ردا على المعطيات الخاطئة التي وردت فيه، وجه أحمد الحليمي المندوب السامي للتخطيط انتقادات لاذعة للتقرير الذي صدر عن مركز أوكسفورد والذي صنف المغرب في المرتبة 56 من أصل 104 دول سائرة في طريق النمو، وذلك على أساس مؤشرات مغلوطة لا تأخذ بعين الاعتبار المعطيات الحقيقية للفقر كالدخل والتشغيل والضمان الاجتماعي، وتركز فقط على الصحة والتعليم ومستوى المعيشة. واعتبر الحليمي، أنه من غير المعقول مقارنة دول مختلفة على أساس معطيات ذات تواريخ مرجعية مختلفة تتراوح بين سنة 2000 و2008. وقال المندوب السامي إن المنهجية المعتمدة في دراسة أكسفورد تطلق أحكاما شمولية بالفقر انطلاقا من مؤشرات جزئية غير ذات دلالة، فعلى سبيل المثال، فيما يخص المتغير المتعلق بالتمدرس، نجد أنه إذا كان أحد أطفال أسرة ما دون سن 15 سنة غير متمدرس، فهذه الأسرة تعتبر فقيرة ويمكنها الخروج من الفقر بمجرد ما يتجاوز هذا الطفل سن 15 سنة وذلك مهما كان مستوى مواردها وممتلكاتها. كما أنه يمكن لهذه المنهجية أن تعتبر أسرة من الرحل تمتلك 5000 رأس من الجمال، أسرة فقيرة لمجرد أن خيامها لا تحتوي على مرحاض ولا على مطبخ.. ونبه الحليمي في رسالة وجهها إلى صبينة الكاير مديرة مبادرة أكسفورد للتنمية البشرية والفقر، التي قامت باعداد هذا التقرير، إلى إن تطبيق هذه المنهجية على معطيات البحث الوطني حول مستوى معيشة السكان في المغرب برسم سنة 2007 يبين أن نسبة الفقر في هذه الحالة تنخفض من 28.5 بالمائة سنة 2004 إلى 11.1 بالمائة سنة 2007. في حين ينتقل هذا المؤشر من 23.9 بالمائة سنة 2001 إلى 12.1 بالمائة سنة 2007 حسب مقاربة الفقر المتعدد الأبعاد المعتمدة من طرف المندوبية السامية للتخطيط. وألح الحليمي في هذا الصدد على ضرورة مراعاة التواريخ المرجعية للمعطيات. وحذر الحليمي برنامج الأممالمتحدة للتنمية PNUD من مغبة اعتماد هذا التقرير كوثيقة مرجعية، مطالبا و الحالة هذه أن يتم أخذ المقاربة المغربية المتعددة الابعاد بعين الاعتبار، و أضاف الحليمي أن التطبيق الفعلي لمبادرة أوكسفورد للفقر والتنمية البشرية على البيانات الخاصة بالمغرب يعطي نتائج متقاربة مع تلك التي أسفرت عنها المقاربة المعتمدة من طرف المندوبية السامية للتخطيط، وهذا يعني أن انخفاض الفقر بالمغرب تؤكده المقاربتان معا وأن استعمال معطيات سنة 2004 عوض معطيات سنة 2007 لا يعبر عن المستوى الحالي للفقر في المغرب. وبقياس الفقر وفق المقاربة النقدية، وحسب عتبة الفقر الوطنية (2.15 دولار أمريكي بمعادل القوة الشرائية) ، يتبين أن معدل الفقر انخفض من 15.3 بالمائة سنة 2001 إلى 8.9 بالمائة سنة 2007 . وتبين هذه الاتجاهات أن استخدام المعطيات الحديثة، كتلك التي تعود لسنة 2007، كان من شأنها أن تضع المغرب في الرتبة 41 بدل الرتبة 56 . وكانت وزارة الخارجية بدورها قد انتقدت بشدة، مؤخرا، أسلوب برنامج الاممالمتحدة في تقدير مؤشرات التنمية البشرية، معتبرة أنه يدل على «افتقار الى الجدية والمهنية واجحافا للجهود المبذولة في مجال التنمية السوسيو اقتصادية» كيف تقدم المندوبية السامية للتخطيط مؤشرها البديل؟ ترى المندوبية السامية للتخطيط أن الطابع المتعدد الأبعاد لمؤشر ما، سواء تعلق بالتنمية البشرية أو الفقر أو أية ظاهرة اجتماعية أخرى، يشكل دائما المقاربة المنشودة لكونها تمكن من الأخذ بالاعتبار العوامل المؤثرة في رفاه السكان. في هذا الإطار، قامت المندوبية السامية للتخطيط بتطوير مقاربة متعددة الأبعاد تعتمد على نموذج إحصائي لتحليل المعطيات مع اقتناعها بالطابع الاعتباطي لهذا النوع من المقاربات. وفقا لهذه المقاربة، فإن مؤشر مستوى المعيشة الذي أعدته المندوبية السامية للتخطيط اعتمادا على معطيات البحوث حول مستوى المعيشة يتضمن أبعادا أكثر عددا مقارنة مع مؤشر الفقر المتعدد الأبعاد الذي أعدته منظمة « مبادرة أوكسفورد للفقر والتنمية البشرية OPHI. فهذا المؤشر يشمل الولوج إلى التربية والتكوين والصحة (التغطية والاستشارة الطبية والصحية) والتغذية السليمة والمتوازنة (توفر الماء الصالح للشرب، تغذية لائقة حسب معايير منظمة الصحة العالمية ومنظمة التغذية والزراعة والحماية الذاتية والمستدامة من الفقر الغذائي(وظروف السكن) سكن لائق مجهز بالكهرباء والتطهير السائل، والثلاجة، والحمام، والمطبخ، والمرحاض وآلة الطبخ) والإدماج المهني، الذي يتمثل في النشاط الاقتصادي لأفراد الأسرة وفرص تشغيل الشباب، والعدالة الاجتماعية والمساواة بين الجنسين، ويقاسان، على التوالي، بالتموضع في السلم الاجتماعي لمستوى المعيشة ومعدل ذكور/إناث في مجال التربية والتكوين والعلاجات الطبية، والولوج إلى وسائل الاتصال والنقل. وفي نفس الإطار، قامت منظمة «مبادرة أوكسفورد للفقر والتنمية البشرية OPHI» بجامعة أكسفورد، بإعداد مؤشر الفقر متعدد الأبعاد MPI، نشر في تقرير تحت عنوان «الفقر الحاد المتعدد الأبعاد: مؤشر جديد للبلدان النامية». وبتمويل من مركز البحث حول التنمية الدولية التابع للحكومة الكندية والوكالة الكندية للتنمية الدولية والوكالة الأسترالية للتنمية الدولية وإدارة التنمية الدولية بالمملكة المتحدة، تم إعداد هذه الدراسة من طرف صابينا أليكس وماريا إيماصانطوس عن مركز البحث OPHI اعتمادا على مقاربة تم وضعها من قبل جيمز فوستر وصابينا أليكس سنة 2007. وتستأثر هذه المقاربة بأهمية كبرى بالنظر لإمكانية اعتمادها من طرف برنامج الأممالمتحدة للتنمية. يعتمد هذا المؤشر في قياسه على بحوث حول الديموغرافية والصحة المعدة أصلا لتحليل الوضعية الصحية وليس لقياس الفقر، مما يجعله، حسب واضعي هذا المؤشر، مقيدا بمحدودية المعطيات (الصفحة 7 من التقرير) وتعترضه، حسب خبراء البنك الدولي (www.oxfomblogs.org) نقائص تطبيقية وتحليلية. ويثير هذا المؤشر الملاحظات التالية : 1 من المؤكد أن تعدد الأبعاد المعتمدة