ما من شك أن موضوع جمع القرآن، ضمانا لحمايته كنص مقدس، عمل «ابتكره» الخليفة عثمان بن عفان. غير أن هذا العمل أثيرت حوله الشبهات وطرح إشكالات كبرى لم يقع تجاوزها تماما، إلا عبر اختيارات إيديولوجية مملاة،. ذلك أن مجموعة من الروايات تذهب إلى أن «المشروع العثماني» قام على مصادرة سلطة القراء (الحفاظ) كمؤتمنين على الذاكرة الشفوية، ومنهم أزواج الرسول، ومجموعة من الصحابة. ولعل هذا ما فتح الباب أمام القائلين بأن عثمان- الذي أمر بحرق المصاحف-كان وراء انفساخ العلاقة بين تلقي الحدث القرآني وبين الأثر المكتوب والمرتب في «المصحف». بل سمح لمجموعة من الباحثين «القرآنيين»- القدامى والمعاصرين- بتقديم بيانات حول وقوع التحريف في القرآن والتغيير في آياته وترتيبه وسقوط أشياء منه».. لا يخرج تعريف الفقهاء للقرآن عن أنه كلام الله المنزل على نبيه محمد باللغة العربية، بينما المصحف هو مجموع الأوراق التي كتب عليها القرآن. ويميز البعض بين بين هذين الكيانين على أساس أن القرآن هو كلام الله المسموع، بينما المصحف هو الكتاب الورقي أو الجلدي الذي كتب فيه كلام الله. ويضع البعض الآخر تعريفا مثيرا للانتباه، حيث يميز بين القرآن الذي لا يمكن تدنيسه أو تحريفه لأنه «محفوظ بحفظ الله له». أما المصحف، فقد «يتعرض للاعتداء من طرف من طرف من ختم الله على قلوبهم». لكن الأنثروبولوجي التونسي يوسف الصديق يذهب إلى أنه « لا يمكن التمييز، هنا، بين هذين الكيانين: «كلام الله» و«المصحف» من حيث «كمية النص» التي يوفرها هذا الكيان أو ذاك: فحسب مقاييس منطقية وموضوعية لا يملك أحد أي فكرة عن الأمر. فالتمييز بين الاثنين يقتضي التعامل مع ذلك الانفساخ (والطلاق) المستهلك بين الأثر الشذري وثبات النص. وهو الانفساخ الذي يلغي تطابق أجزاء من الخطاب ومسار النفس، كما يجمد حياة الرموز والتصورات، أي أنه يقلب معنى الرسالة نفسه. وفي هذه الحالة من التمييز التي تجعل القرآن كتابا مفتوحا بشكل لا نهائي حينما يتقد الإدراك و تظهر الرغبة في قراءة العالم مع ما تحمله هذه الرغبة من احتمالات اقتحام مجال يغلي بالتناقضات.. يصبح «الكلام القرآني» أو الكتاب مجالا يحوي كل المخاطر بالنسبة ل«القارئ». وهو الكتاب الذي يصفه مقطع من القرآن: هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ (أل عمران. 7 و 8). والاستنتاج الذي ينتهي إليه الفقهاء التقليديون، في تفسيرهم لهذا المقطع، هو أنه لا أحد بمقدوره- ولا حتى العلماء الراسخون في العلم- تأويل القرآن. ويفسر بعض الفقهاء، ومنهم الزمخشري هذه الآية بأن الله تعالى حين أنزل القرآن العظيم «أنزله آيات محكمات هن أم الكتاب لا تشابه فيه، فهو مفهوم معلوم، وأنزل آيات أخر متشابهات تكلم فيها العلماء مجتهدين، وهم يعلمون أن اليقين الذي هو الصواب لا يعلمه إلا الله، وذلك مثل المشكلات التي اختلف المتأولون في تأويلها، وتكلم فيها من تكلم على ما أداه الاجتهاد إليه». ويضيف الزمخشري معللا قيام التأويل الذي كان من أجل تأويل الآيات المتشابهات وردها إلى المحكمات بأن الله تبارك وتعالى لو أنزل القرآن «كله محكما لتعلق الناس به لسهولة مأخذه، ولأعرضوا عما يحتاجون فيه إلى الفحص والتأمل من النظر والاستدلال. ولو فعلوا ذلك لعطلوا الطريق الذي لا يتوصل إلى معرفة الله وتوحيده إلا به، ولما في المتشابه