السقوط من الطابق الثالث ينهي حياة أم بطنجة    أمن البيضاء يحقق مع جزائريين وماليين على خلفية دهس بين 7 أشخاص بسيارات رباعية    ميناء طنجة المتوسط يقوي قدراته اللوجستية باستثمار 4 مليارات درهم    الدرهم يتراجع بنسبة 1,18 في المائة مقابل الدولار الأمريكي بين شهري شتنبر وأكتوبر (بنك المغرب)    وقفات تضامنية مع غزة ولبنان بعدد من مدن المملكة        عدد وفيات مغاربة فالنسيا بسبب الفيضانات بلغ 5 ضحايا و10 مفقودين    الدريوش يتلقى استدعاء لتمثيل هولندا    بواسطة برلمانية.. وهبي يلتقي جمعية هيئات المحامين بالمغرب غدا السبت    فعاليات الملتقى الجهوي الثالث للتحسيس بمرض الهيموفيليا المنعقد بتطوان    مدافع الوداد جمال حركاس: تمثيل "أسود الأطلس" حلم تحقق        أكديطال تتجه لتشييد مصحة حديثة بالحسيمة لتقريب الرعاية الصحية    منظمات أمازيغية تراسل رئيس الجمهورية الفرنسية حول استثناء تعليم اللغة الأمازيغية    توقعات أحوال الطقس ليوم السبت    الوسيط يعلن نجاح الوساطة في حل أزمة طلبة الطب والصيدلة    سانت لوسيا تشيد بالمبادرات الملكية بشأن الساحل والمحيط الأطلسي    ابنة أردوغان: تمنيت أن أكون مغربية لأشارك من أسود الأطلس الدفاع عن فلسطين    حجوي: 2024 عرفت المصادقة على 216 نصا قانونيا    التصفيات المؤهلة لكأس إفريقيا لكرة السلة 2025.. المنتخب المغربي يدخل معسكرا تحضيريا    "جبهة نقابية" ترفض المس بالحق الدستوري في الإضراب وتستعد للاحتجاج    المغرب وفرنسا… إضاءة التاريخ لتحوّل جذري في الحاضر والمستقبل    الطفرة الصناعية في طنجة تجلعها ثاني أكبر مدينة في المغرب من حيث السكان    أسعار الغذاء العالمية ترتفع لأعلى مستوى في 18 شهرا    دوري الأمم الأوروبية.. دي لا فوينتي يكشف عن قائمة المنتخب الإسباني لكرة القدم    من مراكش.. انطلاق أشغال الدورة الثانية والعشرين للمؤتمر العالمي حول تقنية المساعدة الطبية على الإنجاب    ظاهرة "السليت والعْصِير" أمام المدارس والكلام الساقط.. تترجم حال واقع التعليم بالمغرب! (فيديو)    بيع أول لوحة فنية من توقيع روبوت بأكثر من مليون دولار في مزاد    مصدر من داخل المنتخب يكشف الأسباب الحقيقية وراء استبعاد زياش    وسيط المملكة يعلن عن نجاح تسوية طلبة الطب ويدعو لمواصلة الحوار الهادئ    "أيا" تطلق مصنع كبير لمعالجة 2000 طن من الفضة يوميا في زكوندر    كوشنر صهر ترامب يستبعد الانضمام لإدارته الجديدة    الهوية المغربية تناقَش بالشارقة .. روافدُ وصداماتٌ وحاجة إلى "التسامي بالجذور"    بعد 11 شهرا من الاحتقان.. مؤسسة الوسيط تعلن نهاية أزمة طلبة كلية الطب والصيدلة    هزة أرضية خفيفة نواحي إقليم الحوز    بحضور زياش.. غلطة سراي يلحق الهزيمة الأولى بتوتنهام والنصيري يزور شباك ألكمار    الجنسية المغربية للبطلان إسماعيل وإسلام نورديف    ارتفاع أسعار الذهب عقب خفض مجلس الاحتياطي الفدرالي لأسعار الفائدة    متوسط عدد أفراد الأسرة المغربية ينخفض إلى 3,9 و7 مدن تضم 37.8% من السكان        إدوارد سعيد: فلاسفة فرنسيون والصراع في الشرق الأوسط        تقييد