية إيمان خليف في باريس 2024    لافتة "ساخرة" تحفز فينيسيوس في فوز ريال مدريد على سيتي    تراجع أسعار الذهب بعد ارتفاعها إلى أعلى مستوى على الإطلاق    الاتحاد الدولي لألعاب القوى يلزم العداءات ب "مسحة الخد" لإثبات أنَّهنَّ إناث    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الأربعاء    إصابة عامل في مزرعة ألبان بولاية نيفادا الأمريكية بسلالة جديدة لإنفلونزا الطيور    الصحة العالمية: سنضطر إلى اتباع سياسة "شدّ الحزام" بعد قرار ترامب    سوريا ترفض الإفراج عن جنود وضباط جزائريين وعناصر من بوليساريو.. دليل إدانة ضد الجزائر وبوليساريو لمشاركتهما في تقتيل الشعب السوري    ‬"أونكتاد" تتفحص اقتصاد المغرب    زيارة رئيس الاتحاد العربي للتايكوندو السيد إدريس الهلالي لمقر نادي كلباء الرياضي الثقافي بالإمارات العربيةالمتحدة    أيقونة مجموعة "إزنزارن" مصطفى الشاطر في ذمة الله    7 مغاربة يتوّجون بجائزة "ابن بطوطة"    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    الشيخ محمد فوزي الكركري يشارك في مؤتمر أكاديمي بجامعة إنديانا    والأرض صليب الفلسطيني وهو مسيحها..    جامعة شيكاغو تحتضن شيخ الزاوية الكركرية    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في أول كتاب من داخل التجربة .. 1: التناوب.. تجربة لَمْ تكتمل

يُعتبر هذا الكتابُ ثمرةَ لقاء. لقاء ما بين رجل سياسة وبيْن إعلامية: الأوّل يريد أنْ يقدّم شهادة، والثانية تريد أنْ تفهم.
ليس من عادة رجال السياسة أنْ يقدّموا شهاداتهم. قليلون جدا هُم الذين يَقبلون الانصراف إلى تمْرين تقديم الشهادة. ورَغم ذلك، فإنّ تاريخ المغرب المعاصر بإمكانه أن يشكّل تمرينا جيدا للشهادة. فمنذ مستهل التسعينيات، طوى المغرب صفحات مصالحة لم تكن دائما هادئة. إنها مادة رائعة أمام المُنقّبين الذين يرغبون في الذهاب أبعد من الطابع الآنيّ للمعلومةّّّ!
كما أنّ هذا الكتاب هو كذلك ثمرة رغبة ملحّة في الفهم، فهم هذا الحُلم المقطوع التمثّل في التناوب التوافقي الذي دشّنه الوزير الأول السابق المنتمي إلى اليسار، عبد الرحمان اليوسفي. وهو أيضا رغبة في فهم ذلك الإحساس بالطَّعْم غير المكتمل للتناوب الديمقراطي.
وإذا كان رجالُ الإعلام شاهدين على الحدث، فإن الفاعلين السياسيين يتواجدون في الصفوف الأولى من تاريخ ينْكتب في الحاضر. وينبغي على الإعلاميين والسياسيين، أن يلتقوا بالضبط عنْد ملتقى الحَدَث والشهادة، في نوع من واجب النقل إلى الأجيال القادمة.
وأخيرا، فإن هذا الكتاب حُرّرَ بأربع أياد. ذلك أنّ رجل السياسة والصحافية قد حاولا معا القيام بهذا العمل الاستبطاني للتناوب. وبالتالي، كان يتعيّن استحضار الذكريات والملاحظات والوثائق. كان يتعيّن كذلك الغوْص داخل ماض قريب منا بصورة كبيرة، وملامسة جراح ما تزال طريّة. لذلك لم يكن بدّ من تقديم النقد الذاتي، بلْ إنه منَ الضروريّ للقيام بهذا التطهير. ومن جهة أخرى، كانَ لا بدّ من اللجوء إلى الحَكْي والبوْح، لكنْ بدون إساءة أو الانسياق وراء إغراء الإثارة.
