يقتضي الحديث عن الموضوع في السيناريو السينمائي الحديث عن محطات متقطعة من قصة ما في علاقتها بالقالب الفني الذي توضع فيه، و بالرغم من غياب النموذج الإسمنتي للكتابة، إلا أن مبدأ تطور السيناريو بحركة انسيابية يتأسس على مبدأ واحد وترسيمة ثابتة، هي أصلا التركة المسرحية التي لم تتمكن السينما من تجاوزها او التخلي عنها، ونعني بذلك المبدأ الدرامي القديم لكل سرد من حيث تمفصله حول ثلاثة مراحل وهي العرض و العقدة و الحل، وهو نسق فلسفي ينطلق من أن كل شئ في الحياة له بداية، وسط و نهاية، و « ليس من منطلق أن الفن كالحياة مكون من لحظات معلقة في وسط كبير لا بداية له ولا نهاية» كما يؤكد على ذلك « مشيل شيون»، من خلا هذه المقاربة الفكرية، يمكن أن نفهم لماذا لا تستطيع السينما نسخ لحظات الحياة المعلقة في لا محدودية الزمن، بقدر ما تحاول التقاط أجزاء منها بالقبض على كنهها و عرضها في زمن محدود بزمن العرض، لاستحالة تطبيق المفهوم الفلسفي للبداية و النهاية على السرد السينمائي باعتبار البداية هي بديهية لا تتبع أي شئ، لكنها سبب مولد لنتيجة ، هي بدروها مولدة لنتيجة أخرى حتمية لا يتبعها اي شئ ( النهاية). في مفهوم الفصل يقتضي الحديث عن الموضوع في السيناريو السينمائي الحديث عن محطات متقطعة من قصة ما في علاقتها بالقالب الفني الذي توضع فيه، و بالرغم من غياب النموذج الإسمنتي للكتابة، إلا أن مبدأ تطور السيناريو بحركة انسيابية يتأسس على مبدأ واحد وترسيمة ثابتة، هي أصلا التركة المسرحية التي لم تتمكن السينما من تجاوزها او التخلي عنها، ونعني بذلك المبدأ الدرامي القديم لكل سرد من حيث تمفصله حول ثلاثة مراحل وهي العرض و العقدة و الحل، وهو نسق فلسفي ينطلق من أن كل شئ في الحياة له بداية، وسط و نهاية، و « ليس من منطلق أن الفن كالحياة مكون من لحظات معلقة في وسط كبير لا بداية له ولا نهاية» كما يؤكد على ذلك « مشيل شيون»، من خلا هذه المقاربة الفكرية، يمكن أن نفهم لماذا لا تستطيع السينما نسخ لحظات الحياة المعلقة في لا محدودية الزمن، بقدر ما تحاول التقاط أجزاء منها بالقبض على كنهها و عرضها في زمن محدود بزمن العرض، لاستحالة تطبيق المفهوم الفلسفي للبداية و النهاية على السرد السينمائي باعتبار البداية هي بديهية لا تتبع أي شئ، لكنها سبب مولد لنتيجة ، هي بدروها مولدة لنتيجة أخرى حتمية لا يتبعها اي شئ ( النهاية). إن الحياة كما نعيشها هي متوالية من الأحداث المترابطة، يبدو فيها في بعض الأحيان كما لو ان نهاية شئ هي بداية شئ آخر، لكن السرد السينمائي و إن كان يحترم منطق ترابط الأحداث ، إلا أن البداية ليست قدرا كما في الواقع بل هي اختيار،فالشخصيات في الفيلم تبدأ بالفعل و الحركة مع بداية الشريط و كأن هذه الشخصيات ولدت لحينها بهمومها و طموحاتها، لكن امتداد الموضوع الذي تحركه يتجاوز تاريخ بدايتها في الفيلم، تاريخا مضمرا قد نشاهد جزءا منه للتوضيح، أو قد يلغى كليا،نعني بهذا أن بداية الفيلم لا تعني بداية الموضوع، إنها فرضية من موقع اختيار السارد للمعطيات المساعدة على انطلاقة السرد، و الوضعيات المحتملة التي تؤدي إلى نتائج منطقية، إنها لحظة الصفر لانطلاقة الموضوع الفيلمي الذي نتعامل معه على قاعدة