المبادلات التجارية بين البلدين.. الجزائر تنفي وفرنسا لا علم لها    حظر ذ بح إناث الماشية يثير الجدل بين مهنيي اللحوم الحمراء    خمسة جرحى من قوات اليونيفيل في غارة إسرائيلية على مدينة جنوب لبنان    المنصوري: وزراء الPPS سيروا قطاع الإسكان 9 سنوات ولم يشتغلوا والآن يعطون الدروس عن الصفيح    طلبة الطب يضعون حدا لإضرابهم بتوقيع اتفاق مع الحكومة إثر تصويت ثاني لصالح العودة للدراسة    إسبانيا تمنع رسو سفن محملة بأسلحة لإسرائيل في موانئها    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    قد يستخدم في سرقة الأموال!.. تحذير مقلق يخص "شات جي بي تي"    "المعجم التاريخي للغة العربية" .. مشروع حضاري يثمرُ 127 مجلّدا بالشارقة    وزارة الصحة المغربية تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عميل المخابرات محمد الخلطي يتحدث عن الشبيبة الإسلامية وعلاقة مطيع ببنكيران

سبق للزميلة «الأيام» أن أجرت حوارا مع عميل المخابرات محمد الخلطي حول اغتيال الشهيد عمر بنجلون ومساهمة عبد الكريم مطيع زعيم الشبيبة الإسلامية في عملية الاغتيال. وقد تحدث عميل المخابرات عن الظروف التي تلت العملية وكيف تفككت حركة مطيع وخروجها إلى العمل السري، كما تحدث عن انفصال بنكيران عن مطيع إثر خروجه من الاعتقال بعد التحقيق معه، وكيف اختار هو ورفيقه باها تأسيس جمعية الجماعة الإسلامية التي كانت تشتغل على وفاق تام مع الدكتور الخطيب، وعلى وجه الخصوص مع الحسن الثاني الذي كان يهدد أحزاب الحركة الوطنية بإمكانية تسليط الإسلاميين عليهم
{ هل توافق الذين يقولون إن محطة اغتيال عمر بنجلون سنة 1975 كانت هي بداية مرحلة المواجهة الأمنية للحركة الإسلامية بالمغرب؟
نعم، هذه هي الحقيقة، فمباشرة بعد حادثة اغتيال عمر بنجلون قرر المسؤولون عن جهاز الأمن الوطني تأسيس فرق مختصة يكون بوسعها مكافحة التطرف، سواء منه التطرف الماركسي اللينيني أوالتطرف اليميني. هكذا تأسست فرقة بالرباط، وكنت مسؤولا عنها، وثانية بالدارالبيضاء، وثالثة بفاس، ورابعة بوجدة، وخامسة بمراكش، وسادسة بخريبكة. وقد تلقينا تدريبات خاصة من أجل مباشرة مهامنا على أحسن وجه. تلقيتم هذه التدريبات بداخل المغرب أو خارجه؟ كانت التدريبات الأولى سنة 1975 بالمغرب، لكن بعد سنتين توجهت بصحبة عميد آخر إلى فرنسا حيث تدربنا على مكافحة تطرف اليسار وليس الإسلاميين. أعود إلى قضية اغتيال عمر بنجلون لأوضح لك أن الذين اعتقلوا في إطارها، تم اعتقالهم أساسا بالدارالبيضاء، أما بالنسبة للرباط فكانت توجد خلايا صغيرة جدا، وكان المسؤول عنها هو بن الأدهم الذي ألقي عليه القبض بداية في الدارالبيضاء قبل أن يطلق سراحه ويلتحق بالرباط من أجل مواصلة دراسته. وصراحة، كنا نجهل آنذاك كل شيء عن حركة الشبيبة الإسلامية، سواء تعلق الأمر بطريقة عملها أو بمناضليها. وكان المسؤولون الأمنيون يعتبرون أن كل ذي صاحب لحية متطرف، فلم يكونوا يفرقون بين المنتمين إلى الشبيبة أو جماعة الدعوة والتبليغ، أو السلفيين... كل ملتح فهو متطرف.. لهذا السبب عمت الفوضى، وبدأنا نشهد استنطاقات في كل جهة..
