أتى الدستور الأمريكي الصادر 1787 بعد استقلال الولاياتالمتحدة عن انجلترا بنظام فريد وجديد يختلف في الأسس التي قام عليها كل من النظام البرلماني – ونظام الجمعية النيابية، إذ جعل الدستور الأمريكي من أن رئيس الجمهورية يأتي إلى السلطة عن طريق الانتخاب غير المباشر، لمدة أربعة أعوام قابلة للتجديد، وليس بواسطة الهيئة النيابية، لكي يتساوى مع الكونغرس في انتخابهما من الشعب. و تتميز الولاياتالمتحدةالأمريكية – بأن نظامها السياسي نظام فيدرالي – ولذلك انتخابات الرئاسة بها يحكمها الدستور والقوانين الفيدرالية وليست قوانين الولايات ( 50 ولاية ) ومن ثم فهي انتخابات غير مباشرة – تتم على مرحلتين – وبالتالي فالمواطن الأمريكي ليس ناخبا حقيقيا في الحقيقة والواقع والقانون بمعنى (صوت لكل ناخب). أولا: طبيعة النظام السياسي الأمريكي..مدخل لفهم الانتخابات الأمريكية يعد النظام السياسي الأمريكي النموذج الأصيل للنظام الرئاسي في العالم والذي ظهر بشكله الدستوري الحديث منذ إقرار دستور 1776 -دستور فلاديفيا- في الولاياتالمتحدةالأمريكية والذي حافظ على شكله الرئاسي إلى يومنا هذا رغم التعديلات المتتالية عليه وظهور معطيات وظواهر سياسية أدخلت على هذا النظام تغيرات كبيرة وأضفت على العملية السياسية في الولاياتالمتحدةالأمريكية تعقيداً كبيراً . ويتميز النظام الرئاسي بخاصيتين أساسيتين هما شدة الفصل بين السلطات بحيث يكون رئيس الدولة هو مركز السلطة التنفيذية الفعلي بينما تباشر ثلاث مؤسسات دستورية الوظائف التشريعية والتنفيذية والقضائية هي الرئاسة والكونغرس والجهاز القضائي وتعد الولاياتالمتحدة أقدم فيدرالية في العالم. وهي جمهورية دستورية "تحكمها الأغلبية ويحافظ فيها القانون على حقوق الأقليات." وهناك نظام للضوابط والتوازنات لتنظيم الحكومة حدده الدستور الأميركي، والذي يعد الوثيقة القانونية العليا للبلاد. وفي النظام الفيدرالي الأمريكي، يخضع المواطنون لثلاث مستويات من الحكومات :الحكومة الفيدرالية، وحكومة الدولة، والحكومة المحلية ؛ وتنقسم واجبات الحكومات المحلية بين حكومات المقاطعات وحكومات الأقاليم. ويتم انتخاب مسئولي الحكومة التنفيذية والتشريعية من قبل المواطنين من خلال انتخابات فردية داخل المقاطعات. ولا يوجد أي نظام للتمثيل النسبي على المستوى الفيدرالي، ونادرا ما يحدث على المستويات الأقل من ذلك. يتم ترشيح مسئولي القضاء الفيدرالي والحكومة من قبل السلطة التنفيذية ويجب أن توافق عليهم السلطة التشريعية،على الرغم من أنه يتم انتخاب بعض القضاة والمسؤولين في الدولة عن طريق التصويت الشعبي. تتكون الحكومة الفيدرالية من ثلاثة فروع : السلطة التشريعية : الكونغرس، والذي يتكون من مجلس الشيوخ ومجلس النواب، وهو يضع القانون الفيدرالي، ويعلن بداية شن الحروب، ويوافق على المعاهدات، ولديه نفوذ السعي وسلطة الاتهام، بحيث يمكنه إزالة أفراد من الحكومة. السلطة التنفيذية : الرئيس هو القائد العام للجيش، ومن حقه اقتراح مشروع لقانون، وتعيين مجلس الوزراء وغيرهم من الضباط الذين يديرون وينفذون السياسات والقوانين الفيدرالية. السلطة القضائية : وهي المحكمة العليا والمحاكم الفيدرالية الأخرى. ويتم تعيين القضاة من قبل الرئيس وموافقة مجلس الشيوخ، وهم يفسرون القوانين ويسقطون تلك التي يرونها غير دستورية. ويضم مجلس النواب 435 عضوا، يمثل كل منها مقاطعته في الكونغرس لمدة سنتين. تقسم مقاعد مجلس النواب بين الولايات من قبل السكان كل، عشر سنوات. وطبقا لتعداد السكان لعام 2000. هناك سبع ولايات لديها ممثل واحد كحد أدنى، في حين أن ولاية كاليفورنيا، وهي الأكثر كثافة سكانية، لديها ثلاثة وخمسين. ويتكون مجلس الشيوخ من 100 عضو، وهناك عضوين لكل ولاية يتم انتخابهم لمدة ست سنوات كحد أقصى ؛ ويتم الانتخاب على ثلثي مقاعد مجلس الشيوخ كل سنتين. يخدم الرئيس لفترة من أربع سنوات،ويجوز إعادة انتخابه للمنصب لفترة أخرى فقط لا غير.