وثائق سرية تكشف تورط البوليساريو في حرب سوريا بتنسيق إيراني جزائري    الجهات تبصِم "سيام 2025" .. منتجات مجالية تعكس تنوّع الفلاحة المغربية    تصفية حسابات للسيطرة على "موانئ المخدرات" بالناظور    من فرانكفورت إلى عكاشة .. نهاية مفاجئة لمحمد بودريقة    أخنوش يمثل جلالة الملك في جنازة البابا فرانسوا    دول الساحل تعلن دعمها الكامل للمغرب وتثمن مبادرة "الرباط – الأطلسي" الاستراتيجية    مجلس جهة طنجة يشارك في المعرض الدولي للفلاحة لتسليط الضوء على تحديات الماء والتنمية    المفتش العام للقوات المسلحة الملكية يقوم بزيارة عمل إلى إثيوبيا    جريمة مكتملة الأركان قرب واد مرتيل أبطالها منتخبون    مؤتمر "بيجيدي".. غياب شخصيات وازنة وسط حضور "طيف بنكيران"    جريمة قتل جديدة في ابن أحمد    طنجة تحتضن النسخة الحادية عشرة من الدوري الدولي "مولاي الحسن" بمشاركة أندية مغربية وإسبانية    الشيبي يسهم في تأهل بيراميدز    أخنوش يصل إلى روما لتمثيل جلالة الملك في مراسم جنازة البابا فرانسوا    هيئة: وقفات بعدد من المدن المغربية تضامنا مع غزة وتنديدا بالإبادة الجماعية    مرسوم حكومي جديد يُحوّل "منطقة التصدير الحرة طنجة تيك" إلى "منطقة التسريع الصناعي" ويوسّع نطاقها الجغرافي    وليد الركراكي: نهجنا التواصل وعرض مشاريعنا على اللاعبين مزدوجي الجنسية... نحترم قراراتهم    المفتش العام للقوات المسلحة الملكية يقوم بزيارة عمل إلى إثيوبيا    أخنوش يصل إلى روما لتمثيل جلالة الملك في مراسم جنازة البابا فرانسوا    بسبب التحكيم.. توتر جديد بين ريال مدريد ورابطة الليغا قبل نهائي كأس الملك    نشرة إنذارية: زخات رعدية مصحوبة بتساقط للبرد وبهبات رياح مرتقبة الجمعة بعدد من مناطق المملكة    قطار التعاون ينطلق بسرعة فائقة بين الرباط وباريس: ماكرون يحتفي بثمرة الشراكة مع المغرب    الأخضر ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    العالم والخبير في علم المناعة منصف السلاوي يقدم بالرباط سيرته الذاتية "الأفق المفتوح.. مسار حياة"    تقرير يكشف عن نقص في دعم متضرري زلزال الحوز: 16% لم يحصلوا على المساعدة    عناصر بجبهة البوليساريو يسلمون أنفسهم طواعية للجيش المغربي    بودريقة يمثل أمام قاضي التحقيق .. وهذه لائحة التهم    إسكوبار الصحراء.. الناصري يلتمس من المحكمة مواجهته بالفنانة لطيفة رأفت    متدخلون: الفن والإبداع آخر حصن أمام انهيار الإنسانية في زمن الذكاء الاصطناعي والحروب    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    افتتاح مركز لتدريب القوات الخاصة بجماعة القصر الصغير بتعاون مغربي أمريكي    إحصاء الخدمة العسكرية ينطلق وأبناء الجالية مدعوون للتسجيل    مذكرة السبت والأحد 26/27 أبريل    ضابط شرطة يطلق رصاصا تحذيريا لإيقاف مروج مخدرات حرض كلابا شرسة ضد عناصر الأمن بجرادة    مهرجان "كوميديا بلانكا" يعود في نسخته الثانية بالدار البيضاء    "أمنستي" تدين تصاعد القمع بالجزائر    أرباح اتصالات المغرب تتراجع 5.9% خلال الربع الأول من 2025    أبرزها "كلاسيكو" بين الجيش والوداد.. العصبة تكشف عن برنامج الجولة 28    طنجة.. ندوة تنزيل تصاميم التهيئة تدعو لتقوية دور الجماعات وتقدم 15 توصية لتجاوز التعثرات    على حمار أعْرَج يزُفّون ثقافتنا في هودج !    