أفهم أنك باشرت مهمتك دون أن تتوفر على أي أرشيف يهم هذه الخلايا الإسلامية؟
لم نكن نتوفر على أي أرشيف، ولم نخضع حتى للتكوين الديني الذي يمكنك من التمييز بين الصوفية والسلفية وحركة الإخوان المسلمين.
{ وكيف استطعت أن تفرق بينهم؟
استطعت فعل ذلك بحكم اجتهادي الخاص، خاصة وأن تكويني الديني منذ الصغر ساعدني على ذلك. فقد درست منذ السنة الخامسة في الكتاب، وتربيت في أحضان الزاوية التيجانية حيث كان والدي مقدما، والذي درس سنتين في القرويين قبل أن يعينه المغفور له محمد الخامس طيب الله مثواه قائدا بالقصر الملكي بفاس خلفا لجدي إثر وفاته.. هكذا حفظت بعض السور من القرآن الكريم، والألفية، والأجرومية، والأذكار على الطريقة التيجانية، وتابعت دراستي بثانوية مولاي ادريس بفاس. وبعد تعييني رئيسا لمصلحة محاربة التطرف السياسي والديني عزمت على التفقه ولو قليلا في الدين، فقرأت بعض كتب تفسير القرآن، وجواهر البخاري في شرح القسطلاني، و»في ظلال القرآن» و»معالم في الطريق» للسيد قطب، وكتاب الشيخ حسن البنا و»الإخوان المسلمون» للدكتور رؤوف شلبي، ودرست كذلك كتبا في الصوفية، والسلفية، والبهائية، والقاديانية، واهتممت كذلك بدراسة المسيحية، ولاسيما النحل المتطرفة ك»شهداء يسوع» لأن المغرب كان يعرف منذ السبعينات حملة تنصيرية في صفوف الشباب الذي كان يفكر في الهجرة إلى أوربا عن طريق التنصير، وفي هذا الصدد أشير إلى أنني أثناء مزاولة عملي لمحاربة التطرف نجحت في إقناع بعض المغاربة الذين اعتنقوا الوهابية أو النصرانية بالرجوع إلى دينهم الإسلامي الحنيف، وذلك بالحكمة والموعظة الحسنة بدل تقديمهم إلى المحاكمة كما وقع بالدارالبيضاء والمحمدية في التسعينيات، الأمر الذي جعل منظمات حقوقية أوروبية وأمريكية تشن حملة دعائية ضد المغرب من خلال اتهامه بخرق حرية التدين. ومتى بدأت مباشرة اعتقال هؤلاء النشطاء الإسلاميين بمدينة الرباط؟ أولى الإعتقالات كانت سنة 1977. أتذكر أنه بعد صلاة الفجر اتصل بي هاتفيا ضابط المداومة السيد بنعلي، وقال لي إن جماعة من الشباب قد صلوا بمجسد حكم بحي المحيط ووزعوا مناشير تحمل إسم الشبيبة الإسلامية، وكانت هذه أول مرة نعثر فيها على توقيع الشبيبة الإسلامية، وحين طلبت منه أسماء هؤلاء الشباب، ذكرها لي، وقال لي إن واحدا منهم إسمه بن الأدهم كانت معه حقيبة ولا علاقة له بهم، فهو كان يستعد للسفر.. فنبهته أن هذا الشاب هو مسؤول الشبيبة الإسلامية بالرباط... وبعد ذلك تولت فرقة الشرطة القضائية التحقيق معهم، وكان آنذاك تنافس كبير بين الأقسام، فاتفق الشباب العشرة الذين اعتقلوا على توجيه التهمة إلى شاب إسمه بخات، والذي لم تكن تربطه أي علاقة بالشبيبة الإسلامية.
{ ولأي جماعة كان ينتمي بخات؟
كانت له جمعية ثقافية لا علاقة لها بتنظيم مطيع، وإنما تضم مغاربة وسوريين من جماعة الإخوان المسلمين الذين جاؤوا للاستقرار بالمغرب.
