في يوم تعيينها أخلفت الحكومة موعدها مع روح الدستور وتحديدا مع مقتضياته المتعلقة بالمرأة ، فضمن 32 وزيرا كانت هناك سيدة واحدة وحيدة، أنيطت بها حقيبة وزارية اجتماعية ، والمثير كذلك أن هذا التمييز ضد النساء جاء ضدا على البرامج الانتخابية للأحزاب التي شكلت الحكومة. كان هذا المؤشر بداية كشف حكومة عبد الإله بنكيران عن مقاربتها لقضية ذات أبعاد اجتماعية وحقوقية وتنموية . قضية كانت وستظل من أولويات نضال الحركة الديمقراطية ببلادنا ، بل هي عماد أي تنمية وأي تطور في المجالات الاجتماعية والاقتصادية. امرأة واحدة و32وزيرا في حكومة مكلفة بتنزيل الوجه الثاني من الدستور وهو قوانينه التنظيمية ومبادؤه ومقاصده المتمثلة في ديباجته التي أبرز ما جاء فيها :» ... إرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة...». ورغم الانتقادات التي أبداها الرأي العام والمنظمات الحقوقية والحركة النسائية للخطوة الأولى الخاطئة لأول حكومة مابعد دستور 2011 . فإن هذه الأخيرة لم تجعل من القضية أبرز محاور برنامجها الذي قدمته في يناير 2011 للنقاش أمام المؤسسة البرلمانية ،فقد « رمت»بالموضوع في الصفحات الأخيرة (الصفحة 80 من مجموع 90 صفحة ). وضمنت العنوان الذي وضعته له :»العناية بالأسرة والمرأة والطفولة» أهدافا لم تكن في مستوى انتظارات المغاربة وبخاصة الحركة النسائية. والمثير أن هذا البرنامج ربط في عمومه قضية المرأة بالأسرة وكأنه ليس لها حقوق خارج هذه المؤسسة الاجتماعية . في مسار الحكومة وفي التزاماتها وسياساتها العمومية المتعلقة بالنساء يمكن أن نطل على أبرز المحطات ذات العلاقة بالقضايا النسائية وعلى الخطاب المعتمد من طرف أعضاء في الحكومة : تشبث بمقتضيات ظالمة أول القضايا التي وقف فيها الرأي العام على مواقف الحكومة من أوضاع القاصرات كانت انتحار أمينة الفيلالي (16 عاما ) بمدينة العرايش في مارس 2012 بعد أن تناولت سم الفئران لتنهي جحيما كانت تعيشه مع زوجها الذي افتض بكارتها قبل الزواج وهي قاصر . وقد كان رد فعل الحكومة من خلال وزارة العدل والحريات أن قدمت تبريرات لا ترقى وعمق المشكل الذي يقف وراءه الفصل 475 من القانون الجنائي والمادتين 20 و 18 من مدونة الأسرة . إذ لاتحمي مقتضياتها النساء من العنف والاغتصاب . وبدا أن الحكومة تدافع عن نص قانوني ظالم بدل أن تنظر إلى انتهاكه لحقوق الإنسان ولتداعياته الاجتماعية . 8 مارس 2015 : الصورة القاتمة كان يوم 8 مارس 2015 (اليوم العالمي للمرأة ) مناسبة لرسم صورة حول واقع النساء بمغرب صنفه المنتدى الاقتصادي العالمي الخاص بالمساواة بين الجنسين في الرتبة ال 133 من مجموع 142 دولة ، سمات هذه الصورة : يحتلُّ المغرب المرتبة 24 من أصل 30 ، في ما يتعلّق بسياساتِ وآلياتِ دَعْمِ ومُواكبة المقاولات النسائية ذات الإمكانات القويّة. ما يقارب %16،2 من الأسر المغربية (1.181.585 أسرة) تسيرها نساء و تعيش وضعية هشاشة. نسبة الأمية في صفوف النساء (41،9%) مقارنة مع الرجال (22،1%). نسبة البطالة 28،3 % في صفوف النساء مقابل %12،2 لدى الرجال. وفي مجال التغطية الصحيّة، معظم النساء النشيطات العاملات في الوسط القروي (98،8%) ، وما يربو على النّصف في الوسَط الحضري (53،3%) لا