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يناقش "الحق في المدينة" وتحولات العمران    الإعلان عن صفقة ب 11.3 مليار لتأهيل مطار الناظور- العروي    السايح مدرب منتخب "الفوتسال" للسيدات: "هدفنا هو التتويج بلقب "الكان" وأكدنا بأننا جاهزين لجميع السيناريوهات"    كاتبة الدولة الدريوش تؤكد من أبيدجان إلتزام المملكة المغربية الراسخ بدعم التعاون الإفريقي في مجال الصيد البحري    توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة    الملك يقيم مأدبة عشاء على شرف المدعوين والمشاركين في الدورة ال 17 للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب    المديرة العامة لصندوق النقد الدولي: المغرب نموذج للثقة الدولية والاستقرار الاقتصادي    "الإيسيسكو" تقدم الدبلوماسية الحضارية كمفهوم جديد في معرض الكتاب    أكاديمية المملكة المغربية تسلّم شارات أربعة أعضاء جدد دوليّين    الرباط …توقيع ديوان مدن الأحلام للشاعر بوشعيب خلدون بالمعرض الدولي النشر والكتاب    كردية أشجع من دول عربية 3من3    دراسة: النوم المبكر يعزز القدرات العقلية والإدراكية للمراهقين    إصابة الحوامل بفقر الدم قد ترفع خطر إصابة الأجنة بأمراض القلب    الحل في الفاكهة الصفراء.. دراسة توصي بالموز لمواجهة ارتفاع الضغط    المغرب يعزز منظومته الصحية للحفاظ على معدلات تغطية تلقيحية عالية    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إدغار موران: هل يسير العالم إلى الهاوية؟
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 16 - 08 - 2010

هل تسير حضارتنا رأساً صوب الهاوية؟ ذلك هو السؤال الذي أدار عليه إدغار موران، عالم الاجتماع والفيلسوف الفرنسي، وأحد كبار المفكرين وأكثرهم أصالة في زمننا الحاضر، كتابَه الجديد، الذي نقدم له ههنا ترجمة عربية. إنه كتاب يجمل فكر صاحبه، من رحلة طويلة في مقاربة الواقع العالمي المتغير وسؤال الفكر الملاحق لتغيراته. والمؤلف يستعرض في هذا الكتاب أوجه الأزمة التي تتخبط فيها الحضارة الحديثة، ويتوقف بإسهاب عند الإصلاح الذي يقترحه للعالم ولنظم التفكير. ويقلب النظر في ظواهر بعينها، كالعولمة، وظهور «المجتمع العالم»، ويتمعن في الجواب الذي يمكن أن تقدمه «سياسة حضارية» في سياق ما بعد أحداث 11 شتنبر. ليخلص إلى نتيجة أنه لاسبيل لحضارتنا إلى الخروج من أنفاقها المسدودة بغير التحول.
وكما قلت مراراً، فإن العمليات المحركة للحيوية الكوكبية : العلم ، التقنية ، الاقتصاد ، الربح، هي عمليات تعارضية، فلقد خلقت الأسوأ والأفضل مجتمعين، ولا تزال تخلق الأسوأ، وتترك لنا أن نتكهن بإمكانية تحقق الأفضل.
ومن ذلك أن الفيزياء تواصل تجويدها لأسلحة الدمار النووي، لكن الانصهار النووي، الذي سيشكل تقدماً طاقياً رئيسياً، أمر بات متوقع الحدوث خلال نصف القرن (القابل). إن الليزر يقتل ويشفي. والتقانيات المتناهية الصغر تبشر وتنفر. وستسير العلوم الحياوية في تطور، بأن تصير نظامية، وستصير تضم الحياوة الجزيئية في مركب من الاقتصاد الذاتي والتنظيم. وإن اكتشاف الخلايا الجذعية في الأجهزة الكبيرة سيفتح السبيل التي للمرء أن يبلغ الشيخوخة وهو لا يزال في ريق الشباب، وستبعد الموت (من غير أن تستطيع القضاء عليه). وتمثل التدخل في الحياة، بموازاة لنتائج علاجية سعيدة، خطراً للتدخل في البشر، من شأنه أن يخلق كليانية جديدة.