{ وتم اعتقاله رغم كونه لا ينتمي إلى الشبيبة الإسلامية؟
نعم، اعتقلته الشرطة القضائية، والمشكل أنه بعد خضوعه للتعذيب بدأ يقول إن مجموعة خططت لاغتيال مسؤولين سياسيين وحكوميين، وذكر منهم وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية ومدير الأمن الوطني ربيع.. ووقعت اعتقالات على صعيد المغرب كله، وكان من ضمنهم الدكتور أحمد الريسوني الذي استجوبته في هذا العدد من جريدتكم، والأستاذ گديرة رئيس المجلس العلمي للرباط حاليا، والذي كان مفتش تعليم وقتها..
وكيف عرفت أن بن الأدهم لم يكن عضوا بالشبيبة الإسلامية ولا علاقة له بالمناشير التي وزعت؟
لقد اطلعت على التقرير الذي أنجزته فرقة الشرطة القضائية وأرسلته إلى المدير الذي أمر بالاعتقالات، ورأيت أنه تم الوقوع في خطأ، حيث لم يتم تفتيش منازل هؤلاء الشباب حتى نعرف أين طبعت المناشير. كنت أعلم أن ابن الأدهم هو المسؤول، فنسقت مع الشرطة القضائية وتوجهنا إلى منزله بحي التقدم، فوجدنا فعلا المنشورات وآلة الطباعة. والغريب أن هؤلاء الشباب الذين كانوا ينتمون إلى الشبيبة الإسلامية انحرفوا بعد إطلاق سراحهم بسبب الكذب الذي رأوه في مسؤولهم الذي كان يعلمهم وجوب المحافظة على الأخلاق وما يأمر به الدين الإسلامي.. والذي تسبب في تعذيب بخات.. وبعد هذه القضية.. هل تمت اعتقالات أخرى في صفوف الشبيبة الإسلامية بالرباط؟ القضية الثانية ارتبطت بعبد الإله بنكيران، الذي كنا نشك في أنه من تحمل المسؤولية بالرباط بعد بن الأدهم، وقد كان على اتصال دائم بمطيع، لدرجة أنه سافر إلى فرنسا من أجل اللقاء به. وقد اعترف لي بهذا فيما بعد، وقال لي إنه كان قد ضرب موعدا مع مطيع للقاء به بأحد الفنادق لكنه لم يأت، وغير مكان اللقاء، وحين سأله لماذا هذه المراوغة؟ أجابه أنه لا ينبغي له أن يضع ثقة حتى في زوجته.. المهم، بعد سنة 1977 لم نستطع أن نجد أي دليل ضد بنكيران، وكان أول عمل مكشوف قام به، هو توزيع مناشير أمام باب فندق هيلتون على هامش انعقاد مؤتمر للمحامين الشباب، وذلك للتنديد بمحاكمة عناصر الشبيبة الإسلامية ونفي مطيع خارج المغرب. لكن قرار متابعته جاء بعد محاكمة اغتيال عمر بن جلون سنة 1980، حين حكم على مطيع بالإعدام غيابيا، فاتصل ببنكيران عبر الهاتف، وطلب منه أن يجمع الاخوة بالمسجد المحمدي بالدارالبيضاء وأن يخرج بهم في مظاهرة.. آنذاك اعتقل العشرات من هؤلاء الشباب، لكن رجال الشرطة كانوا يجهلون طبيعة التنظيم الذي ينتمون إليه، فاتصلوا بي عبر الهاتف وأخبروني بما وقع فطلبت منهم أسماء بعض الشباب، فأعطوني إسم الأمين بوخبزة، يتيم، حزيم فقلت لهم هذه الشبيبة الإسلامية.. ويجب أن تعتقلوا مسؤولهم بالرباط عبد الإله بنكيران لكنه هرب. وهنا قمنا بحراسة منزله بحي العكاري، لكننا لم نجده طوال 3 أيام. وصدفة توجهت إلى عين المكان لمراقبة الطريقة التي تتم بها الحراسة، فوجدته مارا بسيارته بصحبة والدته من أمام المنزل، فاعتقلناه وبدأت أمه تصيح، وطمأنتها أنها لن تتعرض لسوء..