ولا ينتخب الرئيس عن طريق الاقتراع المباشر،ولكن عن طريق نظام انتخاب غير مباشر تتحدد في الأصوات وتوزع طبقا لكل ولاية على حدة. وتضم المحكمة العليا، برئاسة رئيس المحكمة العليا للولايات المتحدة، تسعة أعضاء يظلون في منصبهم إلى الأبد.وتم تأسيس حكومات الولايات على نحو مماثل ؛ في حين تمتلك نبراسكا مجلس تشريعي واحد. ويتم انتخاب الحاكم(الرئيس التنفيذي)لكل ولاية مباشرة. حيث الأساس هي حكومة الولاية وليست الحكومة الأمريكية، فعلى مر السنوات وبعد أن التأم الاتحاد الفيدرالي الأمريكي وتشكل من 50 ولاية وكل ولاية لديها حكومة في داخل الولاية ومجلس نواب ومجلس شيوخ ودستور وعلم. ولأن كل ولاية تعد بمثابة جمهورية متكاملة فإن كل مقاطعة لديها أيضا مجلس نواب وحاكم يتم انتخابه ودستور للمقاطعة وقضاة دستوريون وكأن كل مقاطعة تحكم نفسها، وينوب عنها في مجلس نواب الولاية أعضاء، إضافة إلى ميزانية مستقلة ومحكمة دستورية عليا مستقلة. كل شيء يتم بالانتخاب في داخل الولاية من حاكم الولاية إلى شريف المقاطعة، وتختلف قوانين انتخابات كل ولاية لها قوانينها ولا تتدخل الحكومة الأمريكية فيها، كما أن حاكم الولاية لا يتبع الرئيس الأمريكي. بعض قوانين الانتخابات لحكام الولايات محددة بولايتين وبعضها متاح بدون تحديد. وتستقل كل ولاية بقوانينها وثقافتها حيث سيفاجأ القارئ أن إحدى الولايات تسمح بتعاطي المارايجوانا لأغراض طبية، وهي ولاية كاليفورنيا.. أيضا قد يستغرب البعض أن ولاية نيويورك لا يوجد فيها حكم إعدام بينما يطبق حكم الإعدام في ولاية فلوريدا وفي نفس الجريمة. يلتزم كل مواطن في الولاياتالمتحدةالأمريكية بدفع ضرائب للحكومة الأمريكية بواقع 13 % من الدخل بينما يلتزم ب 4 % لحكومة الولاية. ثانيا:النظام القانوني لانتخاب الرئيس الأمريكي: تعكس العملية الانتخابية التي تتم على أساسها كل من الانتخابات الرئاسية والتشريعية في الولاياتالمتحدةالأمريكية طبيعة التوازنات الدقيقة في السلطات بين الحكومة الفيدرالية وبين الولايات من جانب، وبين رئيس الجمهورية وبين المجلس التشريعي من جانب آخر. فعندما أعلنت المستعمرات الأمريكية استقلالها عن إنجلترا في عام 1776، اعتمدت الكونفدرالية شكلا للدولة الوليدة. لكن في أقل من عشر سنوات لم تفلح هذه الصيغة في إيجاد التوازن الملائم بين الحكومة المركزية والولايات، ما حدا بالرئيس جورج واشنطن إلى عقد مؤتمر فيلادلفيا في عام 1787 والذي حضره مندوبون عن كافة الولايات، وتم التوصل لصيغة إنشاء نظام فيدرالي، وتم وضع دستور جديد للبلاد. وسعى المؤتمرون إلى هدف أساسي هو حماية الحريات الفردية وحقوق الولايات المنضمة للاتحاد الجديد. وبموجب هذا الدستور، تم إنشاء حكومة فيدرالية مكونة من مؤسسات ثلاث (تشريعية وقضائية وتنفيذية) توزعت صلاحيات كل منها على نحو لا يسمح لأي منها بالانفراد بصنع القرار، فوضع الدستور صلاحيات محددة للحكومة الفيدرالية وأخرى لحكومات الولايات، وثالثة يتقاسمها الطرفان، ثم نص على أن كل ما لم يرد ذكره من صلاحيات يظل من اختصاص الولايات. وعلى المستوى التشريعي، أقر الدستور حلولا وسطية للتوفيق بين مصالح الولايات الكبيرة العدد وبين الولايات الأصغر التي خشيت من أن تبدو ضعيفة داخل هذا الاتحاد الفيدرالي، فتم إنشاء مجلسين تشريعين (الكونجرس) أحدهما مجلس النواب، ويتم تمثيل الولايات فيه على أساس عدد السكان، والآخر هو مجلس الشيوخ، وتمثل فيه الولايات بالتساوي بغض النظر عن عدد السكان. ويتم الانتخاب في كليهما بالانتخاب الفردي المباشر. ويبلغ عدد أعضاء مجلس النواب 435 نائبا،، وهو العدد الذي تم تثبيته منذ العام 1912، يتم توزيعهم وفق عدد سكان كل ولاية، فيما يبلغ عدد أعضاء مجلس الشيوخ 100 عضوا تمثل فيه كل ولاية من الخمسين بعضوين. 