داء ترسب الأصبغة الدموية الأولي المعروف ب hémochromatose، هو مرض وراثي ينتج عن الامتصاص المفرط لمادة الحديد على مستوى الأمعاء بسبب نقص في هرمون هيبسيدين، هذا الامتصاص يستمر رغم تجاوز متطلبات الجسم من المعدن مما يؤدي إلى تراكمه في أعضاء مختلفة من الجسم و يسبب أضرارا جادة محتملة في أكثر من 95٪ من الحالات، وبشكل خاص على صعيد الكبد والقلب والغدد الصماء، بما فيها الغدد التناسلية والبنكرياس، مما يتسبب في تليف الكبد مع مخاطر حدوث سرطان الكبد، وفشل في القلب أو نشوء مرض السكري أو فشل في الغدة النخامية. وجدير بالذكر أنه في الظروف العاديةً، يمتص الجسم فقط نحو عشرة بالمئة من الحديد الموجود في الطعام لكنَّ هذه النسبة تقفز إلى نحو ثلاثين بالمئة أثناء المرض، ويخزّن الجسم من خمسة إلى عشرين ضعفا من احتياجاته الطبيعية. ينتج المرض عن طفرة في الجين المتحكم في إنتاج هرمون هيبسيدين، المسؤول الرئيسي في عملية استقلاب الحديد، ويصيب خصوصا الأشخاص من أصل أوروبي إذ أنه في فرنسا يعد داء ترسب الأصبغة الدموية من الأمراض الجينية الأكثر شيوعا و يوجد عند شخص واحد من كل 300. وهناك داءُ تَرَسُّب الأصبِغة الدمَوية من نوع ثانوي الذي يكون عادةً نتاجا لمرض آخر يسبِّب زيادة في الحديد مثل فَقر الدم من النوع الانحلالي. رغم أن المرض يبدأ عند الولادة في الثأثير على تخزين الحديد في الكبد، إلا أنه عادة ما تستغرق الأعراض ما بين 20 و 30 سنة للظهور، وفي أغلب الأحيان، تحدث العلامات المبكرة لداء ترسب الأصبغة الدموية بعد سن 40. وأول علامات المرض هو التعب المزمن، والألم المستديم على صعيد المفاصل، وبالأخص على مستوى أصابع اليد وبالتحديد السبابة والوسطى، ويعطي ما يعرف بعلامة «المصافحة المؤلمة»، وقد تخص الآلام مفاصل أخرى مثل الركبة والورك التي لها علاقة بخشونة المفاصل المتخلفة عن المرض أو بودائع «بلورات بيروفوسفات الكالسيوم» في المفاصل، وخصوصا اليدين والركبتين المعروفة ب chondrocalcinose ، كما يمكن أن تكون آلام المفاصل متعلقة بهشاشة العظام. عند تقدم المرض، تشمل علامات المرض أعراض مضاعفاته مثل ألم أو انتفاخ في البطن، واليرقان، والنزيف جراء انفجار دوالي المريء التي لها علاقة بارتفاع ضغط الدم ألبابي(hypertension portale) الناتج عن تليف الكبد ، هذا التليف الكبدي يهيئ للإصابة بسرطان الكبد كذلك. و يمكن أن تظهر علامات لها علاقة بمرض السكري، مثل الجوع والعطش المفرط، ومن خصائص سكري داء زيادة الحديد، قد يكون لون جلد المصاب رماديا أو برونزيا نتيجة لترسب الحديد في الجلد. كما يمكن أن يسبب الحديد الزائد عند بعض المرضى خللا في وظيفة القلب مع عدم انتظام ضربات القلب أو فشل القلب ينتج عنه ضيق التنفس إلى جانب انتفاخ في الأطراف السفلية. وفي بعض الأحيان يلاحظ بعض الاضطرابات الهرمونية مثل العجز الجنسي وفقدان الرغبة الجنسية عند الرجال، وانقطاع الطمث في وقت مبكر واضطرابات الحيض لدى النساء، التي لها علاقة بتراكم الحديد في الغدة النخامية. يستند تشخيص المرض على قياس مستويات الحديد في الدم وعامل التشبع «ترانسفيرين» وقياس» الفيريتين» في المصل، وهناك أيضا اختبار جيني جديد للكشف عن داء ترسب الأصبغة الدموية.بفضل تحديد طفرة C282Y لها علاقة بداء ترسب الأصبغة الدموية والموجودة عند أكثر من 90 في المئة من الأشخاص الذين يعانون من المرض. ومن أهداف العلاج منع حدوث المضاعفات ، لكن هذا الأمر رهين بإثبات التشخيص وبدأ العلاج مبكرا في سن 30-35 عاما، الذي يحد من خطورة المضاعفات المحققة إذا تأخر التشخيص إلى وقت لاحق. ويكون العلاج عبارة عن سحب حوالي 400 مل من دم المريض بشكل منتظم، لإزالة خلايا الدم الحمراء الغنية بالحديد، وبالتالي فإنه يجبر الجسم على استخدام الحديد المخزن لتجديد خلايا الدم. يمكن أن يستغرق العلاج شهورا أو حتى لمدة تصل إلى سنتين أو ثلاثة، بشكل متناسب مع كمية الحديد المتراكمة، ومن الضروري فحص كمية الحديد المتبقية في الجسم سنويا بعد إزالة الحديد الزائد عن طريق النزيف، علما انه إذا كانت هناك موانع لسحب الدم، مثل وجود فقر الدم، أو مشاكل في القلب، فهناك أدوية تعمل على إزالة الحديد، لكن آثارها الجانبية تحد من استخدامها. وجدير بالذكر أن آفات الكبد قابلة للتراجع إذا بدأ العلاج قبل بداية تليف الكبد، لكن تظل المخاطرة بالإصابة بسرطان الكبد واردة مع داء ترسب الأصبغة الدموية في مرحلة تليف الكبد. يجب تجنب استخدام الحديد أو مكملات الفيتامينات التي تحتوي على الحديد أو على فيتامين C الذي يزيد من امتصاص الحديد عندما يؤخذ في نفس الوقت مع الطعام، ولتفادي ذلك يلزم على الأقل أربع ساعات بين تناول الفيتامين ووجبة الطعام، كما يجب أيضا، تجنب شرب الكحول الذي يزيد من امتصاص الحديد. ومن الأهمية القصوى، بمجرد التشخيص داء ترسب الأصبغة الدموية، فحص إخوة المريض لأن خطر وراثة الجينات المعيبة من آبائهم يشكل نسبة 25 في المئة، ويعدّ الكشف المبكر وعلاج داء ترسب الأصبغة الدموية ضروريا لمنع مضاعفات هذا المرض المميت.