عاش مجلس النواب المغربي، أمس، لحظة غير مسبوقة في تاريخه. فبعد تهجم رئيس الحكومة على المعارضة ووصف تدخلاتها ب « الكلام السفيه» حولت الاغلبية البرلمانية ، نساء ورجالا، المجلس الى حلبة للمصارعة إذ طغى الصفير والصياح والكلام المباح وغير المباح داخل قاعة لها حرمة، ويتابعها المغاربة مباشرة عبر الاعلام العمومي. وكان كل هذا الضجيج المفتعل من أجل منع المعارضة من حقها البسيط في أن تطلب استفسارا أو سحب كلمة لا تليق بأن يوصف بها نواب الأمة من طرف رئيس حكومة يفترض فيه الحرص على احترام القانون والدستور والأعراف المرعية في حضرة مجلس يفترض أنه يمثل المغاربة، وهو الذي يمنحه شرعية رئاسة الشأن العام المغربي فعليا. المعارضة لم تستسلم للأمر الواقع وردت بقوة داخل قاعة المجلس على بنكيران واعتبرت كلامه « سفها» لا يليق النطق به داخل القاعة أو وصف النواب به، ليحول بنكيران وصحبه من برلمانيي حزبه والاغلبية الدائرة في فلك الاغلبية الحاكمة، الجلسة الى حالة من الضجيج والفوضى وانبروا بتفوق عددي في رفع شعارات وكلام ناب في حق المعارضة من باب «انصر أخاك ظالما أو مظلوما»، وكادت الامور أن تتطور الى اشتباك بالأيادي ، وتدخل الأمن الخاص بالبرلمان داخل القاعة، وفضلت المعارضة الانسحاب تجنبا للأسوأ، للتعبير عن احتجاجها على هذا السلوك . رئيس الحكومة تم إخراجه من القاعة، محاطا بحرسه الخاص وتم توجيهه مباشرة الى سيارته المصفحة ليغادر مجلس النواب دون أن يكلف نفسه حتى الاعتذار للنواب ولرئيس المجلس الذي رفع الجلسة لبعض الوقت فتحول الى وقت مفتوح. خارج القاعة الرسمية أحاطت الصحافة المرئية والمسموعة برئيس الفريق الاشتراكي ادريس لشكر، والذي اعتبر الامر إهانة لمجلس النواب وللمعارضة النيابية. وشدد لشكر على أن رئيس الحكومة إنما يتهرب من الاسئلة التي تعدها المعارضة في إطار دورها الدستوري ومراقبتها للشأن العام. وقال لشكر «هناك قضايا مهمة يحتاج الرأي العام الوطني الى إجابات عنها تهم مصير وعيش ملايين المغاربة ، وليس السقوط في مثل هذا الكلام الرخيص وغير النافع». وشدد لشكر على أن هذه السلوكات هي وسيلة للتهرب من الرقابة الشعبية عبر مجلس النواب والمنظمة بقانون، مضيفا أن بنكيران يسعى فقط الى سماع الاصوات المنوهة به والتي تسير حسب هواه، ولا يرغب مطلقا في سماع صوت المعارضة لدلك هو يتهرب. ولأن ليس في جعبته ما يقنع به الرأي العام أمام الاوضاع الكارثية التي أوصلت حكومته البلاد إليها في كافة القطاعات وخاصة الاجتماعية. وكانت الامور عادية بعد تدخلات الأغلبية والمعارضة في استفسارات في جلسة دستورية لكن مداخلة رئيس الحكومة التي لم تستمر إلا دقائق معدودة، لم تتوقف عند اتهام المعارضة بقول «كلام السفاهة» بل إنه وَصَف أحد النواب بالسفيه، ورفض تدخل ادريس لشكر الذي طالبه بسحب هذا الكلام وتوجه إليه «أنا لا أقصدك أنت» قاصدا لشكر بكلامه .