يتوفّرن على أي تغطية طبيّة. في مجال التأمين عن المرض، تصل النسبة إلى 18،5 بالمائة للذكور، مقابل 8،5 بالمائة للإناث. ضعف مشاركة النساء في مصادر صنع القرار حيث لا تتعدى نسبة المسؤولات في القطاع العام 16٪ بالرغم من أنهن يشكلن نسبة 40 بالمائة من الموظفين -لا يزال العنف ضد النساء يمثل نسبة تفوق 62،8 في المائة. -وما يقارب 30000 قاصر يتم تزويجهن في السنة. - ومليون و600 ألف أسرة تعيلها النساء تعيش الهشاشة والفقر. وسجل منظمو المسيرة أن : - ولوج النساء إلى العدالة يظل من أصعب الأعمال. -إضافة لما يصيب النساء السلاليات من ظلم صريح. - المساواة في الأجور بين الرجال والنساء التي تبقى بعيدة المنال. وقد نظمت الجمعيات النسائية يومها مسيرة وطنية تحت شعار :» يدك في يديا ندافعو على المساواة والديمقراطية « إجهاض الفصل 19 من الدستور في 19 مارس 2015 صادق مجلس الحكومة على مشروع القانون 79.14المتعلق بهيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز التي نص عليها الفصل 19 من الدستور . وشكل لجنة وزارية عينت للبت فيه، وبدا هذا المشروع في صيغته تلك أنه لم يأخذ بعين الاعتبار مختلف الآراء والمقترحات التي قدمها المجتمع المدني والمؤسسات الدستورية كالمجلس الوطني لحقوق الإنسان . لم تكلف الحكومة نفسها عناء إدراج تعريفات بهذا المشروع تحدد مفاهيم التمييز والمناصفة والمساواة كما هو متعارف عليها عالميا . ولم توكل لهذه الهيئة صلاحيات شبه قضائية مثل تلقي الشكايات والقيام بالزيارات في حالة انتهاكات لمبدأ المناصفة والمساواة بين الجنسين، أو أن تتمتع بالحق في الإحالة الذاتية...وضربت معايير الخبرة والكفاءة والنجاعة والاستقلالية بالنسبة للعضوية . فشل صندوق التكافل العائلي خصصت إحدى جلسات مجلس النواب في دورة أبريل 2015 لإثارة عدد من الأسئلة المتعلقة بصندوق التكافل العائلي الذي وضعت نصه القانوني الحكومة السابقة وشرعت حكومة بنكيران في تنزيله . ومن أبرز خلاصات ما راج في الجلسة : أن هناك تعثرا كبيرا في عمل هذا الصندوق وفي صرف التعويضات المادية المتعلقة بالنساء المطلقات . أنه إلى حدود منتصف 2015 لم تستفد سوى 8،9 بالمائة من النساء المعنيات من هذه التعويضات . أن هناك تعقيدا للمساطر وإقصاء لشرائح نسائية من التعويضات . «الكوبل « الحكومي . فضيحة في حقل بنكيران في ربيع 2015 تفجرت داخل الفريق الحكومي قضية عرفت بالكوبل بين وزير ووزيرة ينتميان معا لحزب العدالة والتنمية، إذ انكشف بأن الوزير المتزوج له علاقة مع زميلته .ورأى الرأي العام بأن ذلك يتناقض والتوجه الذي من المفترض أن يسير فيه المغرب ويتعلق بالحد من تعدد الزوجات . فبدل أن يعطي « الكوبل « النموذج في هذا التوجه سار عكس ذلك . ولأن هذا السلوك أثر بشكل كبير على صورة الحزب الذي ينتميان له بالرغم من سعي البعض إلى معالجة الموضوع من زاوية شرعية ، فإن رئيس الحكومة اختار أول مناسبة ليقيل هذا الكوبل ويضعهما خارج تشكيلته الوزارية. 