من الابتلاء والتمييز بين الثابت على الحق، والمتزلزل فيه، ولما في تقادح العلماء و إتعابهم القرائح في استخراج معانيه ورده إلى المحكم من الفوائد الجليلة، والعلوم الجمة، ونيل الدرجات عند الله، ولأن المؤمن المعتقد أن لا مناقضة في كلام الله ولا اختلاف، إذا رأى فيه ما يتناقض في ظاهره، وأهمه طلب ما يوفق بينه ويجريه على سنن واحد، ففكر وراجع نفسه وغيره: فتح الله عليه، وتبين مطابقة المتشابه المحكم، ازداد طمأنينة إلى معتقده، وقوة في إيقانه». وهذا النص الذي كتبه الزمخشري عن التأويل لدى تفسيره آية آل عمران ، وخصوصا قوله (هن أم الكتاب) هو أول نص عثر عليه مؤرخو الفكر الإسلامي في آداب التأويل الإسلامي للنص القرآني. ويتميز هذا بحسن تعليل المتشابه في القرآن بالقياس إلى المحكم من جهة، كما يتميز بتبيان مزايا التأويل، وفضائل العقل، ومكارم التفكير من جهة أخرى وذلك كما يلي: أولا: إن القرآن لو نزل كله محكما، من منظور الزمخشري على الأقل، لزهد الناس في استعمال الفكر، ولعزفوا عن إتعاب القرائح، وذلك لسهولة المأخذ، ويسر المأتى. ثانيا: إن النتيجة الأولى تفضي إلى النتيجة الثانية، وهي تلك الماثلةفي تعطيل الطريق المفضي إلى معرفة الله تعالى وتوحيده. ثالثا: إن المتشابه من القرآن جاء ضربا من الابتلاء والاختبار للتمييز بين الثابت على الحق، والمتمكن من نور الإيمان، والمرتاب فيهما. رابعا: إن من فوائد المتشابه من القرآن الذي أفضى إلى تأسيس علم جديد من علوم القرآن انطلاقا من توجيه آية آل عمران ، انه يمكن العلماء المسلمين الراسخين في العلم من سلوكيات العلماء وأدبيات تحاورهم ، ويفتح الطريق أمام اجتهاداتهم و إعمال العقل لديهم في فهمالنص القرآني الذي أذن الله لهم وحدهم به حسب تفسيرهم و تأويلهم لقوله تعالى: «وما يعلم تأويله إلا الله. والراسخون في العلم ...» و هو موقف أكثر القراء وذلك لترك الباب مفتوحا أمام العلماء لتأويل المتشابه من القرآن، إلا أن هناك من القراء من يقف على قوله تعالى: «و ما يعلم تأويله إلا الله»، وبذلك يكف ويصد العلماء عن تأويله. هناك أيضا طريق آخر بدون مخرج تشير إليه آيات من سورة يونس: «وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ. وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ. أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ. بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ» (يونس. 38.39)...». جريدة الاتحاد الاشتراكي أجرت العديد من الحوارات مع هذه الكفاءات بمختلف أنحاء العالم، الهدف منها إعطاء الوجه الحقيقي للمرأة المغربية عبر العالم. يوسف لهلالي - هل يمكنك أن تحدثينا عن أنشطتك مع المغرب، هل تتم في اطار جمعوي ام في اطار حكومي؟ - النوع الاول من الانشطة الذي قمت به مع المغرب كان في اطار المجلس الفركوفوني لنساء بلجيكا، والذي أترأس به لجنة النساء والهجرة .كما انني عقدت لقاءات حول المدونة عندما صدرت بالمغرب وعقدت لقاء بالبرلمان الفركوفوني لبلجيكا حول الموضوع،كان لقاء مع نساء ساهمن في بناء المغرب مثل فاطمة الشنة،فاطمة بيه والدكتورة حميش وأخريات، ساهمن في البناء وقد قمت بانشطة اخرى، لكن هذين النشاطين كانا الأهم وخلف أصداء ببلجيكا. عملي الاساسي هو مع المجتمع المدني، لكن في نفس الوقت قررت الدخول الى عالم السياسة وقد طرحت عدة أسئلة على نفسي .