وأصرّ على الاستمرار في رده وعدم سحب كلامه، مبرّرًا ذلك بأنه مُحصّن «بالدستور وبالقانون»، وبأن اتهامات وانتقادات المعارضة لا تُخيفه، وأن استطلاعات الرأي تؤكد شعبيته وشعبية حكومته، مضيفًا أنه لا يؤمن بالسياسة التي يقوم بها العبد لوحدها، بل يعتبرها توفيقًا من الله، مشيرًا إلى أن حكومته تستبشر خيرًا بسقوط المطر، وتسأل الله البركة في ما تقوم به. وقال بنكيران إن الدولة ربحت 21 مليار درهم عندما رفعت من سعر الغازوال لوحده، كما ربحت ما بين 80 و100 مليار درهم من إصلاح المقاصة، واستطاعت توفير 17 مليار درهم عبر الزيادات في أسعار الماء والكهرباء، رغم انتقادات المعارضة لهذه الزيادات، واصفًا نزول أسعار البترول ب»فضل الله على الحكومة». وأن مدير الميزانية» فرحان» في إشارة الى أن ما يهم بنكيران ليس الاغلبية أو المعارضة وإنما التوازن المالي فقط. وأدانت فرق المعارضة التي قاطعت الجلسة مباشرة سلوكات رئيس الحكومة، ووصفتها بالدكتاتورية والمهينة للبرلمان وتحط من شأن المؤسسات الدستورية للبلاد. وأكدت التصريحات أن ما وقع أول أمس بالبرلمان يؤكد صواب رأي المعارضة بالتوجه لطلب تحكيم ملكي في مواجهة بنكيران المحتمي بالأغلبية العددية من أجل دوس حقوق الجميع بما فيها المعارضة البرلمانية المشروعة والمنصوص على حقوقها داخل دستور 2011 الذي جاء ليحصن حقوق المغاربة جميعا قبل أن يعرف تراجعا من طرف المعارضة السابقة والاغلبية الحالية بقيادة حزب العدالة والتنمية الذي عارض الحراك المغربي، وكان ضد مطلب تعديل الدستور المغربي حينها قبل أن يستفيد من ثمار نضال المغاربة من أجل الاصلاح. وفي تعليق لها على هذه القضية، اعتبرت النائبة البرلمانية حسناء أبو زيد عن الفريق الاشتراكي، أن بنكيران يسعى الى شغل الرأي العام الوطني عن الشروخ التي يعرفها تحالفه الحكومي وكذا حزبه. وأوضحت أبو زيد أن الامر ليس تدخلا في شؤون داخلية، ولكن الرأي العام من حقه أن يعرف الحقيقة كاملة. وأضافت حسناء في تصريح للجريدة أن ما حدث مؤسف وغير مقبول، ويتعارض والتكامل الذي يجب أن يعرفه مجلس النواب والحكومة، وشددت على أن الوصف القدحي الذي تفوه به رئيس الحكومة يهم البرلمانيين جميعا، أغلبية ومعارضة ، باعتبارهم ممثلين للأمة. وكشفت أبو زيد أن ما وقع أمس هو تنفيذ لوعيد مسؤول بالعدالة والتنمية قبل أيام عبر الاعلام بأن رئيسه في الحزب» سيرد الصاع صاعين» للمعارضة. واعتبرت البرلمانية الاتحادية أن بنكيران هو المسؤول الاول عن انحطاط الخطاب السياسي ببلانا، وهذا توجه يهدد قيم البلاد الساعية الى بناء دولة المؤسسات الديمقراطية. وأفادت أبو زيد أن بنكيران يتهم جميع منتقديه، سواء مؤسسات دولية أو وطنية، عارضت نهجه في العمل أو انتقدت اختياراته التي تمس القدرة الشرائية، وتسير في اتجاه طيع لصندوق النقد الدولي وتماشي إملاءاته في رفع الدعم عن المواد الاساسية التي تهم ملايين الأسر المغربية، حيث يهتم الرئيس بالتوازنات المالية ولا يعطي اهتماما لقدرة المغاربة التي انهارت أو في طريق الانهيار. ورفضت أبو زيد تحويل مجلس النواب إلى محطة منبرية للخطب من طرف بنكيران ومجالا لتصفية الحسابات الضيقة، وشددت على أن» المجلس يجب أن يلعب دوره في المراقبة وإلا أصبحنا أمام تبذير للمال العام بدون حق عن مؤسسة لا تنتج ولا تقوم بدورها الدستوري الذي يلزم المعارضة بدورها وكذا الحكومة، وهو دور لا يمكن إسقاطه أو التنازل عنه».