منيب تطالب بهيئة مستقلة للانتخابات.. وتحذر من وصول "الانتهازيين وتجار المخدرات" إلى البرلمان    بوريطة: المغرب يطالب بجعل ضحايا الإرهاب في محور السياسات الإفريقية    توظيف مالي مهم من فائض الخزينة    12 منظمة حقوقية إسرائيلية: عام 2025 كان "الأكثر فتكا" بالفلسطينيين منذ 1967        السكيتيوي يعلن عن التشكيلة الرسمية المنتخب المغربي أمام جزر القمر    جلالة الملك يهنئ رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة بمناسبة العيد الوطني لبلاده    "شي إن" في ورطة.. تكساس تفتح تحقيقًا واسعًا بعد العثور على دمى جنسية شبيهة بالأطفال    خط بحري جديد يربط ميناء أكادير بلندن وأنتويرب لتصدير المنتجات الفلاحية الطازجة    رابطة تدعو للاحتجاج على تدهور أوضاع "ذوي الإعاقة" وترفض السياسات المبنية على منطق الإحسان    مشروع كلّف 900 مليون… غضب الحرفيين يوقف توزيع معدات في سوس ماسة لعدم مطابقتها لدفتر التحملات    التامني: الخطر الحقيقي على الديمقراطية هو المال الفاسد والقوانين الانتخابية دون المستوى    مجلس النواب يصادق على ثلاثة مشاريع قوانين تتعلق بالمنظومة الانتخابية    تقديم طلبات التسجيل في اللوائح الانتخابية لسنة 2026 يستمر إلى 31 دجنبر الجاري    رئيس بلغاريا ينتظر استقالة الحكومة    مشروع مالية 2026 يتخطى العقبة الأولى بمجلس المستشارين بعد المصادقة على جزئه الأول    فليك يؤكد غياب لاعبه أراوخو عن مواجهة أتلتيكو مدريد لأسباب شخصية    "كاف" يحيل أحداث مباراة الجيش الملكي والأهلي للجنة الانضباط        بورصة الدار البيضاء .. تداولات الافتتاح على وقع الأحمر    العرائش: الدرك الملكي بالعوامرة يشن حملة موسعة لتوقيف المخالفين والبحوث عنهم    تكثيف دوريات أمنية بالفنيدق و بليونش لإجهاض التحركات التحريضية المشبوهة    المغرب يراهن على الجمع بين التحلية والتكنولوجيات المتقدمة لتأمين موارده المائية        قاموس أكسفورد يعلن عن كلمة العام 2025    قراءة نقدية لقانون مالية 2026    فنزويلا.. ترامب يجتمع بمستشاريه ومادورو يحشد أنصاره ويقسم "بالولاء المطلق" لشعبه    الصين وباكستان في مناورات عسكرية    "فيفبرو" تؤازر لاعبي منتخب ماليزيا الموقوفين    كيوسك الثلاثاء | كندا تختار المغرب كأول بلد في العالم للتأشيرات الرقمية    توقعات أحوال الطقس اليوم الثلاثاء    الذهب ينخفض مع جني المستثمرين للأرباح        الرئيس الفرنسي يبدأ زيارة للصين غدا الأربعاء    كندا تلتحق ببرنامج دفاعي أوروبي    القصر الصغير.. وفاة شابة حامل بتوأمين تهز قرية ظهر الخروب وسط غضب بسبب نقلها بين مستشفيين    قطر وكأس العرب 2025 .. تمجيد إعلامي مبالغ فيه ومقارنات تستفز الشارع الرياضي العربي    التوزاني: فيلمي "زنقة مالقة"عودة إلى الجذور والأكثر حميمية في مساري    سوريا تتفوق على تونس في أولى مباريات كأس العرب    الحصبة تتراجع عالميا بفضل التطعيم    "الصحة العالمية" توصي بأدوية "جي إل بي-1" لمكافحة السمنة    عرض فيلم "مع حسن في غزة" بمهرجان مراكش.. قصة بحث إنساني تحولت إلى وثيقة تاريخية    التهراوي : انخفاض حالات الإصابة الجديدة بالسيدا خلال السنوات العشر الأخيرة    