تعتبر المنظمة العالمية للصحة الكآبة السبب الأول في الإعاقة، كما تصنيف أيضا في الدرجة الرابعة للأمراض المكلفة ماديا، والتي تكون نتيجتها المأساوية في الغالب الأعم هي الانتحار، بحيث تقدر عدد حالات الانتحار سنويا عبر العالم ب 850.000 حالة سنويا . ويمكن للكآبة أن تحدث في أوساط مختلف الشرائح الاجتماعية من مجمل الأعمار، وهي تصيب المرأة مرتين أكثر من الرجل، علما بأنه سنويا يعاني مائة وعشرون مليون شخص من الكآبة عبر العالم، منهم 25 مليون فقط يستفيدون من الولوج إلى علاجات جيدة . وتبين النتائج أن نسبة حدوث الكآبة في سنة واحدة هي سبعة في المائة، وتقدر هذه النسبة ب 15 في المائة لمدة الحياة كلها . والكآبة هي قطيعة تمتد في الزمن، في الحياة العائلية العاطفية، والاجتماعية، ومن بين عوامل خطر حدوثها/وقوعها نجد السوابق العائلية، الوفاة، أو مرض شخص قريب، والقلق الفكري الجسدي الدائم في العمل، إضافة إلى المعاملة السيئة الجسدية، الجنسية، أو العاطفية، وكذا الاستعمال المفرط للكحول، والمنشطات، والأمراض المزمنة كمرض السكري، السرطان، أمراض القلب، الايدز، الآلام المزمنة، ثم هناك جانب مرتبط بالأحداث الهامة في الحياة كالطلاق، والتوقف عن العمل، والصعوبات المالية ... أما بالنسبة للمغرب فإن شخصا من بين أربعة مصاب بالكآبة حسب بحث أنجزته وزارة الصحة، وتدل معطيات هذا البحث الذي أجري على 6000 شخص، يتجاوز سنهم 15 سنة، أن 48.9 في المائة من الساكنة التي أجري عليها البحث عانت من اضطراب نفسي بسيط في حياتها، و 26.5 في المائة بالنسبة للاضطرابات الكآبية، وهو الاضطراب الذي تبين أنه متواتر عند النساء بنسبة 34.3 في المائة، و 20.4 في المائة بالنسبة للرجال، ونفس التواتر يسري على المناطق، إذ نجده في المدن يبلغ 31.2 في المائة، أما في البادية فتصل نسبته إلى 21.8 في المائة. كما أوضح هذا البحث الوطني أن تعاطي المخدرات والكحول تباينت نسبه فبالنسبة للكحول فقد سجلت نسبة 2 في المائة بينما بالنسبة للمخدرات فقد تم تسجيل نسبة 3 في المائة، كما تبين أن الارتباط بالمخدرين معا جد متواتر عند الرجال وخاصة عند الفئة العمرية بين 20-29 سنة و 33- 44 سنة . وللفت انتباه الآباء والمسؤولين إلى خطورة الكآبة عند التلاميذ، أنجزت كلية العلوم لعين الشق التابعة لجامعة الحسن الثاني بالدارالبيضاء بحثا امتد بين سنة 2006 و 2007 حول الإرهاق المدرسي والكآبة، شمل 1700 تلميذ ينتمون لعدة اعداديات وثانويات خاصة وعمومية بالدارالبيضاء الكبرى، بين أن 10.68 في المائة من التلاميذ الذين يتراوح سنهم ما ما بين 15 و 20 سنة يعانون من الكآبة، في حين أن 11.61 منهم يعانون من القلق، و 15.7 من الإرهاق، بينما سجل لدى 17.3 في المائة من التلاميذ أزمة هوية، في حين 15 في المائة من التلاميذ المستجوبين اعترفوا بارتباطهم بالتدخين، و 3.46 في المائة، بالإقبال على المخدرات، على أن 7.37 في المائة من التلاميذ المستجوبين أكدوا أنه انتابتهم أفكار سوداوية وانتحارية . ومن خلال المتابعة يتبين أن الكآبة في مجتمعنا لا تحظى بالتحسيس الكافي، وبأن أغلبية الحالات لاتستفيد من التشخيص والعلاج، ولاطلاع القارئ على أعراض الكآبة نقدم هذه الحالة الطبية التي عانت منها هذه السيدة يبلغ عمرها 30 سنة و التي كانت تشتكي من ألم متواتر للرأس مع اضطرابات في النوم وإحساس