لقد تطلبتْ هذه الرواية، عن الانْتقال غير المكتمل، جلسات حوار طويلة بيْن المؤلّفيْن. حوارات انطلقتْ مع نهاية شهر يوليوز من سنة 2010 لكي تكتمل في نهاية شهر فبراير من سنة 2011. إنها جلسات حوار انصبّتْ أساسا على قراءة عَقْد التسعينيات الذي وضعت خلاله بلادنا المعالم الأولى للتغيير، وعلى كشف أنواع الخلل والثغرات والإخفاقات التي عاشها تناوب عَرَفَ ولادةً جيدة رغْم كل شيء.
**********
تطبعُ المغرب المستقلّ حياة سياسية جدّ متنافرة، مع وجود دَوْرَات لم يكنْ منطقها بديهيّا في غالب الأحيان. فقد ظلّت العديد من الأسئلة الأساسية بدون إجابة واضحة ومُغرية. ثمَّ إنّ مناطق الظّلّ، التي تتضاعفُ، لا تساعدُ دائما على التقْييم الأفضل للمكتسبات والمنجزات، وكذا الحدود أو الإخفاقات. وهذه الوضعية تمسّ بنوعية النقاش الوطني الذي أثير حوْل قضايا المستقبل، كما تمسّ بشفافية الممارسات السياسية وبفعّاليتها. وفي نهاية الأمْر، يجد الرّأي العامّ نفسه أمامَ عَجْز كبير في التقييم والاختيار.
يتجلىّ أحدُ الدوافع الكامنة وراءَ هذه الملاحظة في كوْن الفاعلين السياسيين يظلّون، بصورة عامّة، متردّدين أمام الكتابة، وأمام الشهادات التي تجعل المرءَ ملتزماً. وهو حَذَرَ مبالغ فيه لمْ يعد تبريره اليوم مقبولا! فهو يبقى معبّرا عن العلاقات القائمة بيْن السّياسيّ والكتابة، بين الكلام العابر والأثر الذي لا يُمْحى. وهذه السّمة الثقافية السائدة ليستْ غريبة عن الازْدواجية الحاضرة في الخطاب وفي السّلوك وفي اتخاذ المواقف. إنها طريقة للاحتماء من «اليد الخفيّة». والحالُ أنّ تقديمَ الشهادة، انطلاقا من المَعيش، ليس معناه توجيه الاتهام. فالشهادة ليستْ مرادفا للتدْنيس. الشهادة هي المساهمةُ ? مع الذاتية التي تطبعها ? في تشكيل ذاكرة مكْتوبة على أساس تراكُمي.
إنّ الأجيالَ الشابّة أجيال غير متساهلة. فهي تريد الفهم، وتحتاج إلى موجّهات دقيقة لكيْ تعرف أيْن تضع أقدامها. ومن الواجب الأخلاقيّ أنْ نجعل من الكتابة وسيلةً من وسائل إغناء ذاكرتنا، وجعلها أقلّ مانَوية. إن الذاكرة السّكونية خطيرة. فهي تؤدي إلى «حرب الخنادق»، وتعقّم النقاش، وتخْلط المواقع.
لقدْ أصابَ ثقافتنا السياسية فقرٌ لأنها ساكنة، وهي مهدّدة بالتراجع، ولا يمكن اختزالها في الطابع الحَدَثيّ، رغْم أهمّية المقوّمات التي يمكن أن يقدّمها. لكنَّ الملاحظ هو أنّ الفكْرَ باتَ يهجُرُ السياسةَ أكثر فأكثر. والسياسةُ، في غياب الأساس الثقافي، تغدو استعمالا وتوظيفا.
هذه الملاحظة ليستْ بريئة. فهي تعبّر عن قلق، وتفرضُ ضَرورةَ تطوير الوَضْعية الاعتبارية للفاعلين السياسييّن. ذلك أنّ دَوْرهم لا يتجلىّ في استهلاك الأحداث، بقدر ما يتجلّى في إنتاجها، أيْ في الفعل والعَمَل من أجْل المستقبل.