يامال: فكرت في اللعب للمغرب بعد إنجاز 2022.. لكن إسبانيا كانت خياري النهائي    السياحة المغربية تقفز إلى 116 مليار درهم وترفع مساهمتها في الاقتصاد سنة 2024    نجاح متميز للملتقى الوطني للمخطوطات بإنزكان    حكايات مدرِّسين من أيّام المدرسة    فيلم زنقة مالقة لمريم التوزاني .. نشيد الذاكرة والحب على عتبة الثمانين    مزاد يبيع "لوحة مفقودة" ب2,3 ملايين يورو    لمجرد أمام القضاء بتهمة الاغتصاب    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    منظمة الصحة العالمية تدعو لتوفير علاج العقم بتكلفة معقولة ضمن أنظمة الصحة الوطنية    منظمة الصحة العالمية تنشر للمرة الأولى توجيهات لمكافحة العقم    الأوقاف تكشف عن آجال التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    موسم حج 1448ه... تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    إصدار جديد من سلسلة تراث فجيج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ترافلينغ على الصورة/السينما

إن أي مبحث في الصورة اليوم يجعل من الباحث كائنا طلائعيا بلا شك، خصوصا ونحن نعيش عصر الانفجارات التكنولوجيا المضطردة، إلى درجة أصبح العالم تكفيك نقرات قليلة حتى يأتيك طوعا بكل تفاصيله وما يدب فيه، والحال أن هذه التقنية تطورت من خلال تحكم الإنسان الذكي بالأشياء، فبدء حفريات الصورة الأولى كانت مع النار التي تنعكس على حيطان المغارات، ثم جاء الوقت على الغرفة المعتمة التي عرفت باسم «الستينوبي» Sténopé، وما اكتشفه عالم الفلك الإغريقي بطليموس كون العين البشرية تحتفظ بالصور على الشبكية للحظة عقب اختفاء هذه الصور.
من هذا المنطلق ينجلي لنا التطبيق الذي جسد صناعة السينما، فقد كانت ظاهرة استمرار الصورة على شبكية العين ظاهرة معروفة منذ عصور قديمة، عندما كان الناس يأخذون حزمة مضيئة بطرف خيط ويلفونها في الظلام، فكانت العين ترى دائرة النار المستمرة، في حين أنه لا توجد إلا نقطة مضيئة واحدة، ولكن التتابع السريع في الفراغ للنقطة المضيئة نفسها ينتج انطباعاً بالاستمرارية في شبكية العين.
ستتهيج فكرة اختراع السينما نتيجة تراكم الكلام العلمي عبر حقب متلاحقة، في هذا الخضم سيتفتق خلال عصر النهضة الغربية بدأ العرض الضوئي الفعلي في القرن السابع عشر مع الفانوس السحري، والذي يعتبر ملحقا للغرفة المعتمة، وقد طبع عهد النهضة ظهور حركة تشكيلية إيطالية سميت بكواتروتشينتو (Quartrocento)، وتكرست أهمية هذه الحركة في نظريتها المعروفة بالمنظور الاصطناعي (Prespectiva Artificiale).
ويبدو أن الصورة المتحركة لم تظهر إلا في القرن الثامن عشر، خلال الثورة الفرنسية مع اختراع الترافلينغ على يد البلجيكي روبرتسون مخترع «الشبحيات» Fantasmagories، الذي كان يمرر خلف الشاشة، عربة تسير على سكة حديد وتحمل مصباحا. وقد راودت أفلام التصوير والحركة (تصوير الحركة وتحريك الصور) أحلام العديد من الفنانين عبر التاريخ، ويقرر التاريخ بعض تلك الهواجس التي أثارت فضول فنانين أمثال ليوناردو دافنشي، وعلماء أمثال الحسن بن الهيتم، ومصورين أمثال موبرج Moberg وماري Mary، وفنانين تشكيليين خاصة أتباع المدرسة المستقبلية، وغيرهم ..