{ وأشرفت على استنطاقه بنفسك؟
نعم استنطقته وحققت معه بنفسي، وكنت طوال 25 سنة أمضيتها في الإستعلامات العامة آنذاك أعرف أن المتهم لابد وأن يتكلم أثناء استنطاقه، وكان المسؤولون قد علمونا أن الإمام مالك قد أجاز ضرب المتهم حتى يعترف بجريمته، وأجاز قتل ثلثي الشعب من أجل إصلاح الثلث... هكذا كنا نعتقد في صحة هذا القول ونعمل بمقتضياته. وحين بدأت التحقيق مع بنكيران اعترف لي بمسؤوليته عن المظاهرة، وقال لي إن مطيع اتصل به وطلب منه تنظيم المظاهرة، لكنه أوضح لي أنه طلب من إخوانه الاجتماع في المسجد المحمدي للأحباس دون أن يكشف لهم عن نيته في الخروج بهم في مظاهرة، وبعد اجتماعهم أخذ مكبر الصوت وأمرهم بالتظاهر... للتنديد بالأحكام الصادرة ضد مطيع.. حذرته أن الشرطة القضائية «غادي تتكرفس عليه»، فأجابني أنه لن يعطي أسماء الذين حضروا المظاهرة، وقال إنه إذا صبره الله فالأمر كذلك وإذا لم يصبره فليس له ما يقوم به.. وهكذا كان، فالشرطة القضائية بكل صراحة «تكرفسات عليه» إلى أن أعطى بعض الأسماء.
{ وهل لمست أن انفصال بنكيران عن مطيع جاء بعد هذا الإعتقال؟
لا، الإنفصال سيأتي فيما بعد حين أصدر مطيع من ليبيا مجلة إسمها «المجاهد»، وحتى يراوغ الأمن كان يقول إنها تصدر من بلجيكا. وفي أواخر سنة 1980 أو بداية 1981 زارني بنكيران بمكتبي، وقال لي إن مطيع أصيب بخلل عقلي، وإنه أصدر مجلة تحتوي على موقف لا وطني من قضية الصحراء، حيث رأى مطيع أن الصحراويين الذين نقاتلهم هم مسلمون وأثر صلاتهم موجودة في الرمال خلافا لما قاله صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني آنذاك من أن غالبية من نقاتل أتوا من كوبا وأنهم «غير مختونين»، أما مطيع فقال هذا خطأ، وأن البوليساريو مسلمون ولا يمكن أن نحارب إخواننا المسلمين. هذا إلى جانب إصداره البيانات ضد عدد من الحركات الإسلامية في العالم العربي، ووعدني بنكيران بأن يرسل لي أعداداً من هذه المجلة، وأخبرني أن الشبيبة الإسلامية في الرباط قررت فصل مطيع الذي اتخذ هذا الموقف اللاوطني بشكل فردي.
{ وماذا كان رد فعلك حين قال لك بنكيران هذا الكلام؟
قدمت له نصيحة، وقلت له إذا أردت أن تكون واضحا أصدر بيانا من خلال الجرائد تحدد فيه موقفكم، وشجعته على ذلك فاستجاب لنصيحتي، وبالفعل اجتمعوا على صعيد الرباط وأصدروا بيانا ينددون من خلاله بموقف مطيع اللاوطني ويعلنون انسحابهم من الشبيبة الإسلامية، وحتى ينتقم منهم مطيع أصدر عددا من البيانات باسم المعتقلين في السجون يقولون إن بنكيران ومجموعته خونة يتعاملون مع الأمن، وبدأوا يروجون لدعاية مفادها أن بنكيران خائن يتعامل مع الخلطي ومع الدكتور الخطيب، وأصبحوا يقولون إن هذه خطة مدروسة تستهدف الشبيبة الإسلامية، الخلطي يسيرها أمنيا والخطيب يسيرها سياسيا. وكان هذا البيان الذي نشر في بعض الجرائد قد شفع للسيد بنكيران عندما اعتقل في أواخر سنة 1983 من طرف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بعد اتهامه بتحريض تلاميذ ثانوية بمكناس على التظاهر في الشارع العمومي، ورفع شعارات ولافتات تمس بمقدسات البلاد، حيث كان هؤلاء التلاميذ قد اعترفوا أثناء استنطاقهم بدرب مولاي الشريف أنهم ينتمون إلى الشبيبة الإسلامية وزعموا أن المسؤول عن خليتهم ومحرضهم هو بنكيران. وقد نصحت بنكيران قبل أن يتوجه إلى درب مولاي الشريف أن يأخذ معه نسخة من البيان المذكور ونسخة من ملف طلب تأسيس جمعيته، وهكذا أطلق سراحه، وقدمت مجموعة التلاميذ إلى العدالة.