بالإرهاق، إضافة إلى نقص في الهمة والنشاط، ومع مرور الوقت بدأت الأعراض الأولية تتفاقم، إلى أن تم الاطمئنان على نتائج الفحص الطبي والبيولوجي، بحيث عمل الطبيب المعالج على طرح العديد من الأسئلة عليها، فتبين له أنها تعاني منذ عدة أسابيع من حزن، ونقص في الإحساس بالرغبة في أعمال كانت تقوم بها بشغف، مع أفكار انتحارية تخترق ذهنها في بعض اللحظات، ونقص في التركيز، إضافة إلى إحساس بالضعف، مرفوق باضطرابات نومية وتشنجات عاطفية. وتعتبر هذه الحالة جد متواترة في استشارات الطبيب العام، التي يجب إعطائها العناية الكافية والتفهم والتقبل لترسيخ الثقة بين الطبيب والمريض، ولتعريف المريض بمرضه، ونوعية العلاج الذي تتطلب متابعته لمدة زمنية لاتقل عن ستة أشهر، وعلى الفعالية الدوائية التي لا تظهر إلى بعد أربعة أسابيع، على أن جل المرضى الذين يعانون من هذا المرض يتماثلون للشفاء بعد العلاج الدوائي. كما أن هناك حالات مستعصية أو قابلة للانكسار يجب العمل على التكفل بها من طرف طبيب نفساني. وفي نفس السياق فان العلاج الدوائي متساوي في الفعالية مع العلاج النفسي السلوكي المعرفي وفي بعض الحالات يخضع المريض للعلاجين. ويتعين على الأشخاص الذين يعانون من الأعراض التالية ( مزاج متقلب متعكر مع الحزن و الإحساس بالغم نقص في الرغبة والاهتمام واللذة نقص مهم في الوزن أو العكس نقص في الأكل الإحساس بالعجز الأرق أو الإفراط في النوم اضطرابات في العلاقات الجنسية التعب والعناء وفقدان القوة النقص في القدرة على التفكير والتركيز والإرادة فقدان التقدير الشخصي النظرة السلبية للذات مع التشاؤم تواتر أفكار الموت والانتحار )، في حال استمرارها لمدة أسبوعين متتالين استحضار مرض الكآبة، بعد التيقن من عدم وجود أي مرض عضوي بالفحوص الطبية والبيولوجية والإشعاعية.علما بأن هناك حالات يصادفها الطبيب المعالج كالتعب، والألم في الرأس، والبطن، تغير في الوزن مع سرعة الغضب، خاصة عند الشخص المسن على شكل اختلاط ذهني . أما عند الأطفال فتتمظهر الكآبة على شكل انفعال وسرعة الغضب، ونقص في المردودية الدراسية أو العزلة الاجتماعية، في حين أنها تظهر بشكل كبير لدى عدد من النساء خلال فترة الحمل وحتى بعد الولادة. ويعتبر السبب في حدوث الكآبة غير معروف، وتبين الأبحاث وجود خلل في توازن الناقلات العصبية ك «السيروتونين»، كما أن هناك عدة عوامل تساعد على الإصابة بالمرض كالقابلية الوراثية، من قبيل بعض الأمراض العصبية كمرض الباركينسون، الحوادث، الشرايين الدماغية، والنوبات الصرعية، كما ترفع بعض الأدوية من خطر الإصابة كالرزيربين وكذا الكوكايين و «الامفيتامين» والكحول. وتسبب الكآبة في معاناة جسيمة للشخص المصاب بها، وأثارا سلبية على المردودية المهنية والعلاقات الأسرية والمجتمعية، خاصة عندما تنضاف إليها محاولات الانتحار، علما بأن 95 في المائة من الأشخاص الذين يقومون بمحاولة انتحار هم مصابون بالكآبة و15 في المائة منهم ستنتهي معاناتهم بالموت . في الختام يجب التأكيد على أهمية تنظيم حملات للتحسيس و الكشف المبكر عن هذا المرض خاصة عند الشرائح الاجتماعية الأكثر هشاشة، والتي لها صعوبات في التعبير عن المثبطات النفسية التي تعوق اندماجها وتطورها الاجتماعي، والرفع من التكوين المعرفي لدى الفاعلين الصحيين للرفع من نسبة تشخيص الكآبة وعلاجها ..