**********
هذا المسارُ هو الذي قادَ هنا إلى مساءلة تجربة التناوب، ومن ورائها مُساءلة التناوب الدّيمقراطي بالمغرب. وهي مهمة صعبة بالنسبة لفاعل سياسيّ مُنْخرط في هذا المُسلسل، غيْر أنها مهمّة ضرورية لأنّ التجربة، برهاناتها وفاعليها وحُمُولتها التاريخية، تستحقّ تقديم شهادة مباشرة بشأنها. فَضْلاً عن أنّ هناك اثْنَتَيْ عشرةَ سنة انصرمتْ ما بين سنتيْ 1998 و2010. إنّ الزمن السياسي ليس تآكلا، بقدر ما هو ترسيب وتراجُع. وهو لمْ يُستثمرْ بما يكفي لكيْ نستخلص منه الأدوات الضّرورية من أجْل فهم أفضل لواقع معقّد، يخترقه منطقٌ متعدد. ومن ثمّ، فإنّ استعمالَ الزّمن السياسيّ ليْس مُنتجا في غالب الأحيان. واليوم، تُعتبر شهيّة الاستهلاك أقوى من شهية الإنتاج. أيْ شهيّة المبادرة والاستشراف، وأنْ تكون مفيدا بالاختلاف، بعيدا عن التماثُل.
يمثّل التناوب، رغْم عمره المحدود جدّا (1998، 2002) تجربة وطنية غنية بالدروس والعبر. ومن شأنها أنْ تشكّل مدرسة قائمة الذات بنجاحاتها وحدودها. ألَمْ يسمح للمغرب بأنْ يستعيدَ أنفاسَه وهو على حافة الاختناق؟ إنه باتَ يمثل أرْضيّة سمحتْ بشقّ الطريق نحو الديمقراطية والحداثة.
غير أنه انتهى إلى نوْع من الشّعور بشيء لم يكتملْ، وكادَ أنْ تنجم عنه أزمة جديدة. إنّ بدايته كنهايته يشكّلان معا مُنعطفا في الحياة السياسية المغربية.
تعنينا أحداث تونس ومصر بصورة مباشرة، بلْ أكثر من ذلك، إنها تعنينا بقوة، وينبغي أنْ نستخلص منها كلّ الدّروس المُمْكنة، على الرغم من كوْن الأوضاع بين المغرب وهذيْن البلديْن غير متشابهة. ذلك أنّ الربيع المغربي له هذه الخصوصية التي تكمن في تَفَتُّق بَرَاعمه داخل المؤسّسات.
يعرفُ المغرب حياة سياسية غيْر منتظمة، غير أنها، رغْم كلّ شيء، حياة حقيقية بمكتسبات وإيجابيات ديمقراطية. ومن ثمّ، فإنّ التنكّر لما يمكن تسميتُه «الخصوصيات المغربية»، معناه حقيقة إقبارُ التجربة التي يحياها المغرب منذ ما يرْبو على نصف قرن. وبالإمكان قراءة تظاهرات 20 فبراير كتعبير عن استثناء مغربيّ. وهو استثناء مغربي لا يمكنه، بأيّ حال من الأحْوال، تبريرَ وضعية الجمود، بل بالعكس، ينبغي أنْ يكونَ حافزا على تسْريع وتيرة الإصْلاحات.
o «لم تكنْ هناك أبدا قطيعة ما بين القصْر والمعارضة. تاريخيّا، وحتى في اللحظات العصيبة، كان التواصل مستمرّا لا تنقطع عُراه!»
o يُعتبر عقد 1990-2000 هو العَقد الذي انطلق خلاله كلّ شيء. كان المغرب قد خرج لتوّه من عقد صعب، عقد الثمانينيّات الذي بلغتْ فيه التشنجات والتوترات أوْجها، فكيف كان المناخ السياسي والاجتماعي خلال السنوات الأولى للتسعينيات؟ كيف عشتم هذه السنوات باعتباركم فاعلا سياسيا وعضوا منخرطا؟
عرفت نهاية الثمانينيات، وبداية التسعينيات، تجاذبات جدّ قوية في المجاليْن السياسي والاجتماعي. لا ينبغي أن ننسى بأن هذه السنوات تتزامن مع نهاية برنامج التقويم الهيكلي الذي كانت كلفته الاجتماعية باهظة جدا. ذلك أنّ التطْهير المالي، وسلسلة إعادات الهيكلة الاقتصادية التي صاحبتها، فاقَمَتْ من التفاوتات الاجتماعية، كما قلّصت من حجم الشرائح المتوسطة. وكان من النتائج المباشرة لذلك أن تقلّصت السوق الداخلية بالضرورة وانكمشت. إنّ نظام الحمْية الذي اتُّبع في إطار سياسة التقويم الهيْكلي قد جعل الجسم الاجتماعي المغربي في غاية الهشاشة، مما أفضى إلى ظهور أمواج من الاحتجاجات والإضرابات، ليس داخل المدن الكبرى التقليدية فحسب، بل حتى داخل المدن الصغيرة والمتوسّطة. وهي احتجاجات متناثرة من الناحية الجغرافية اندلعت في وسط البلاد وفي شمالها وشرقها كذلك. إنها تلك المرحلة التي كان يعيش خلالها المجتمع المغربي حالة اختناق، أي أنه كان يتنفس بصعوبة شديدة.