{ وهل أنت من اقترح عليهم تأسيس الجمعية؟
لا، حين قدم بنكيران ومن معه استقالتهم من الشبيبة الإسلامية، قرروا الخروج من السرية والعمل في المشروعية، فجاء المرة الأولى بنكيران لوحده ثم أتى بصحبة عبد الله بها للتشاور معي إن كان بإمكانهم تأسيس جمعية. فأجبتهم أنه يمكنهم ذلك، وقلت لهم أن يعدوا قانونها الأساسي ويركزوا على 3 محاور : موقفهم من الملكية، وموقفهم من وحدة المذهب المالكي، وموقفهم من الصحراء المغربية، ثم يفصحوا عن لائحة المكتب المؤسس.
{ كان هذا اجتهادك الشخصي؟ أم أنك نسقت مع المسؤولين لتقترح عليهم هذا الأمر؟
لا، كانت هذه مبادرة شخصية. وقد رأيت وتأكد لي أن بنكيران يرغب في العمل في إطار المشروعية... قال لي إنهم خدعوا، وإن مطيع أوهمهم أن الحسن الثاني هو الظالم و... لكنهم حين اجتمعوا رأوا أن الحسن الثاني كيفما كان فهم يعرفون نسبه بخلاف رؤساء بعض الدول العربية...
{ وماذا كان جوابهم حين اقترحت عليهم هذا الأمر؟
اجتمعوا على صعيد الرباط واتفقوا على توضيح النقاط الثلاث في القانون الأساسي للجمعية، لكنهم رفضوا تقديم لائحة اعتماد المؤسسين، وقالوا إن الخلطي يريد أن يضعنا في الفخ ويعرف منا الأسماء من أجل اعتقالنا. ولما أخبرني بنكيران بهذا الموقف اقترحت عليه أن يقدم الأسماء المعروفة لدى الأمن الوطني، أولئك الذين سبق اعتقالهم وأطلق سراحهم، وبنكيران مثلا كان قد حكم عليه بالسجن لمدة 3 أشهر موقوفة التنفيذ في قضية مظاهرة الدارالبيضاء.. وفي نهاية المطاف أسسوا جمعيتهم في نهاية سنة 1983 وقدموا ملف جميعة «الجماعة الإسلامية» إلى السلطات، لكنهم لم يحصلوا على الوصل. وبعد أن استشارني هل يجتمعون أم لا بعد التأسيس، سألته إن كانوا سيصدرون جريدة، فقال لي إنهم سيصدرون جريدة إسمها «الإصلاح»، فاقترحت عليه أن يجتمعوا تحت غطاء الجريدة وينظموا ندوات بإسمها.
{ نريد أن نعرف ما هي حدود الدور الأمني في توجيه مسار الإسلاميين السياسي الذي وصلوا إليه الآن؟
سأتكلم بداية عن قضية الحزب، فبنكيران حين وجد حريته في تأسيس جمعية الجماعة الإسلامية التي أصبحت حركة الإصلاح والتجديد فيما بعد أراد تأسيس حزب سياسي، وكانت مجموعته أقوى من العدل والإحسان هنا بالرباط، لكن بالدارالبيضاء كان العكس. ولما لم يتمكن بنكيران من الحصول على حزب سياسي خاص به، فكر في العمل مع حزب الاستقلال، لكن لم يحصل أي اتفاق بينهما، فلجأ إلى الدكتور الخطيب الذي كانت تجمعه علاقات قديمة بالإسلاميين. وبعد أن توصلت بالخبر أردت أن أتأكد من صحته فذهبت إلى الدكتور الخطيب وسألته إن كان سيتبنى حقيقة بنكيران ومجموعته في حزبه، فأجابني أنه اشترط عليهم العمل في إطار المشروعية وأن ينبذوا العنف ويحددوا موقفهم الواضح من الملكية وإمارة المؤمنين.. أما الحديث عن دور الداخلية في هذا الالتحاق، فهو أمر غير صحيح، فالذي قامت به الداخلية هو فقط إعطاؤهم الرخصة. والخطيب كان على اتصال قديم بالحركة الإسلامية، وحتى مجموعة التبين التي تحدثنا عنها، كان الخطيب يرسل بعض الشباب إلى إيران في إطار المشاركة في مباريات تجويد القرآن الكريم.. أما الداخلية فالأجهزة الأمنية لم تلعب أي دور في هذا الاندماج.