في حساب هذا المؤشر هو شيء محبذ. لكن هذه الأبعاد لا تغطي جميع الأولويات الاقتصادية والاجتماعية، ومن ضمنها تلك التي تساهم في تقوية قدرة الأفراد على حماية أنفسهم من الفقر. فهي تقتصر على عشر مؤشرات تتعلق بالصحة (وفاة الأطفال والتغذية) والتعليم الأساسي والولوج إلى الكهرباء والماء الشروب والتطهير وبعض التجهيزات المستدامة. إن اختيار هذه الأبعاد قد أملته طبيعة المعطيات المتوفرة، من خلال البحوث حول الديموغرافية والصحة، أكثر من أولويات وتطلعات السكان. إضافة إلى هذا، لا تدخل في احتساب هذا المؤشر إلا مؤشرات النتائج، في غياب كامل لمؤشرات الدخل التي تقيس قدرة السكان على الاعتماد على أنفسهم. ويتعلق الأمر بالعوامل المتحكمة في الدخل كالشغل والتغطية الاجتماعية وكذا الولوج إلى الشبكة الطرقية ووسائل التمويل. 2 تتراوح الفترات المرجعية للمعطيات ما بين سنتي 2000 و2008 مما يجعل ترتيب الدول حسب مؤشر الفقر المتعدد الأبعاد غير مبني على أسس متينة. فسنوات المراجع المتعلقة بالبحوث مصدر المعطيات تتغير من دولة إلى أخرى وهو ما لا يمكن بتاتا من ترتيب الدول حسب هذا المؤشر. وعلى سبيل المثال، فإن الترتيب المعتمد يقارن بين المغرب في سنة 2004 مع مصر في سنة 2008 والأردن في سنة 2007 . وهكذا، فإن جميع المجهودات التي بذلها المغرب بين 2004 و2008 في مجال التنمية البشرية والاقتصادية والاجتماعية، وكذا في مجال إنتاج المعلومات الإحصائية الحديثة، تم تجاهلها لسبب بسيط يتمثل في كون آخر بحث حول السكان والصحة (DHS) يرجع إلى سنة 2004 . وللتذكير فإن التقرير الوطني حول أهداف الألفية للتنمية لسنة 2009، يعطي معطيات حديثة حول الأبعاد الأساسية لمؤشر الفقر المتعدد الأبعاد، ويبين كذلك أن مصادر المعطيات الحديثة التي يتوفر عليها المغرب (البحث الوطني الديموغرافي لسنة 2009 والبحث الوطني حول معيشة السكان لسنة 2007 (تمكن من تحيين حديث لهذا المؤشر). 3 إن المتغيرات المعتمدة في قياس مؤشر الفقر المتعدد الأبعاد تفضي إلى بعض الاستنتاجات غير الصائبة بخصوص قياس الفقر وديناميته. فقد تم تعريف هذه المتغيرات وإسناد معاملات ترجيح لها بطريقة غير موضوعية، بحيث أن العجز في أية حالة، سواء تعلق الأمر بالصحة أو التغذية أو الدراسة، لأحد أفراد الأسرة تزيد من مخاطر التعرض للفقر لدى الآخرين. ويتم تصنيف كل أفراد الأسرة في حالة الفقر إذا حدث أن كان أحدهم يعاني من سوء التغذية وترك المدرسة قبل بلوغ سن 14 عاما. أما من حيث دينامية الفقر، فإن الأسرة التي لا يتوفر أي من أفرادها الكهول على شهادة الدروس الابتدائية تقع في براثن الفقر إذا ترك أحد أطفالها المدرسة قبل سن 14 سنة، وذلك بغض النظر عن الموارد المتاحة له، ولا يخرج من هذه الوضعية إلا بعد أن يبلغ الطفل سن 15 عاما. فبعد بلوغ هذا السن، فإن هذا الطفل لن يعود معنيا بالمتغير المتعلق بالدراسة، وبالتالي فإن حصة الأسرة ستنتقص بحوالي السدس. كما أن التوفر، في نفس الوقت، على مذياع ودراجة هوائية وقنينة غاز ومرحاض، يعادل، من حيث مخاطر التعرض للفقر، الغياب التام لنظام التعليم الأساسي. 