وكان يجب انتظار ملتمس الرقابة الذي قدمته المعارضة سنة 1989، وبخاصة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب الاستقلال للتنديد بحدود بل وبفشل السياسة التي نهجتها مختلف الحكومات. فبهذه المناسبة تمّ إطلاق ناقوس الخطر، غيْر أنّ الانتفاضة الكبرى هي تلك التي جرتْ خلا شهر ماي 1992، والتي تكمُن في تأسيس الكتلة الديمقراطية التي كانتْ تتشكّل من حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية والاتحاد الوطني للقوات الشعبية ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي. هذه الجبهة تضمّ المكونات الأساسية للحركة الوطنية. وقد تمكنت من خلق وضعية جديدة وفتح آقاق جديدة. وينبغي الاعتراف بأنّ الثنائي حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية قد خلقا دينامية خاصة. وسوف يحتفظ التاريخ بالحقيقة الآتية، وهي أنه كلّما اتّحدَ هذان التنظيمان الوطنيّان، كلّما تحرّك المغرب.
وما نعيشه اليوم يعود بشكل كبير، في جزْء منه، إلى ما حدث انطلاقا من التسعينيات. فقد استعاد المغرب السياسي نَفَسه الطبيعي.
o في ضوْء ما تقولون، هل يمكن التأكيد على أن عقد التسعينيات كان هو العقد الذي قال فيه الجميع: الفاعلون السياسيون والمواطنون ونساء ورجال هذا الوطن «نعم، بإمكان المغرب أن يتغير، بإمكاننا التوجه نحو الديمقراطية». يكفي فقط أنْ نتعبّأ ونصرخ لكي نُسْمع صوتنا...
n المغاربة يكرهون بَلْقَنَةَ الحقل السياسي، تماما مثلما يرفضون الانقسام. وهم ينظرون إلى كل ما من شأنه تفجير الأحزاب، والعلاقات فيما بين الأحزاب، طريقة من طُرُق ممارسة السياسة بشكل لا يخدم مصلحة الواطنين. وتكمن واحدة من العبر، التي يمكن استخلاصها من هذه الفترة، في تجميع القوى الوطنية الديمقراطية، وهو تجميع لا يستجيبُ فقط لانتظار سوسيو-سياسيّ قويّ من طرف المُواطنين، بلْ يستجيب كذلك لمطلب التاريخ. لقد تمكّن المغربُ من الحصول على استقلاله لأنّ الحركة الوطنية كانت موحّدة. ومن الصعوبة بمكان بناءُ المغرب الجديد في إطار حقل سياسيّ متشظّ.
خلال هذه السنوات، اتّحدتْ قوى المعارضة من أجل المزيد من المطالب، وبالخصوص المطالبة بإصلاح الدستور. فهل كان لديكَ الإحساس، في هذه اللحظة بالضبط، بكوْن المعارضة كانت تشكل تهديدا للسلطة؟
كان المغرب يعيش وضعية اختناق، ولمْ تكن هناك آمال في الأفق. ولا ينبغي أنْ ننسى بأنّ العالم سنة 1989 عاش حدث انهيار جدار برْلين. والمغرب يتفاعل كثيرا مع الاهتزازات والرّجّات التي تجري على الصعيد الدولي. وأعتقد أن هذا المنعطف الكبير، الذي ساهم في إعادة تشكيل النظام الجيوسياسي، ليس بمنأى عمّا عاشه المغرب خلال عقد التسعينيات. ولا ينبغي نسيان أن الحسن الثاني كان فاعلا كبيرا على المستوى الدولي. لقد كان يتوفر على رؤية حادة عن جميع التوازنات الجديدة التي كانت قيد التشكل. وبالتالي كان لهذه الدينامية الجديدة على الصعيد الدولي أثرها البالغ على مجرى الأمور داخل بلادنا.