20 أكتوبر 2015 انتكاسة حقوقية قدم المجلس الوطني لحقوق الإنسان يوم الثلاثاء 20 أكتوبر 2015 بمقره بالرباط، تقريرا حول «وضعية المساواة والمناصفة في المغرب، صون وإعمال غايات وأهداف الدستور» سجل فيه تضاعف نسبة الزواج دون السن القانونية خلال عقد من الزمن، ومن خلال الإحصائيات يتضح أن هذه الوتيرة ارتفعت منذ بداية العقد الحالي حيث انتقلت من7 في المائة سنة 2004 إلى ما يقارب 12 في المائة سنة 2013. وأن نسبة الفتيات تمثل 99.4 في المائة من مجموع هذا النوع من الزيجات في ظل غياب تشريع خاص يهم العنف المنزلي وعدم التمييز والاغتصاب الزوجي وصمت المشرع عن بعض أشكال العنف. ونبه التقرير إلى صعوبة ولوج المرأة لمرفق العدالة رغم توفر مجموعة من الآليات التي تساعدها على ذلك كما يقدم مجموعة من أشكال التمييز التي تطال النساء خاصة في ما يتعلق بحق الولاية على الأطفال القاصرين، إلخ. التقرير أثار كذلك ظاهرة الانتشار القوي للعنف (62.8 بالمائة) في الأعضاء حق 6.2 مليون امرأة، وأكد أن جزءا كبيرا منها يرتبط بنوع من القبول الاجتماعي للعنف القائم على النوع والإفلات من العقاب الذي يستفيد منه المتورطون في العنف. وقد قدم المجلس 97 توصية لم تأخذ بها الحكومة بعد. الحكومة تتشبث بالاستمرار في تزويج القاصرات اجتمعت لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب يوم 8 دجنبر 2015 بطلب من الحكومة التي اعتمدت على أغلبيته العددية من أجل تمديد ثالث للفقرات الثلاث الأخيرة من المادة 16 من مدونة الأسرة. هذا التمديد يعد خرقا صارخا للفقرة الأولى من نفس المادة التي تنص على كون وثيقة عقد الزواج هي الوسيلة المقبولة لإثبات الزواج، وكذا وسيلة للتحايل على المواد 40 و41 و19 الخاصة بمسطرة التعدد وزواج القاصر بالرغم من الدراسات والإحصائيات والتقارير العديدة التي أكدت ذلك. حدث ذلك في وقت تنامت فيه ظاهرة تزويج الطفلات، التي تتجاوز 12% من العدد الإجمالي للزيجات وتقارب أعدادها سنويا الأربعين ألف حالة، مما يعني اغتيال حقوقهن الأساسية في التعليم والتكوين. «تشجيع « للعنف ضد النساء بدا المشروع الذي أعدته الحكومة وعنونته ب «محاربة العنف ضد النساء « وكأنه يشجع بالفعل هذا العنف ويترك ضحاياه دون حماية قانونية ،فبعد سنتين أفرجت الحكومة يوم 12 مارس 2016 على صيغة جديدة لمسودة قانون 103.13 والذي تم طبخه بمكتب وزيرة التضامن والأسرة والتنمية الاجتماعية بشراكة مع وزارة العدل والحريات. الصيغة تتعارض مع مقتضيات الدستور ومع ما التزم به المغرب من تعهدات دولية، وتتجاهل معايير التشريع في مجال مناهضة العنف، وتتنكر لمتطلبات الحماية للنساء ضحايا العنف. وأمام تغييب المقاربة التشاركية والتعتيم وانتهاك الحق الدستوري في المعلومة، أعلنت حوالي 100 جمعية هي أبرز فعاليات المجتمع المدني عن شجبها للصيغة الجديدة للاعتبارات التالية :: - إصرار وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية على التشبث بمذكرة تقديمية بدل ديباجة مؤطرة للمشروع، واعتمادها على أسلوب التمويه والمغالطات والالتفاف على المكتسبات وعلى مرجعية الدستور والحقوق الإنسانية للنساء؛ - التراجع عن الإطار المفاهيمي لأشكال العنف الوارد بالصيغة الأولى، على علاته، والإبقاء على تعريف عام وجد مقتضب للعنف، سيفضي إلى الإفلات من العقاب بشأن أفعال العنف التي لا يشملها التعريف؛ - تغييب المتطلبات الأساسية الواجب توفرها في تشريع يهدف إلى مناهضة العنف القائم على النوع مستقل بذاته، واختزال