كلما اشتد الخناق على الجزائر في قضية الصحراء، كلما أخرجت الأوساط الإسبانية المعادية للمغرب، أظافرها، في عملية منسقة وعلى إيقاع مدروس ومحسوب، هذا ما تؤكده المعطيات الحالية، والتي لم تفاجأ المتتبعين لتطورات النزاع، حيث كانوا ينتظرون أن تتولى هذه الأوساط الدعم والمساندة للانفصاليين، بهدف فك الطوق عليهم، بعد اختطاف السيد مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، وبعد فضيحة احتجاز صحافيين في فندق بتندوف. مباشرة بعد هذه الوقائع استنجدت السلطات الجزائرية بالحليف الإستراتيجي، المتواجد في اسبانيا، والذي يشتغل بتمويل من مخابرات هذا البلد المغاربي، في إطار تبادل المصالح، التي تجمع بين الطرفين، والتي تضع المغرب في خانة العدو الأول، الذي ينبغي إضعافه باستمرار. فما هي هذه المصالح المتبادلة بين الطرفين؟ بالنسبة لإسبانيا، الأمر واضح، فهناك موضوع احتلال سبتة و مليلية، والجزر الأخرى، إذ أن هذا الوضع الهجومي داخل التراب المغربي، يعطي لهذا البلد موقعا متقدما، على المستوى العسكري، مما يشكل تفوقا استراتيجيا مهما، لن تفرط فيه اسبانيا بسهولة، و بالإضافة إلى هذا فاستمرار نزاع الصحراء، يعطي لأسبانيا ورقة ضاغطة على المغرب و مستمرة، تلعب بها على مستوى التفاوض حول المصالح، وتشكل إنهاكا دائما له يمنعه من التوجه نحو الجبهة الشمالية لاستكمال وحدته الترابية. لذلك فما نسميه بالأوساط الإسبانية المعادية للمغرب، هو عبارة عن شبكة واسعة تتداخل فيها قوى الجيش بالجهات المدنية من لوبيات وأحزاب تتحكم في بلديات وهيآت منتخبة ووسائل إعلام... كل ذلك في إطار «جبهة وطنية»، يلتحم فيها الصحافيون والكتاب و الفنانون «والنشطاء الحقوقيون» و«المحسنون»...، من أجل خدمة الأهداف الإستراتيجية لبلدهم. لذلك نرى أن «المجتمع المدني» الإسباني، الذي تحرك في حادثة اميناتو حيدر وأقام الدنيا ولم يقعدها، لم ينبس بكلمة في موضوع مصطفى سلمى، رغم أن اميناتو لم تكن مختطفة، و تتعرض للتعذيب، كما يحصل لمفتش شرطة البوليساريو الآن، في أقبية المخابرات الجزائرية. الاثنان صحراويان، اميناتو ومصطفى، لكن التعاطف يختلف حسب المصالح الإستراتيجية، فموقف الأولى يخدم مصالح اسبانيا، بينما موقف الثاني لا يخدمها، لذلك ستختلف المعايير الحقوقية من الواحد للآخر، إذ ليس هناك منهج حقوقي مبدئي، فهذا متروك «للسذج»، الذين يعتقدون، واهمين، أن هناك التزاما اسبانيا بحقوق الإنسان، في موضوع الصحراء. بالنسبة للجزائر، فإنها تقتسم نفس المصالح مع اسبانيا، منذ أن اتفقت مع الجنرال فرانكو على محاولة خلق دويلة صحراوية في جنوب المغرب، لأن هذا البلد الذي يحكمه الجيش، لا يمكنه أن ينهج أية سياسة للانفتاح على محيطه المغاربي، وخاصة في اتجاه الغرب، أي نحو المغرب، لآن ذلك يعني سقوط الأوهام التي قام بتغذيتها لعشرات السنين حول بلدنا، والتي يحاول من خلالها الاستمرار في حكم الشعب الجزائري بالحديد والنار. ليس أمام العسكر في الجزائر إلا هذه السياسة الإستراتيجية في المنطقة، والتي تحميهم من إخراج بلدهم من عزلته، ونهج سياسة أخرى، للبناء المغاربي، لأن هذا يضرب مصالحهم في العمق، التي جعلت من هذا البلد، الغني بالغاز والبترول، من أفقر بلدان العالم، بسبب النهب و الفساد. وكل الأهداف الهيمنية في المنطقة، تستلهم فلسفتها من هذه الحقائق، حيث أن العسكر الجزائري، يريد أولا تأبيد النزاع، لعرقلة الوحدة المغاربية، وثانيا لتحقيق بعض الانتصارات الجزئية، من حين لآخر، ضد المغرب، ليقدمها لشعبه كدليل على نجاح سياسته. وبما أن أهداف إضعاف المغرب، متقاسمة بين هذه الطغمة العسكرية وإسبانيا، فإننا سنجد أنفسنا باستمرار، في مواجهة محور الجزائر- مدريد، الذي يظل «كخلية نائمة»، يطفو على السطح كلما اشتد الخناق على المشروع الانفصالي. وعملية «الحج» الأخيرة، نحو العيون، «لناشطين حقوقيين» اسبان، آتين من الجزائر، ليست سوى تجلي من تجليات هذا التحالف الإستراتيجي.