لقد اعتاد الغرب منذ بداية القرن 19 على الأختام والمنقوشات الخشبية والحديدية والحجرية، وهو ما يقود إلى أن الفوتوغرافيا نفسها لم تكن الأداة الأولى في النسخ والمماثلة، وحتى حين توفرت الصفائح الزجاجية الأولى فهي بدورها لم ترقى لتحقق نسخا، وهو اختراع سرعان ما سيختفي مع ظهور الفوتوماتون Photomaton والبولارويد، مرورا بتخفيف حجم آلة التصوير وتقصير مدة التقاط الصورة، والنيجاتيف الزجاجي، ويبدو أن هذه الاختراعات قد أعدمت ريشة التشكليين لأمد قصير، فقد عرف رسامو البورتريهات كسادا مهولا لمهنتهم، بنفس الشكل الذي سيعرفه رسامو المناظر مع ظهور البطاقة البريدية أواخر القرن 20، هذا الوضع لن يستمر طويلا فسرعان ما سيدب الحماس في معسكر التشكيل، وستحفز آلة التصوير التشكيلي على الرسم بشكل أفضل، بنفس الشكل الذي سيجعل السينما بعد مدة طويلة المسرح يعيد النظر في مكوناته وبنياته.
ولا يفوتنا أن نستحضر تجربة عالم عربي استنتج خطاباً علمياً في القرن العاشر الميلادي، خطاب يضم كل العلامات وكل الخطوات النظرية وحتى التطبيقية التي ستسفر عن اختراع الآلة السينمائية، يقترن هذا الخطاب أساساً باسم الحسن ابن الهيثم، هو عالم موسوعي قال عنه المؤرخ الانجليزي سرتون: «أنه من أكبر دارسي البصريات في كل زمان ومكان»، فابن الهيثم أكد أن إشعاع الأجسام بواسطة أشعة الضوء تنعكس من هذه الأجسام وترتد إلى العين وليس العكس (أي العين هي التي تشع على الأجسام) كما يقول بذلك إقليدس أو الكندي، كل الاكتشافات والاقتراحات التي أتى بها ابن الهيثم دونها في كتابه الأساسي (كتاب المناظر) هذا الكتاب يحتوي على ما يسميه الغرب بنظرية ابن الهيثم والتي طبقها بيكونFrancis Bacon وكبلير Johannes Kepler.
ومن جهة أخرى يبقى أول من اهتم بتطبيق بقاء الرؤية فيما يخص السينما هو ماري Etienne-Jules Marey وقد سمي اختراعه (كرونوفوتوغراف Chronophotographe)، غير أن السينما كآلة كاملة لم ترى الوجود إلا سنة 1895 (تاريخ تسجيل اختراع «السينماتوغراف» Cinématographe) من طرف الأخوين لوميير (Lumiére) وليس الألفية الأولى حيث عاش ابن الهيثم بالقاهرة، فالسينماتوغراف هو نتيجة عطاء الفكر العلمي التكنولوجي الخاص بالقرن العاشر الغربي، وأما خطاب ابن الهيثم فهو خطاب علمي تطبيقي ومادي يكون حلقة من حلقات سلسلة النص العلمي المتواتر بشكل لامتناهي، لما احتوى عليه من تطبيق للحجرة المظلمة ومن تجربة لبقاء الرؤية، لكننا نجد أنفسنا مقيدين بالتساؤل عن البداية الفعلية لعالم الصورة، هل في سنة 1839 وقت الاختراعات الآلية الأولى؟ أم سنة 1859 بمناسبة أول معرض فوتوغرافي في صالون الفنون الجميلة بباريس؟ أم سنة 1895 عند أول عرض سينمائي للأخويين لوميير؟ أم سنة 1928 عند عرض «مغني الجاز» أول فيلم ناطق؟ أو سنة 1951 عند ظهور «ايستمان كولور» Eastmancolor (الشريط السالب بتقنيات الألوان)؟ أم في سبعينيات القرن العشرين مع التلفزيون بالألوان؟ أم مع تقنيات الجودة العالية للصورة ثلاثية الأبعاد؟