o جدران تتهاوى إذن داخل المغرب بدوره. وبدأت تلوح في الأفق التباشير الأولى للانفراج. وبدأت السلطة تقترب من معارضة تلك الفترة. فكيف تمّت ترجمة هذا التقارب؟ وكيف عاشت المعارضة، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بصفة خاصة، هذا التقارب؟ وهل أحدث ذلك ارْتجاجا داخل الجهاز الحزبي؟
n كان هناك، لدى جميع الأطراف، وعْي قويّ بضرورة إحداث التغيير. ويعلّمنا التاريخ بأنه من الأوْلى التحرّكُ من أجل إنجاح التغيير. في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، كان تضافر العوامل الداخلية والعوامل الخارجية حاملا لعدد معين من الرسائل. وقد فهم مختلف الفاعلين بوجوب وضع قواعد جديدة من أجل توحيد أسس منطلق جديد، وإعادة الثقة، وفتح النقاش حول الإصلاحات الأكثر أهمية، أي الإصلاحات الكفيلة بتحقيق التقدم.
o هل يمكننا الحديث فعلا، خلال هذه المرحلة، عن وجود قطيعة ما بين القصر وبين المعارضة؟ أَلَمْ تكن العلاقات قائمة رغم كل شيء؟ وهل كان هناك وسطاء في الظلّ يحافظون على هذا الاتصال الضروري؟
n لم تكنْ هناك أبدا قطيعة ما بين القصر والمعارضة. تاريخيّا، وحتى في اللحظات العصيبة، كان التواصل مستمرا لا تنقطع عُراه! وهذا ما تجنّب وقوع ما لا يُحمد عقباه. المسألةُ في المغرب مسألة ثقافية! إن الخلاف، وكل أشكال سوء الفهم، والقطائع المؤقتة، قد ساهمت بصورة قوية في إنْضاج هذا المسلسل الذي قاد، في الثّسعينيات، إلى إنشاء عدد من الهيئات الاستشارية في ميادين ذات حساسية كبيرة: حقوق الإنسان، قطاع الشباب، والحوار الاجتماعي. وتنطوي هذه القطاعات على قاسم مشترك هو: إعادة الثقة من خلال إعادة رسم مواطَنَة جديدة عبْر قضية حقوق الإنسان، وعبْر تلبية مطالب الشباب الحاصل على الشهادات.ن وخصوصا في مجال التشغيل، ووضْْع اللبنات الأولى لإجراء حوار اجتماعي مع المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية.
o بإنشاء هذه المجالس الثلاثة (المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، المجلس الوطني للشباب والمستقبل، واللجنة المكلفة بالحوار الاجتماعي) ما هي الرّسالة التي كان يسعى الحسن الثاني إلى بعثها؟ أنتَ تتحدث عن مواطنة جديدة وعن حوار. أَلَمْ يكن إنشاء هذه المجالس وسيلة للتعبير عن أن توجّه المعارضة نحو السلطة كان أمْرا لا بدّ منه؟ ألمْ تكن هذه المجالس في نهاية المطاف هي الخطوات الأولى الممهدة لمشاركة المعارضة في اتخاذ القرار، وفي الحُكم؟
n كان الحسن الثاني يعبّد الطريق. وكانت تلك هي المرحلة الأولى لعقد مصالحة بين الدولة والمجتمع، والمصالحة ما بين المكوّنات الأساسية للمجتمع نفسه. وعلى سبيل المثال، فإنّ العمل على الجمع بين شباب، وأرباب عمل، ونقابييّن، ومنتخبين جماعيين، وبرلمانيين، وجمعيات مهنية، وأعضاء من الحكومة، داخل نفس القاعة، قصد مناقشة المستقبل من خلال قضية تشغيل الشباب، كان رهانا بقدر ما كان في الآن ذاته رغبة في تحسيس الحضر بكون المستقبل هو قضية الجميع. وهي طريقة للقول بأن المستقبل هو مطلب مشترك ولا ينبغي أن يكون حكرا على فئة سوسيو?مهنية معينة، أو على مكوّن واحد من مكونات المجتمع المغربي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.