1-إدارة الانتخابات: ينص الدستور الأمريكي في المادة الثانية والبند الأول منها على أن تدار الانتخابات الرئاسية لاختيار الرئيس ونائبه عن طريق نظام (Electoral System) أو نظام المجموع الانتخابي وهذا النظام لا يسمح بالانتخاب المباشر للرئيس ونائبه من قبل الشعب الأمريكي وإنما يقوم ،« صوت واحد لكل ناخب » بطريقة سكان كل ولاية بتكليف مندوبين عنهم بانتخاب الرئيس، ونائبه، وهم من يسمون ب المنتخبين أو (Electors) . أما عموم الشعب الأمريكي الذي يذهب إلى صناديق الاقتراع يوم الانتخاب فهو لا يسمى ناخباً، وإنما هو يختار من سيفوز على مستوى الولاية فقط من بين المرشحين للرئاسة. وهذا الاختيار يقدم للمنتخبين لنقله إلى مستوى الحكومة الفيدرالية في التصويت على منصبِي الرئيس ونائبه. ولكل ولاية عدد من المنتخبين أو (Electors) يساوي المجموع الإجمالي لكل من أعضاء مجلس الشيوخ وأعضاء مجلس النواب لهذه الولاية، ويحصل الفائز في كل ولاية على جميع أصوات الولاية فيما يعرف بنظام،" الفائز يحصد الكل " وليس فقط نسبة ما حصل عليه من أصوات. وبالنسبة للانتخابات الرئاسية، وإعمالا أيضا لمبدأ التوازن بين الولايات، ولكي لا يحظى الرئيس بقوة كبيرة على حساب المؤسسات الأخرى، نص الدستور الأمريكي على انتخاب الرئيس عبر ما يسمى المجمع الانتخابي، وهو عبارة عن مجموعة من المنتخبِين يتم اختيارهم وفق شروط يحددها المجلس التشريعي في كل ولاية، وبحيث يكون لكل ولاية عدد من المنتخبين أو الأصوات الانتخابية مساو لعدد أعضائها في مجلسي النواب والشيوخ معا. ويبلغ عدد أعضاء المجمع الانتخابي 538 منتخبا (435 مجلس نواب و100 مجلس شيوخ)، فضلا عن ثلاثة أصوات لمقاطعة كولومبيا "العاصمة واشنطن"). وذلك مع ملاحظة تغير عدد الأصوات المقررة لكل ولاية وفق نسبة التغير في حجم عدد السكان كل أربع سنوات. ومعنى ذلك أن الترتيب الأمريكي المتبع لانتخاب الرئيس على المستوى القومي والولائي هو نظام العضو الفرد للدائرة الانتخابية الواحدة، فمن يحصل من المرشحين على أغلبية الأصوات الشعبية في تلك الولاية يحصل على مجموع الأصوات الانتخابية كاملة لهذه الولاية، ويعني هذا أن نظام العضو الفرد يتيح لحزب واحد فقط أن يفوز في أي ولاية محددة فيما لا يحصل غريمه على أي شيء من تلك الولاية. لهذا قد نجد مرشحا رئاسيا يحظى بأغلبية الأصوات الشعبية على المستوى الجمعي لكل الولايات الخمسين، بينما يخسر الانتخابات الرئاسية لأن غريمه قد حصل على أصوات أعلى من مجموع أصوات المجمع الانتخابي لتلك الولايات، وعددها 50% + 1، أي 270 صوتا من أصوات الهيئة الانتخابية. وحدث ذلك في انتخابات عام 2000 حينما فاز المرشح الديمقراطي آل جور بمجموع الأصوات الشعبية، فيما حصل المرشح الجمهوري بوش الابن بمجموع الأصوات الانتخابية ليكون هو رئيس الولاياتالمتحدة. وبالتالي يقوم نظام الانتخابات الرئاسية الأمريكية على عملية معقدة لا يشعر فيها الناخب الفرد بتأثير صوته المباشر في الانتخابات الرئاسية أو التشريعية، بل هو في واقع الأمر يعتبر أن صوته قد يضيع عبثا وسط حسابات المجمع الانتخابي، وهو ما يجعل من الولايات لا الفرد العادي المحدد الأساسي لاختيار الرئيس في المحصلة الأخيرة. وتظهر هذه الحقيقة أكثر في الولايات ذات الأصوات الانتخابية الأقل داخل المجمع الانتخابي، مثل ولايات: ألاسكا (3 أصوات) وهاواي (4 أصوات) ونيفادا (5 أصوات) ورود أيلاند (4 أصوات) ويوتاه (5 أصوات)، في حين نجد أن الولايات الأكثر تعدادا سكانيا لها أصوات أكبر داخل هذا المجمع الانتخابي، مثل ولايات: كاليفورنيا (55 صوتا) وتكساس (34 صوتا) ونيويورك (31 صوتا) وفلوريدا (27 صوتا) وبنسلفانيا (21 صوتا) وإلينوي (21 صوتا).