أنه كامل و غير ناقص، إنطلاقا من إيجاد التناسبات بين حجم وطبيعة المعلومات إلى أزمنة سردها، و هذا ما يجعل من مجموعة المشاهدة المتصلة تؤدي وظائف محددة لتشكل ما يصطلح عليه الفصل، من ثمة يصبح تعريف الفصل هو (وحدة درامية كبرى يتكون من عدة مشاهد، لا يتحدد بالزمان و المكان، بل بالحدث الدرامي)، لكن علينا أن ننتبه إلى ان هذا التعريف الإجرائي للفصل غير منفصل عن علاقة تلك الوحدة الدرامية بديمومتها على الشاشة أي بزمن عرضها المفترض، فالعديد من الاتجاهات في كتابة السيناريو تعمل على تسييج زمن كل فصل، من أجل خلق توازن داخلي بين الأزمنة الثلاثة للفصول الثلاثة ، حتى لا يلغى جوهر الإقناع المبني على الخلاصات المنطقية و التي يجب أن تستفيد من مساحات زمنية كافية متناسبة مع طبيعة كل فصل بحثا عن التوازن الدرامي المطلوب. إن الوحدة الكلية للسيناريو تقتضي ترابط الأحداث فيما بينها، فالزمن يتدفق با ستمرار إلى الأمام، و القصة الفيلمية تحكى خارج منطق هذا التدفق، فهي تحكى و فق مقتضيات درامية محضة، والأزمنة السردية هي عموما أزمنة إبداعية تنساب ضمن الزمن الواقعي دون انفصام، تحاول أن تثمتله حتى في حالة اختراق الماضي للحاضر( الفلاش باك)، تبعا لكرونولجيا بداية وسط و نهاية، لقد كان المخرج «جان لوك غودار» يعتقد بإمكانية ترتيب الفصول الثلاثة بأي شكل دون أن يؤثر ذلك على فهم القصة، لكن هذه القناعة تفقد الشريط عمقه التمويهي على أساس و كما وكما يؤكد على ذلك «بيير جين» ( انها غير قابلة للتبادل). إن ارتباط الفصول فيما بينها كوحدات مستقلة لتشكيل السيناريو كوحدة متجانسة يفترض إيجاد تمفصلات وظيفية بين كل فصل و آخر قصد تأمين روابط مرنة تتسرب بين ازمتها السردية بين أزمنة الفصول، لتؤمن الانتقال السلس- الميكانيكي – دون أن يشعر المتلقي بوجودها، إنها الأحداث التي تنقل السيناريو نحو مواقعه المتقدمة من السرد دون تعسف. يتطور السيناريو –إذن- حسب فصوله الثلاثة (وحدة داخل التنوع)، وكل فصل هو مركبية لوحدات صغرى هي المشاهد(وحدة داخل التنوع)، وكل مشهد هو وحدة مكونة من جزيئات صغرى هي اللقطات (وحدة داخل التنوع)، لقد عمق سيد فيلد تطبيقيا أثناء الكتابة مفهوم الوحدة داخل التنوع، إد اعتبر ان (كل فصل وحدة تامة بطبيعتها )، أي ( قالبا للفعل الدرامي)، وخلق لكل وحدة سيناريستية استقلالا ذاتيا من حيث التركيب ( بداية – وسط – نهاية )، لكنه لم يوظف الحدث الذي يعلق في الفعل للدفع بالقصة إلى الأمام إلا ما بين الفصول، مصطلحا عليه (موضع الحبكة)،هندسة الترابط هذه بين الفصول تعتبر حتمية درامية لا يمكن الاستغناء عنها حتى بالنسبة للذين يكرهون الحبكة على أساس أنها تمتهن الشخصيات. يتحدد الفصل بوظائفه، وهي الوظائف الضرورية من أجل تكثيف المعلومات لتفسير و تعميق السؤال الدرامي حتى الوصول إلى الحل، مما يفيد بضرورة وجود السياق قبل المضمون المحدد بفعل وقول الشخصيات، وهي سياقات مختلفة حددها بشكل عام أوزو حسب التقسيم التالي ( فترة زاخرة بالوعود، يليها ملاحقة المراحل التي تتشكل بها الشخصية، وعندما يكتمل فعلا معينا ويلاحظ تغيرا يعتبر السيناريو في حكم المنتهى)، لا يعني هذا أن السيناريو يتطور وفق مبيان خطي أفقي دون اهتزازات، بل يندفع إلى الأمام تبعا لتصعيد شداته الدرامية ( العقد) التي تتموقع أكبرها في منتصف الفصل الثاني (قمة الصراع)، أي اللحظة التي لا يمكن بعدها زيادة أية جرعة ، ولا شحن العواطف، مما يفضي إلى بداية حل الإشكالات فنهاية السيناريو. يقول علي أبو شادي ( إن البناء الدرامي باختصار هو الإجابة عن الأسئلة الأربعة الأساسية لأي حدث : كيف يحدث؟