آخر دراسة وطنية أجرتها وزارة الصحة في مجال الصحة النفسية كانت السنة قبل الماضية، وهمت 6 آلاف شخص تفوق أعمارهم 15 سنة، وخلصت إلى أن 9 . 48 في المائة من هذه الشريحة عرفت على الأقل اضطرابا عقليا بسيطا (أرق وقلق وتشنج لاإرادي واكتئاب وغيرها من الأعراض). الدراسة التي أشرفت عليها الوزارة ، أشارت إلى أن هذه الأعراض تنتشر بنسبة 5 . 26 في المائة بالنسبة للاكتئاب، و3 . 9 في المائة بالنسبة لاضطرابات القلق، و6 . 5 بالنسبة لاضطرابات نفسية مختلفة أخرى كالفصام. الدراسة ليست الأولى من نوعها في المغرب، فقد سبقتها دراسات من قبل كانت أكثر جرأة في التشخيص وفي كشف النقاب عن واقع صحي لايحظى بالاهتمام الدولتي ولا المجتمعي، فقد أكدت دراسة أنجزتها وزارة الصحة العمومية في عهد بيد الله أن نصف المغاربة مصابون بأمراض نفسية واضطرابات عقلية، وواحد من كل أربعة مواطنين مصاب بالاكتئاب، إلى جانب ذلك هناك ثلاثة ملايين مغربي يعانون من القلق المستمر، و300 ألف شخص مريض بانفصام الشخصية (الشيزوفرينيا ). ألا يحق لنا إذن أن ندق ناقوس الخطر والتحذير من انتشار ظاهرة المرض النفسي؟ الآن على الحكومة و المسؤولين أن يقفوا وجها لوجه أمام الحجم الحقيقي للمشكلة التي تهدد مستقبل المغرب، فالأمر يستدعي إيجاد صيغة مثلى للتعامل مع هذا الوضع وتحقيق وعي جماعي بالظاهرة. وبحسب مجموعة من المختصين في الطب النفسي، فإن المرض النفسي الأول الذي يعاني منه ربع المغاربة هو الاكتئاب، إلا أنه غير واضح الآثار والأعراض كما هو متعارف عليه. فلماذا يصاب المغاربة بالإكتئاب؟ ويصنف الاكتئاب ضمن أخطر الأمراض النفسية، ليس باعتباره ذا آثار وعواقب صحية واجتماعية وخيمة فحسب، ولكن لأنه قابل للانتشار وسط الناس بسرعة، علما بأن كل الظروف المشجعة على انتشاره موجودة وتؤثر على الجميع هنا في المغرب. فكيف للمواطن أن لايكتئب وهو يعيش وضعا معيشيا صعبا بسبب متطلبات العيش الكريم، كيف له أن لايكتئب وهو المكبل بعقود الإذعان لمؤسسات الاقتراض التي تمتص أكثر من ثلثي أجرته الشهرية، كيف له أن لايكتئب وهو يعيش معاناة يومية مع النقل الحضري للوصول إلى عمله، كيف له أن لايكتئب و هو يكتوي يوميا بلهيب الأسعار التي تجعله يتخلى عن الكثير من متطلبات العيش، كيف له أن لايكتئب وهو يعيش أقصى درجات الاحباط في محيط مهني موبوء لامكان فيه للكفاءة ولاللتكوين، محيط تسود فيه لغة الولاءات والإكراميات والعلاقات المشبوهة، كيف له أن لايكتئب وهو يرى حقوقه تضيع وسط المحاكم، كيف له أن لايكتئب وهو يعيش وضع الانتظار للحصول على العلاج، كيف له أن لايكتئب وقد بلغ من اليأس درجات يعجز عن تحملها؟ الآن فقط يمكننا تفسير ظاهرة إصابة المغاربة بالاكتئاب....