المسودة في تعديلات جزئية مشتتة للقانون الجنائي، بل نقل ما استجد بمسودة القانون الجنائي إلى مشروع قانون 103.13؛ - التشبث بالربط القسري بين النساء والقاصرين والأصول... مع إضافة الفروع في قانون مفروض أنه خاص بالعنف الذي يستهدف النساء بسبب جنسهن؛ - التراجع عن تجريم العديد من أفعال العنف (السرقة والنصب وخيانة الأمانة بين الأزواج نموذجا)، وعدم تجريم جميع أشكاله وأفعاله، سيما الاغتصاب الزوجي وبعض أفعال العنف النفسي والاقتصادي؛ - إقصاء بعض الفئات من النساء من الحماية القانونية، ومنهن الأمهات العازبات والمهاجرات وذوات الاحتياجات الخاصة؛ - الخلط بين تدابير الحماية والوقاية، على قلتها، وبينها وبين بعض العقوبات، ناهيك عن افتقار المسودة لتصور خاص للعقاب الذي يراعي النوع ويحد من الإفلات من العقاب في جرائم العنف؛ - تغييب الإجراءات المسطرية الضرورية والمنسجمة مع خصوصية جرائم العنف، والكفيلة بتوفير سبل الانتصاف للنساء الضحايا وولوجهن إلى آليات العدالة، وبتحقيق النجاعة في المساطر وضمان المرونة في الإثبات...؛ - إقصاء الجمعيات النسائية من حقها في التنصب مطالبة بالحق المدني في قضايا العنف المعروضة على القضاء. تهميش في المناصب العليا أخفقت الحكومة في إعمال القانون التنظيمي للتعيين في المناصب العليا في ما يتعلق بالنساء . فبالرغم من وجود كفاءات نسائية في جميع القطاعات فإن حكومة بنكيران انحازت للتعيين الذكوري بالرغم من أن أغلب الترشيحات كانت تضم على الأقل امرأة . بل إن قطاعا مثل التعليم العالي الذي يزخر بنساء فإن حظوظ التعيين في المناصب العليا كان يخنقها النظرة الدونية للمرأة . وعموما لم تتجاوز نسبة النساء المعينات في هذه المناصب منذ مجيء هذه الحكومة أقل من 15 بالمائة . معجم مناهض للنساء في عهد الحكومة الحالية أطلق العديد من الوزراء العنان لألسنتهم كي تصدر عبارات تحط من كرامة النساء . من بين ذلك مثلا ماقاله رئيس الحكومة أثناء مناقشة البرلمان للقضية النسائية من أن النساء بمثابة «ثريات» في منازلهن إن خرجن للعمل انطفأت الثريات . كما خاطب برلمانية في جلسة عمومية بقوله :» ديالي اكبر من ديالك « عبارة فتحت تأويلات وتفسيرات عدة . وزير التربية الوطنية محمد الوفا أهان تلميذة في الصف الابتدائي مخاطبا إياها بأن قريناتها متزوجات مما تسبب في مغادرتها المدرسة . الحبيب الشوباني، الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني منع صحافية من ولوج قبة البرلمان بداعي أن لباسها «غير محتشم»، و»يمس سمعة البرلمان» . وغير ذلك من الأمثلة كثير ، وقد اعتبر المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في عرض له خلال ماي 2015 أمام المجلس الوطني للمنظمة الاشتراكية للنساء الاتحاديات بأن لرئيس الحكومة «نظرة دونية تجاه المرأة المغربية، ممزوجة بنوع من الاحتقار، فردود فعله تنم عن عقد تتسبب له في نوبات، وهذا يطرح أكثر من سؤال بهذا الخصوص، فنحن أمام رجل لا يضبط أعصابه ولا يمارس سلوكات في مستوى المسؤولية التي يتحملها، وهذا ما يجعلنا جميعا والحركة النسائية، أمام مسؤوليات جسام لمواجهة هذه الممارسات الذكورية بمعارك ديمقراطية لنصرة قضية الكرامة والحرية والمساواة للمرأة المغربية».