، متى؟، أين؟، و لماذا يحدث؟ ) أربعة أسئلة تحدد محتوى كل وحدة سيناريستية بما فيها الفصل باعتباره قالبا للفعل الدرامي ، نعني بالمحتوى تلك الأحداث المتصلة التي تتراص لتشكل الفصل من ، دون إغفال ان هذا المحتوى مرتبط بكمية المعلومات و طبيعتها التي تحدد حسب الوظائف الرئيسية لكل فصل. البداية : فصل العرض لقد أكدت العديد من الدراسات حول سيكولوجية المتلقي أنه لا يستطيع الانخراط في السرد إلا إدا توفرت معطيات و معلومات سليمة و كافية من حيث التعريف بالوسط، الشخصيات الفاعلة، زمان و مكان الأحداث، وهي افتراضات قد تكون لا واقعية، لأن المتلقي ينطلق من خلفية/صفر في تقبله لهذه الافتراضات، ويدون تواطئا ضمنيا مع الكاتب دون نقاش مصداقيتها أو واقعيتها، ليستقبل متواليات الأحداث كما يريد لها الكاتب، مما يفيد بان البداية هي من أجل نسج شبكة المعلومات الأساسية كما وضح ذلك « بيير جين « بالقول (لإعطاء المعلومات الضرورية لفصل العرض يجب تحديد المكان، الشخصيات و علاقاتها، وضعياتها المهنية و العائلية، ماضيها إدا كان ذلك ضروريا لفهم القصة )، بل يذهب البعض إلى وجوب تضمين هذا الفصل للإشكال الرئيسي. لقد اعتبر الكلاسيكيون أنه ليس هناك أصعب من تحقيق فصل عرض جيد لاعتبارات عديدة، أهمها عدم التفريط لا في المعلومات و لا في المتلقي، فبالرغم من الطبيعة التقديمية لهذا الفصل، يجب عليه أن يتضمن إشكاله الداخلي حتى لا يصبح مملا لأنه يعتبر لذاته وحدة مفعمة و كاملة ( ميكرو فيلم )، في نفس الآن الذي يجب التمرير لأكبر كمية من المعلومات في وقت وجيز، أي دون إطالة قد تدفع بالمتلقي لترك مقعده، لقد كان أحد الكتاب يقول ( كنت أخاف دائما ان أفقد الجمهور ). لقد أكدت التجربة على إمكانية تجاوز هذا الإشكال من خلال الضغط على المعلومات دون أن تفقد وظيفتها، ودون إعطاء أكبر كمية منها، لأن من شان ذلك ان يلغي الفعل التنشيطي لذاكرة المتلقي، بدل إثارة فضوله و الدفع به الى الصراع من أجل امتلاك المعلومات، إذ يكفي إعطاء العناصر الضرورية مادام هناك ما يسمى ( استمرارية فصل العرض) إن القصة يجب أن تتحرك من وجهة نظر الكاتب، و ليس كما يريد لها المتلقي أن تحكى، و هذا متعلق بمرونة الحكي الذي لا يأخد من الزمن السردي الأول مرادف لتقديم كل المعلومات، لأن كل شئ في هذا الفصل يجب ان يتم بشكل تلقائي دون أن يشعر المتلقي أنه أمام فصل للعرض و بشكل مفضوح، لا يبدأ فعليا فصل العرض إلا حينما يكون الفعل قد بدأ،مما يجعلنا نتصور منطقة سردية متضمنة ضمن الزمن السردي الأول و مرتبطة بوقائع تمهيدية لانطلاقة الفعل و الحركة – بداية البداية عند سيد فيلد – أو ما يصطلح عليه المقدمة الدرامية و التي عرفها « علي أبو شادي» بالقول ( مجموعة الظروف التي تحتم حدوث شئ معين، وتستلزم ان تتبعها أحداثا معينة، و الموقف بهذا