بملابسهم الرثة الممزقة ، و أرجلهم الحافية ، وسحنتهم التي تبدو عليها علامات المرض و العياء ، أصبح أطفال الشوارع يشكلون أحد المظاهر المألوفة لمدينة الفنيدق... في جنبات شوارعها ، تحت العربات المنسية ، و بين السيارات المركونة ، تتحول طفولة هؤلاء إلى شقاء و بؤس مبكرين ، شقاء كتبه عليهم تصدع عائلاتهم أو ظروف فقر مدقع عند البعض الآخر ، لكل واحد منهم حكايته المؤلمة التي تختلف عن حكايات الآخرين غير أن هاته الحكايات تتوحد في جزئية الهدف و الحلم ..إنه حلم العبور. ملاذ قبل العبور رغم كون مدينة الفنيدق صغيرة و لا تعد بالكثير اقتصاديا ، إلا أن قربها من مدينة سبتةالمحتلة جعلها ملاذا مناسبا للأطفال المشردين كمحطة مؤقتة إلى حين توفر فرصة العبور ، و بالضبط الوصول الى مركز «سان انطونيو»الذي يشكل بالنسبة لهم «بر الأمان الموفر للتعليم و التأهيل و العمل مستقبلا»، حسب اعتقادهم . و إلى أن تتوفر هذه الفرصة تظل الفنيدق منزلا رحبا لهم يجوبون شوارعها صباحا للتسول و توفير الطعام ، و يفترشون أزقتها ليلا للنوم . يقول شكري -ن- ، و هو طفل منحدر من بني ملال لم يتجاوز عقده الأول :»أتيت من طنجة بعد أن استحالت الحياة هناك . لدي إخوة آخرون و لا نجد ما نأكله ، فقررت الخروج من طنجة و الذهاب إلى الضفة الأخرى للعمل و إرسال المال إلى إخوتي هناك «. مضيفا :»الفنيدق كمنزل كبير ، المطبخ هنا هو شارع محمد الخامس حيث المطاعم و المتاجر ، و حي بايصا هو غرفة النوم الآمنة بالنسبة لنا ، و باب الخروج هو الديوانة غير أنه موصد في وجهنا دائما « . و يقول خالد (12 سنة ) : «هربت من البيت بخريبكة بعد سلسلة من العذاب الذي كنت أتلقاه من زوج أمي ، إنه رجل عنيف يضربنا لأتفه الأسباب ، في آخر مرة غرس «قضيب شي» برجلي اليسرى ، فهربت و لم أعد إلى البيت بعدها». كما صرح لنا محمد . ت، و هو طفل في ربيعه التاسع : «أتيت من طنجة بحثا عن العمل بعد أن ضربني المعلم، وهو النجار الذي كنت أشتغل عنده ، أحلم بالإنتقال إلى إسبانيا ، و لذلك قررت البقاء هنا «. مخدرات و جرائم إنهم أطفال فقدوا الثقة في ذويهم وفي الآخرين وفي كل شيء إما جزئيا أو كليا ، وانصهروا في «عالم الشارع» حيث البقاء للأقوى ، وهذا ما جعلهم يعيشون حالة إحباط شديد و خوف دفع العديد منهم إلى استعمال المخدرات ( الحشيش ، السيلسيون ...) كرفض للواقع او محاولة نسيانه على الأقل . يقول نزار ( 14 سنة ) :»نعيش في تجمعات صغيرة ، يتحمل كل فرد منا مسؤولية تجاه الآخرين ، أكبرنا بنية يدافع عنا و الآخرون يتكفلون بجمع الطعام و توفير الأغطية و ( السلسيون ) « . و يضيف كرد على تساؤلاتنا حول الأخطار التي تواجههم في الشارع :»على كل واحد أن يدافع عن نفسه و أن لا يدخل في مشادة مع من يكبرونه حجما حتى لا يتعرض للضرب أو السرقة . نتعرض أحيانا لذلك لكن الأسوأ هو أن يحاول الكبار اغتصابنا وهذا ما يحصل لمن ينامون بالديوانة «. شكري ، محمد ، خالد و نزار.. نماذج لأطفال وجدوا أنفسهم في الشارع ، سواء لأنهم «قرروا» الهرب من بيوت ذويهم لأسباب متباينة، أو ولدوا في الشارع، أو ضاعوا عن أهلهم، وفي الشارع حيث يسود «قانون الغاب»، يتحول هؤلاء إلى فرائس سهلة المنال، بعضهم يتعرض للاغتصاب أو الاختطاف وبعضهم «يدمر» منسيا، داخل الأزقة ، يعاني البرد أو الجوع دون أي مبالاة من جهة ما .