نميل بصدق إلى حيث يغلب الرأي الذي يقول بعدم الدقة في التأريخ بسبب تغير حال الميدان وازدهاره المضطرد، وأيضا لقيمة كل مرحلة وغناها الفكري والإبداعي في تمثل عالم الصورة كما ينبغي، لكن يبدو أن «الفن السابع» رغم خضوعه لتطورات وتقلبات معينة على مدار عقود من الزمن كظهور السينما الناطقة والألوان وسينما سكوب وتقنيات الجودة العالية وتقنية ثلاثية الأبعاد... إلخ، وبالرغم من غلو طابعه التجاري، إلا أنه حجز مكانا قارا في عالم الفن والجمال (الشاهد عندنا المكانة التي ضمنها «ريتشوتو كانودو» Ricciotto Canudo في كتابه مصنع الصور عام 1927)، أما الاعتراف الاجتماعي بهذا الفن فلم يتم إلا في الستينات (ما ساهم به لانغلوا وغودار وأخرون).
الأكيد أن لكل عصر لا وعيه البصري، وأن الفن الذي يسود هو فن الفنون أي ذلك الذي له القدرة على تشكيل الفنون الأخرى على صورته وشاكلته، والسينما هو فن متصل بشكل أفضل بالتطور العلمي والتقنيات الرفيعة، وهو فن منسجم مع المجال الوسائطي المحيط وبالأخص مع وسائل نقلها، فإذا كانت الفوتوغرافيا رفعت مستوى التشكيل إلى ما هو نخبوي، فإن السينما نزلت إلى القاعدة واستعادت الاهتمام الشعبي لكن بتقنيات فنية مميزة.
لقد جاءت السينما بخصائص مختلفة وقد أشار «أنتونين أرتو» Antonin Artaud إلى خاصية أساسية للسينما في مقالة كتبها في العام 1930 «للسينما جانب غامض وغير متوقع لا نجده في أي شكل فني آخر، حتى الصورة الأكثر جفافا وابتذالا وعادية تتحول حين تعرض على الشاشة، أتفه التفاصيل وأكثر الأشياء ضآلة تنتحل معنى وحياة تخصها وحدها، مستقلة عن مدلول الصور نفسها، والفكرة التي تترجمها، والرمز الذي تشكله... جوهريا، السينما تكشف حياة مستترة وسحرية كاملة، وتجعلنا نتصل بها على نحو مباشر».
هي السينما إذن، الفن الذي يناسب شعورنا من خلال تأطير الصور، في السينما نكون أكثر تناسبا مع معايشة المعنى مع باقي الفنون كلغة، وبالتالي نعيش صمت الإعجاب أمام صورة جميلة، ونشعر بالدهشة أمام انزياح معين للصورة، وأحيانا نستفز بصورة صادمة أو غير مريحة. لهذا تبقى الصورة السينمائية بالأخص انزياح يتجاوز الاستنساخ الحرفي لواقع مرئي غير مشكوك فيه، إنها لحظة فنية تقوم بفعل استعادي عبر تشكيل الفواصل التي لا تراها إلا نظرة تبحث في الأشياء عن جوهرها لا عن تجلياتها المباشرة، وما نقع عليه إنما هو التعبير عن شيء، وحدها السينما هي التي تمكنت من أدائه بشكل هام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.