المعنى يختلف عن الحدث العادي الذي يقوم على الصدفة، إن جوهر الدراما هو الحتمية، إن كل شئ يحدث ولابد أن يحدث بالحتمية الدرامية)، لقد كان «سيد فيلد» قارئا للسيناريوهات في إحدى الاستوديوهات، واعترف من خلال تجربته أنه كان لا يتجاوز العشر صفحات الأولى ليقرر ما إدا كان السيناريو قد يحقق نجاحا أم لا من خلال بداية ناجحة هدفها شد انتباه المتلقي و تحويل لامبالاته إلى ترقب أو خوف، و الدفع به إلى المساهمة الوجدانية البعيدة عن الحياد، هكذا تتحدد إشكالية البداية الفعلية للسرد في الانتقال من مجرد عرض المعلومات إلى لحظة مثيرة و مفاجئة تجعل المتلقي ينخرط في السرد رغما عنه، أى ( اللحظة التي يمتلك صدر البطل وعقله رغبة جامحة للحصول على الهدف، اللحظة الزمنية التي تسبب لحركة البطل كسرا للتوازن في محيطه مؤدية إلى حركة مضادة)، تكاد أن تكون هذه اللحظة التي يصطلح عليها البعض (نقطة الهجوم) قانونا دراميا لكل سيناريو ناجح، لدرجة ان البعض يصر على وجودها ولو بفعل تبريري عبر ما يسمى (بتهريب المعلومات)، إلا أن أهميتها على المنحنى السردي يقتضي من جهة التفكير العميق في التهيئ لها و في طريقة عرضها، ومن جهة أخرى قياس شدتها حتى لا تصبح الشداة المولية اقل أهمية، لذلك يؤكد « باسكال بونيتزر» على أنه (لكي تجعل المتفرج يتعلق بالفيلم يكفي أن تكون غريبا نوعا ما ، شخصيات تتفاعل لكن الجمهور لا يستطيع بسرعة فهم معنى الحركات و التفاعلات)، يعني هذا أن شد الانتباه (قد يكون بمشهد لغز يحافظ على تصرفات الشخصيات بتلقائية، في نفس الوقت الذي يثير فيه فضول المتفرج للحصول على المعلومات) كما أكد على ذلك «ميشيل شيون» . إن البداية الدرامية الناجحة تسمح للسرد بالتطور الطبيعي نحو مواقع متقدمة، تبدأ فيها المعلومات بالانسحاب، تاركة مكانها للفعل من خلال تدبير تقني بصري للزمن السردي الثاني. الوسط : فصل الصراع بنهاية الفصل الأول، تكون كل شروط الصراع قد توفرت، مما يدفع بالشخصية الرئيسية إلى الانتقال من و ضع الالتزام بالهدف إلى الدفاع عنه من خلال مجموعة من المجابهات تفرض عليها صراعا دراميا وفق القانون الميكانيكي: لكل فعل رد فعل مضاد له، يساويه في القوة و يختلف معه في المنحى، مما يجعل من الفصل الثاني فصلا لنمو الصراع باعتباره أساسا لكل عمل درامي، يبين «علي أبو شادي» تطور هذا الفصل ومحتواه بالقول ( الجزء الأوسط من العمل و الذي يصطلح عليه مرحلة التعقيد، يشغل حيزا كبيرا من السيناريو، ويبدأ بتطور الصراع تدريجيا، وينتقل في لحظة ما إلى الذروة، أي أعلى نقطة تكشف إحدى مراحل الصراع، و من الضروري أن يهتم الكاتب بالعوامل التي تؤدي إلى الفعل و من ثم إلى الصراع، و ان تكون هذه العوامل منطقية بالنسبة للمشاهد و لمنطق العمل ذاته). يعتبر الفصل الثاني الأهم و الأساس في البنية، ليس فقط لأنه يحتل الزمن الأكبر أثناء العرض – نصف الزمن السردي تقريبا-، بل لأنه يعتبر أساس التمايز بين كاتب و آخر، لأنه يعكس قدرته على التحكم في أدواته الفنية، وفي فعل الأشخاص و أقوالها، و لأنه يكون متحررا من إكراهات التقديم و كمية المعلومات، ويتصرف بكامل الحرية في ترتيب الوسائل المختلفة للتعبير حسب ما تمليه شروط القصة، شريطة الدفع بها إلى