{ بنكيران يتعامل مع «الديستي»
مرة استدعى علابوش (مدير الديستي آنذاك) وبنهاشم (مدير الأمن الوطني آنذاك) بنكيران، وطلبا منه أن يوقف اتصاله بالخلطي، وأن يطرق بابهما إن احتاج أمرا. فأتى عندي بنكيران وأخبرني بما حدث، وقال لي إنه قد وقع لهما محضرا فقلت له استفت قلبك، إذا وجدت أنهما أرادا لك الخير فتعامل معهما، لكن إذا وجدت العكس فاستفت قلبك. أجابني قائلا : إذا أرادوا أن يعتقلوني فليفعلوا.. فذهب إليهم، وتكرفسوا عليه (الديستي)، وأخبرني أنهم كانوا يزورونه ببيته، ويدوسون زربية غرفته بأحذيتهم، ويدخنون بمكتبه.. فذهبت إلى علابوش وقلت له إنه على رجاله أن يتعاملوا بأخلاق..
{ ما هي أسماء هؤلاء الثلاثة؟
(....) كنت أعرف دائما أن اليد الواحدة لا تصفق. كنت أتعاون مع جميع الأجهزة بما في ذلك قسم الشؤون العامة، فمثلا مريزق (المكلف بالشؤون الدينية بقسم الشؤون العامة بولاية الرباط) أنا من عرفته على بنكيران وإخوان آخرين.. وبنكيران كان يقول لي يجب أن تعرف بنا لدى المسؤولين، فعليهم أن يعرفوا من نحن... وكان يأتي لي بجرائده ويطلب مني أن أعطيها للمسؤولين حتى يطلعوا علىمواقفهم.. وقد ساهمت في هذا الأمر إلى أن أصبحت مواقفهم معروفة، وها أنت ترى وضعهم الآن. وبعد دخولهم إلى البرلمان زرتهم بمكتب جريدتهم والتقيت ببنكيران والرميد، وحذرتهما من الغرور ومن الدخول في الصراع مع الاتحاد الاشتراكي..
{ كيف حذرتهم من الاتحاد الاشتراكي؟
قلت لهم إياكم ثم إياكم من الدخول في الصراع مع الاتحاد الاشتراكي، فقد يستفزونكم ويتحينوا لكم الفرصة للإجهاز عليكم.. فأجابني بنكيران قائلا نحن لن نخاف منهم، فمادام الحسن الثاني موجودا فنحن في حمايته، وأخبرني بسر لا أدري من أخبره به.
{ ماذا قال لك؟
أخبرني أنه يوم تقدمت الكتلة بمذكرتها المشهورة إلى الملك، قال لهم الحسن الثاني إذا لم تراجعوا مذكرتكم هذه، فسأطلق عليكم بنكيران. ورغم هذا حذرته، وقلت له إن الاتحاد الاشتراكي سيتربصون بكم إلى أن يتسببوا لكم في مشكل، وكان ما كان بعد 16 ماي، فقد استغلوها كمناسبة، وها أنت ترى أن الرميد لم يعد رئيسا للفريق النيابي، والريسوني أبعد من رئاسة الحركة.. في البداية كان يسألني بنكيران قبل أن يتخذ أي موقف عن موقف الاتحاد الاشتراكي، لكن فيما بعد أخذهم الغرور، وبدأوا يسلكون سياسة الاستفزاز..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.