هل قمت بالاختيار الصائب ؟هل في عالم السياسة بامكاننا حمل مشروع ما ؟. لكن عالم السياسة مختلف ولابد من معرفة قواعد اللعبة به وأنا اعمل بحزب للوسط ببلجيكا،الذي يسمى «س د أش» وهو حزب اشتراكي سابقا، وهو حزب شاب ببلجيكا يجعل من الانسان محور كل اهدافه وليس محور عمله هو المردودية الاقتصادية، بالاضافة الى سياسته في احترام التعددية التي تعرفها بلجيكا، ولأنني ولدت من زواج مختلط ،اطمح ان تكون بلجيكا بلد تعدد ثقافي من أجل بناء مجتمع يساهم فيه الجميع وهذا هو مجال النجاح :التعدد الثقافي والاختلاط الثقافي، وهو العمل الذي اسهر على القيام به في الوزارة من خلال اللجنة التي اشرف عليها التي تشتغل على قضايا الهجرة والمساواة والميز. - هل تعتقدين أن النساء المغربيات غيرن وجه الهجرة في العقود الاخيرة؟ - طبعا نساء المغرب عبر العالم يتضمن طاقات هائلة ، لنساء قمن بالبناء وبالنضال في العديد من المجالات . - يبدو أن النساء من أصل مهاجر تفتح أمامهم أبواب الحياة السياسية بسهولة أكثر من الرجال لأنه ينظر إليهن كضحايا.هل ذلك صحيح؟ - أتفق معك، ولكن هناك ايضا باوربا رغبة في حضور النساء في جميع المجالات من خلال المساواة في المشاركة السياسية التي يفرضها القانون. في هذا الاطار هم يبحثون عن نساء ديناميات وفعالات، وما يميز النساء المغربيات بالهجرة هو انه في وجه مشاكل الاحياء اختاروا التعبير عن رأيهن ويقبلن الدخول الى السياسة في الاماكن المخصصة لهن.وانا لي احترام خاص لهؤلاء النساء، ولقاء مراكش من خصوصياته انه يسمح بحضور نساء مغربيات استثنائيات من كل أنحاء العالم والمغرب لا يمكنه الا الافتخار بهؤلاء النساء المتميزات اللواتي يشرفن البلد ، وانا افكر في كل النساء الكثيرات اللواتي لا يحملن أي مسؤولية واللواتي يعملهن في الخفاء ويشكلن مفخرة للمغرب. - الانطباع الذي لنا كمتتبعين اجانب،أن الحياة السياسية ببلجيكا هي الأكثر انفتاحا على ابناء المهاجرين من نظيرتها الفرنسية؟ - انا متفقة على ذلك وفرنسا التي اعرفها جيدا وانا من خريجات تعليمها، رغم كل هذه القيم التي تحملها، فهناك إخفاقات لا بد من الاعتراف بها في هذا النظام الفرنسي في تعامله مع قضايا الهجرة . خاصة التجاوزات التي تمت بمناسبة النقاش حول الهوية الوطنية والتي تشكل وصمة عار بالنسبة لفرنسا . بمناسبة هذا النقاش تم احياء عدد من قيم الحقد والعنصرية التي كانت اثناء الحرب العالمية الثانية في موضوع جد حساس وتحول النقاش من الهوية الى نقاش حول الهجرة والإسلام. وبلجيكا مثلا أعطت لنفسها سنة للنقاش حول موضوع « كيف نعيش جميعا» ولنا شعار ان « تعددنا هو هويتنا» وهكذا حددنا هويتنا هي التعدد ولسنا في حاجة إلى البحث عنها. التعدد ليس هو ان نطلب من الناس ان يتنكروا لثقافتهم الاصلية، بل فقط هو الاعتراف بهم وبهذا التعدد الغني الذي اصبح يعرفه المجتمع البلجيكي . فرنسا لحد الان هي بلد يسير في الطريق السيئ بالنسبة لهذه الاختيارات . وبلجيكا لها خصوصية ثقافية وهي تواجد جماعتين كبيرتين بهذا البلد، وهو ما يجعل البلجيكيين يميلون الى إيجاد حلول توافقية في كل المجالات،وهنا تعلمنا القبول بالاخر.واظن ان اختيار بلجيكا يمكن ان أفتخر به. وهناك بحث في اتجاه العيش المشترك بين أناس يحملون ثقافات ومعتقدات مختلفة.