الأمام، من ثمة فإن فصل الصراع لا يخضع لمبدأ واحد، فالمنظرين كما يرى « بيير جيين» ( أعطوا بشكل واضح ومدقق ما يجب أن يكون عليه فصل العرض و الخاتمة، لكن الجزء الأوسط لازال مستعصيا على تحليلاتهم، ربما لأنه لا يخضع لفلسفة ثابتة) وهي قضية منطقية على اعتبار و جود عدد لا نهائي من أشكال تقديم الزمن السردي الثاني وعرضه، و إمكانية بنائه وفق حبكات مختلفة تحدث أفعالا مختلفة يجب أن تبدو و كأنها حتمية. يحتوي فصل العرض على مجمل القصة، و يمكن خلاله توظيف كل القيم الدرامية ( التشويق و المفاجئة )، وداخله يتعلق إحساس المتلقي و يخرج من دائرة اللامبالاة إلى مرحلة الانخراط في السرد، والاهتمام بمصائر الشخصيات حسب تناوب لحظات الشدة و الاسترخاء( ما يصطلح عليه «أوزو» الفجوات)، والتناوب ليس مجرد رغبة سردية ، بل تفرضه طبيعة سيكولوجية المتلقي ، لقد أكدت العديد من الدراسات على أن الحفاظ على وثيرة واحدة من الإحساس من حيث التفاعل مع الأحداث تجعل المتلقي يشعر بالملل، فالشخص السعيد كما يقال لا قصة له، والحياة السعيدة لا تشكل فعلا دراميا مثيرا، كما أن كثرة التوترات و العقد في غياب مشاهد ساكنة وربما دون حركة، قد لا تساعد المتلقي على استقبال متواليات العقد اللاحقة، و ربما تدفعه إلى الإشباع المبكر ليصبح غير مبال تماما، لذلك فهذا التواتر و التناوب بين هذه اللحظات محكوم بمنطق درامي يراعي سيكولوجية المتلقي وذلك بعدم وضع العقد بشكل مفتعل ، او نتيجة انقلاب مفاجئ ودون تهيئ، كأن يكون مشهدا قويا في وقت يتطلب فيه الوقف شحنات عاطفية، ومنطق قياسي من حيث عدد العقد وتنوعها و توزيعها على منحنى السيناريو، إد وكما يقول «ميشيل شيون» ( إن كثرة العقد يعني لاعقدة أساسا )، هذا ما يفترض وضع فواصل زمنية كافية بين عقدتين متتاليتين،ثم التدرج في الشدة من الأصغر إلى الأكبر( قمة الصراع)، على أن تكون القوى المحركة للعقد متكافئة وعلى نفس الدرجة من الإلتزام بالهدف (تكافؤ الصراع)، ولا يختل هذا التوازن إلا بعد أعلى ذروة في منحنى العقد، وأخيرا مراوغة حدس المتلقي في التنبؤ بنهاية الصراع، أي تجنب المحتل حتى لا يشارك المتلقي الكاتب المعرفة بمصائر الشخصيات، وهو ما عبر عنه «بيير جيين» بالقول ( على الكاتب أن يتدخل ليضع أحداثا غير متوقعة تغير وجهة و قدر الشخصيات)، أو بصيغة أحد المنظرين ( إذا كانت الآلهة تعرف عنك كل شئ، فلا تجعل من متفرجيك آلهة)، سئل يوما أحد كتاب السيناريو عن طريقة تجنب المتوقع و المحتمل فأجاب ( أضع نفسي موضع المتفرج و أتساءل ماذا يقع؟ فأكتب شيئا آخر). إن الزمن السردي الثاني إذن هو زمن نمو العراقيل، سواء كانت هذه العراقيل داخلية تأتي من الدوافع التي تسكن الشخصية الرئيسية ليدخل في صراع مع نفسه، أو خارجية تدخل هذه الشخصية في صراع مع نوايا أخرى وقوى أخرى، ولا يتوقف هذا الصراع إلا باختلال التوازن ، وبداية الحسم لصالح الفعل او رد الفعل حسب قناعات الكاتب، لتبدأ بوادر النهاية تتسرب تدريجيا. النهاية : الحل لكل قصة نهاية، و النهاية بالمعنى الفيلمي هي لحظة فك كل التناقضات بين القوى المتعاكسة، وحل كل خيوط الصراع من موقع اختيارات الكاتب، إنها قرار لاختيار موجز القصة، والنهاية في السيناريو ذات طبيعة