4 كسائر المقاربات المتعددة الأبعاد، فإن قياس الفقر باعتماد مقاربة مؤشر الفقر المتعدد الأبعاد يعتمد على عتبة غير موضوعية ولا تصلح بذلك لإجراء مقارنات مع المقاربات النقدية التي يتم تحديد العتبة بشأنها بطريقة موضوعية. وتنضاف إلى المحدوديات المشار إليها أعلاه، العامل الذاتي الذي أشار إليه واضعو مؤشر الفقر المتعدد الأبعاد أنفسهم، في تحديد عتبة الفقر بشكل اعتباطي في 30 بالمائة. وهو ما يجعل المقارنات بين مؤشر الفقر المتعدد الأبعاد وذلك القائم على المقاربة النقدية غير ذي جدوى. وبالفعل، فإن 23 بلدا من بين 55 تتقدم المغرب في الترتيب، بلغ بها معدل الفقر، من 2 دولار أمريكي بمعادل القوة الشرائية، مستويات أعلى بكثير مما هو مسجل بالمغرب. كما أن مستوى عدم المساواة أعلى في 18 دولة مقارنة مع مستواه بالمغرب، صنفت هي بدورها في مراتب متقدمة مقارنة مع المرتبة التي يحتلها هذا الأخير. 5 إن التطبيق الفعلي لمبادرة أوكسفورد للفقر والتنمية البشرية على البيانات الخاصة بالمغرب يعطي نتائج متقاربة مع تلك التي أسفرت عنها المقاربة المعتمدة من طرف المندوبية السامية للتخطيط، بحيث أن نسبة الفقر في المغرب حسب هذه المقاربة انخفضت من 28.5 بالمائة سنة 2004 إلى 11.1 بالمائة سنة 2007 . ووفقا للمقاربة المتعددة الأبعاد للمندوبية السامية للتخطيط، فقد انخفض معدل الفقر من 23.9 بالمائة سنة 2001 إلى 12.1 بالمائة سنة 2007 . وهذا يعني أن انخفاض الفقر بالمغرب تأكده المقاربتان معا وأن استعمال معطيات سنة 2004 عوض معطيات سنة 2007 لا تعبر عن المستوى الحالي للفقر في المغرب. وبقياس الفقر وفق المقاربة النقدية، وحسب عتبة الفقر الوطنية (2.15 دولار أمريكي بمعادل القوة الشرائية) ، يتبين أن معدل الفقر انخفض من 15.3 بالمائة سنة 2001 إلى 8.9 بالمائة سنة 2007. وتبين هذه الاتجاهات أن استخدام المعطيات الحديثة، كتلك التي تعود لسنة 2007، كان من شأنها أن تضع المغرب في الرتبة 41 بدل الرتبة 56 . يتضح من خلال العدد المحدود للمتغيرات وقلة المعطيات التي تنبني عليها المقاربة المعتمدة من طرف مبادرة أوكسفورد للفقر والتنمية البشرية حول الفقر، عدم قدرتها على الحلول محل المقاربة المتعددة الأبعاد المعتمدة من طرف المندوبية السامية للتخطيط. كما أن اعتمادها في ترتيب الدول النامية، لا يمكن، في أي حال من الأحوال، أن يكون ذي معنى دون استنادها إلى نفس الفترة المرجعية، ودون مناقشتها داخل اللجنة الإحصائية التابعة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، وهي الهيئة الوحيدة المخول لها إبداء الرأي في المعطيات والمناهج الإحصائية طبقا لتوصيات مجموعة الخبراء للأمم المتحدة حول مؤشر التنمية البشرية.