عقدت الرباط مع عواصم افريقية عشرات الاتفاقات ذات التعاون المشترك في مجالات عدة اقتصادية وثقافية وتكوينية وغيرها . واكد هذا التوجه جلالة الملك محمد السادس الذي جعل من افريقيا احد اولويات المغرب الدبلوماسية ثلاثة عقود مرت على انسحاب المغرب من منظمة الوحدة الافريقية (الاتحاد الافريقي حاليا ) ، ماهو وضع بلادنا الافريقي اليوم بعد هذا القرار السيادي ؟ مالذي ربحته الشقيقة الجزائر التي رفعت لواء معاداة وحدتنا الترابية ؟ في نونبر 1984 القت الرباط خطاب الوداع في مؤتمر اديس ابابا لهذه المنظمة التي اصبحت تحمل اسم «الاتحاد الافريقي» احتجاجا على خرق القانون و اقحام ما يسمى«الجمهورية الصحراوية» في عضويتها.كانت اللحظة امتحانا قاسيا للدبلوماسية المغربية التي تعثرت سنة 1981 بعد قبول الرباط لمبدأ تقرير المصير لتفتح الباب امام تطورات لازال بلدنا يعاني منها الى اليوم، وهنا لا بد ان نشير الى الموقف الذي اتخذه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وعبر عنه بيان مكتبه السياسي بقادة الفقيد عبد الرحيم بوعبيد الذي عارض الخطوة الرسمية واعتقل لتعلن هيئة المحكمة بسجنه ورفقاءه سنة سجنا نافذا. بالرغم من افريقيا تعد عمقا استراتيجيا للمغرب ، الا انه اختار ان يغادر هذا التجمع الاقليمي الذي يعد من احد مؤسسيه في بداية الستينات ، لقد انحازت عدة دول افريقية في النصف الثاني من السبعينات- بعد اسنرجاع المغرب لاقاليمه الصحراوية ، وفي النصف الاول من الثمانينات - الى الاطروحة الجزائرية التي تنازع في الوحدة الترابية لبلادنا ، قدمت جارتنا الشرقية كل وسائل الاغراء والابتزاز لانظمة عسكرية في القارة كي تعترف بجمهورية وهمية اسستها في احد فنادقها بالعاصمة الجزائر وافسحت لها مجالا في حقائب وزراء خارجيتها وسفاراتها في سياق استراتيجة لهذا البلد المغاربي الذي كان يبحث على منفذ للمحيط الاطلسي اولا، وثانيا سعى الى اضعاف المغرب حتى يتمكن من الهيمنة ليس فقط على منطقة المغرب العربي، بل شمال افريقيا. ثلاثون اذن غاب المغرب عن الاطارالاقليمي الذي يعقد قممه كل سنة ، واختار ان ان يقوي علاقاته الثنائية مع العديد من الدول الافريقية من جهة أو أن ينخرط في بعض التجمعات الاقليمية. وفي اطار العلاقات التنائية عقدت الرباط مع عواصم افريقية عشرات الاتفاقات ذات التعاون المشترك في مجالات عدة اقتصادية وثقافية وتكوينية وغيرها . واكد هذا التوجه جلالة الملك محمد السادس الذي جعل من افريقيا احد اولويات المغرب الدبلوماسية ، فقد زار جلالته منذ اعتلائه العرش في يوليوز 1999 عشر مرات القارة شملت عددا من الدول خاصة تلك المتواجدة بغرب افريقيا . ان الدبلوماسية الاقتصادية التي ينهجها المغرب اليوم اثمرت نتائج بارزة في عودة بلادنا الى القارة الافريقية، وسمحت بتقديم الحقائق حول طبيعة النزاع المفتعل بالصحراء المغربية واطماع الجزائر ومغالطاتها في هذا الملف ، ومن بين النتائج ان العديد من عواصم القارة قررت قطع علاقاتها مع الجمهورية الوهمية ولم يبق من المعترفين بها سوى اقل من 10 بلدان. ماذا ربحت الجزائر من معركتها ضد المغرب؟ ماذا جنت من غياب بلد شاركها النضال ضد الاستعمار ويرتبط معها بروابط قل ان توجد بين دولتين جارتين؟ لقد بذرت الجزائر واضاعت أربعة عقود في اولويات دبلوماسية تم ترتيبها خطأ على حساب تنميتها وهي الاغنى بتروليا ، ولم تضع قطار دمقرطتها على سكته الصحيحة ، لقد زاغ هذا القطار وخلف وراءه ولا يزال اكثر من 200 الف قتيل وخرب في انحرافه مئات المؤسسات والبنى التحتية وجعل البلد يعيش على ايقاع الجماعات المسلحة والمجازر والاغتيالات لأكثر من عشر سنوات تسمى في الادبيات بالعشرية السوداء. ونما بموازاة هذا المسار فساد استشرى في مفاصل الدولة الجزائرية جعل تنميتها كسيحة لاتقوى على التطور.. الاتحاد الافريقي وريث مظمة الوحدة الافريفية لم يعد سوى مجرد اطار لا يفض نزاعا ولايعالج ازمة ولا يطعم جائعا ، لقد اصبح اسير تصورات زعاماتية حصدت تجاربها الفشل تلو الفشل ، وافقدت التوافقات والتواطؤات والمصالح شعارات التأسيس بريقها. ومؤتمراته التي اصبحت تأويها العاصمة الاثيوبية أديس ابابا أصبحت "لا حدث". تلقى فيها خطب رتيبة وتلتقط فيها صور بروتوكولية وتتمخض عنها بيانات فضفاضة. . هل اصبح مجديا اليوم انضمام المغرب الى «الاتحاد الافريقي»؟ هل من بين اولويات الدبلوماسية المغربية العودة الى هذا التجمع القاري؟ هذه الاسئلة تم طرحها بمناسبة مرور ربع قرن على مغادرة الرباط لمنظمة الوحدة الافريقية . دون شك فان سياسة المقعد الفارغ لم تعد تأخذ بها الدول خاصة وان كانت لديها قضايا عادلة يجب الدفاع المستمر والمستميث عليها . هذه الاسئلة فقدت بعضا من جدواها فيما يبدو بعد ان نهج المغرب سياسة توسيع أعماقه الافريقية من خلال ربط وشائج اقتصادية وسياسية وتجارية مافتئت تتسع سنة بعد سنة. ولنتأمل الأرقام التي نشرتها وزارة المالية : بلغت المبادلات التجارية بين المغرب وإفريقيا جنوب الصحراء 11.7 مليار درهم سنة 2010، مقابل 3.6 ملايير سنة 2000 أي انها تضاعفت ثلاث مرات خلال العشرية الأخيرة. وارتفعت وتيرة الصادرات المغربية بمبلغ 5,8 ملايير درهم، لتبلغ 7,2 ملايير درهم سنة 2010. أما مشتريات المغرب من منطقة إفريقيا جنوب الصحراء، خلال الفترة نفسها، فعادلت 4,5 ملايير درهم، عوض 2,4 مليار درهم، ليسجل الميزان التجاري بين الجانبين فائضا لفائدة المغرب، بلغ 2,7 مليار درهم سنة 2010، بعد عجز بمبلغ 0,7 مليار درهم بداية هذا العقد. من جهته، نما معدل تغطية الواردات من طرف الصادرات المغربية، إذ وصل إلى 160 في المائة سنة 2010، مقابل 67 في المائة سنة 2000. وأشارت الدراسة إلى أن واردات المغرب المتأتية من منطقة إفريقيا جنوب الصحراء انتقلت من 2,1 مليار درهم إلى 4,5 ملايير درهم بين 2000 و2010. قضيتنا العادلة قضية الصحراء المغربية لن يكون الاتحاد الافريقي بوابة تعزيز هذه العدالة لأنه لازال تحت وطأة الموقف الجزائري المناوئ لوحدتنا الترابية. ومن المفارقات أنه بقدر ماتتقلص خريطة الاعتراف بالجمهورية الوهمية التي صنعتها جارتنا الشرقية بابتزاز عواصم وشراء أنظمة من سنة 1975 الى 1985 بقدر ما يبحث هذا الاتحاد عن مناورات جديدة لإقحام نفسه في مسار الملف الذي يوجد اليوم بين يدي الاممالمتحدة . وآخر هذه المناورات هو تعيين ممثل عنه يطالب بزيارة اقاليمنا الجنوبية . ومن مناوراته تقديمه لتقرير لأراد من خلاله الضغط على الامين العام للامم المتحدة أثناء إنجازه لتقريره بشأن الحالة في الصحراء في ابريل الماضي. اليوم الاولوية للعلاقات الثنائية . لتعزيزها وتوسيعها وتنويعها . اليوم تطور إفريقيا بحاجة إلى تعزيز فضاءاتها الجهوية الإقتصادية المشتركة وخلق فضاءات جديدة منسجمة تتوفر فيها سيولة المبادلات وتتسع فيها ديناميكية المبادلات التجارية وحركة تنقل الاشخاص والبضائع. أما العودة إلى منظمة عادت بلادنا وانحازت ضدها فاعتقد أنها لم تعد من الاوليات الملحة.