إجبارية قصد تلبية الحاجيات السيكولوجية و المعرفية للمتلقي، و الاستجابة لها، وهو ما أكده «علي أبو شادي» بالقول ( إن العمل الفني هو مجموعة من الرغبات التي تتم إثارتها ثم إشباعها، وهكذا من الخطأ طبعا إثارة رغبة وتركها دون إشباع). يبدأ الفصل الأخير و هم محمل بإشكال تذويب ما يبدو مستحيلا ولا مخرج له في الصراع، وذلك من خلال انقلاب مفاجئ في الوضعية الدرامية، يؤدي بالحتمية الدرامية إلى الجواب عن سؤال الفيلم المركزي، ويؤسس للسياق الدرامي للنهاية معلنا عن حل المعضلات و إغلاق المدار الفني للقصة، خصوصا مع النهايات المغلقة التي تروم ان يترك المتلقي همومه داخل القاعة، يقول ميشيل شيون ( لكل سيناريو مبدئيا نهاية، هدفها حل كل المعضلات المعروضة أثناء السرد)، وبهذا تكون النهاية هي الوحدة السيناريستية المتحكمة في طريقة البناء الدرامي ( هي التي تتحكم في كل شئ، ولا يتحكم فيها أي شئ )، لذلك يعتبر دورها رئيسيا من حيث الثأتير على بناء السيناريو، لأن هذا الدور كما يرى» بيير جين» ( يمكن من فهم العلاقة الاستجابية بين تمفصلين في إطار علاقتهما بالنهاية،و يمكن من تحديد أماكن التمفصلات الرئيسية و التي بواسطتها ندخل إلى الزمن السردي الثاني و نخرج ومنه)، لقد كان شعار «سيد فيلد» ( إعرف نهاية قصتك )، لأن من شأن ذلك ان يؤسس لمنطق درامي سليم، و يجعل من القصة تنمو تبعا للحتمية التي تبدوا معها النهاية جزءا من صلب الموضوع، وليست نتيجة صدفة او مسقطة مظليا، لذلك كان هناك من يعتبر كتابة النهاية بشكل دقيق هي اللحظة الفاصلة بين مرحلتي التدبير و البناء،ولذلك أيضا كان العديد من الكتاب يكتبون مواضيعهم انطلاقا من نهاياتها، وكانوا يقرون بأن عدم وجود هذه النهاية قبل الكتابة، يعني عدم وجود حقيقة الموضوع نفسه، لأن وجودها هو الضامن لعدم تشتت الموضوع . إن صعوبة النهاية تأتي من كونها ( الموجز الذي له قيمة كلمة ) و ( الجزء الذي يحمله معه الجمهور خارج القاعة، و عليه يتأسس نجاح الفليم أو فشله) كما أكد على ذلك « باسكال بونيتزر»، لكن صعوبتها الدرامية، في خصوصيتها النافدة التي يفترض فيها أن تكون مقنعة، أي متولدة من صلب الأحداث ، لأن ما يصطلح عليه «أحمد بكير» ( تصفية التناقض بين الرغبة و الخطر)، يجب أن يتم بالحتمية الدرامية ، لأنها جوهر الإقناع، لذلك يوصى بزرع بوادر الحل في منتصف الفصل الثاني حتى لا يكون مفاجئا، في نفس الآن الذي يجب ان تكون فيه كاملة، بمعنى حل كل خيوط الصراعات المعروضة، أي إنهاء كل الحبكات الرئيسة منها و الثانوية، ولو بالإيحاء، وذلك بإيجاد الحل لكل ما ثم تعقيده سواء على مستوي الفعل الذي يؤطر لموقف الكاتب من الفكرة ونقيضها، أو على مستوى الشخصيات داخل منظومة الاستحقاقات ( الجزاء و العقاب )، علما انه ليس بالضرورة وجود توافق بين الحلين، خصوصا على مستوى طبيعة النهاية ( سعيدة – شقية –)، لكن هذا لا يعني في بعض الأحيان إعطاء حلولا لمشاكل ميئوس منها، أو تطرح إشكالات لا حل لها في الواقع، لأن هذا النوع من النهايات يضر بالفليم خاصة بالنسبة لمشكلات اجتماعية، سياسية او فلسفية معاصرة لم يتم فيها الحسم، مما يفرض و الحالة هذه نهايات مفتوحة تدفع بالمتلقي إلى المساهمة بافتراضاته الخاصة.