وتتسم أشكال التقدم التقني كذلك بتصاد عميق. فتطور المركب الحوسبة/الخبر/التواصل، التي شاعت تسميتها بالإعلاميات، يتيح تواصلاً متبادلاً للحساسيات، والمطامح، والمعارف، عبر الأنترنيت، مثلما تتيح أشكالاً من الاحتيال واللصوصية الاقتصادية. وهي تتيح مراقبة كل فرد في حياته الخاصة بواسطة التيلي ساتيليت، وهي أمور تضاف إلى التدخلات الحياوية، لتتيح لكليانية من نوع جديد سلطة حقيقية كانت تحلم بها الكليانيات القديمة، التي تبدو اليوم في غاية السذاجة. ولسوف يتطور الذكاء الآلي، بموازاة لتطور أداءاتها. وكما أن التقنية الآلاتية قد حررت بني البشر من أسوإ المهام الطاقية، فإن التقنية الجديدة يمكنها أن تحرر من المهام الثقافية الثانوية أو المكلفة...
وأياً ما يكن فإن البشرية، مقرونةً بتطور الآلات، ستشكل مع هذه الآلات، وكما أعلن ذلك أرنولد غيهلين، جهازاً هائلاً، إناسياً، حياوياً، تقنياً، إلكترونياً، إعلامياً، آلياً... وسيكون ذلك هو المكون الذي لا يدور في الحسبان لمجتمع عالم، لا يزال، هو نفسه، لا يدور في الحسبان.
وأما التنمية، ومكون النمو فيها، فلقد صارا يجتمعان في صورة ضدية فريدة من نوعها. فالتنمية التي هي الوجه الآخر للعولمة الاقتصادية تخلو، مثلما تخلو هذه العولمة، من تقنين. إن التنمية نتاج ومنتج للمسلسل المتأبي عن النراقبة العلم-التقنية-الاقتصاد-الربح، يحمل شتى أنواع المنافع والمثالب، ويقودنا نحو االهاوية. وأصبحت السوق عالمية بعد تفكك اقتصاد الدولة، البيروقراطي، المسمى اشتراكياً. فحيث توجد المنافسة الشديدة لما يسمى اشتراكية ترتفع الدعوة المسعورة إلى رأسمالية قد أطلق لها العنان، وهي لا تزال لم تجد لها منافساً جديداً يقننها.
لقد مكن التقدم العلمي من إنتاج السلاح النووي، ويؤدي اليوم إلى انتشاره، وانتشار أسلحة أخرى للقتل الجماعي، كيماوية وبيزلوجية. ونجم عن التقدم التعقني والصناعي سلسلة من الانحطاط في البيئة المحيطة. وخلقت عولمة السوق الاقتصادية، المتأبية عن أي تقنين خارجي أو تقنين ذاتي حقيقي جزراً صغيرة للثراء، كما خلقت وتخلق أزمات متتالية ومتلاحقة. وهي تسير في اتساع تحت السديم، والتطورات العلمية والتقنية، والتطورات الحاصلة في الصناعة وفي الاقتصاد والتقنية والاقتصاد، هذه التطورات التي باتت، اليوم، تغرق المركب الفضائي (المسمى) أرضاً.
ويمكننا أن نتساءل هل حملت العولمة الاقتصادية من الرخاء والازدهار أكثر مما حملت من البؤس، أم أنها جاءت من البؤس أكثر مما جاءت من الرخاء والازدهار. فأما المؤشرات الكمية الخالصة فلا يوثق بها إلا قليلاً (الدخل الفردي بالدولار)، ولا تؤخذ فيها في الحسبان بالمناطق التي لا تزال تقوم فيها اقتصاديات للكفاف تقوم على الزراعة المتعددة، وتربية الماشية داخل البيوت. وإن نظرة مغتبطة للعولمة ترى أن ثمة «تناقصاً هائلاً في الفقر» (ب. أ. ديلهوم) : 985 مليون من الأحياء يقل دخلهم (الفردي) عن دولار واحد في اليوم سنة 2004، ومليار و25 مليون في 1990... لكن المؤكد أن الجزر الصغيرة للرخاء التي تتكون في البلاد الغربية، توازيها مناطق للبؤس تتكون في مدن الصفيح من حول التجمعات السكانية في شتى أنحاء المعمور، ويحق لنا أن نتحدث عن ارتفاع مهول ل [معدل] الفقر. وينبغي أن نضيف إلى هذا الأمر ظهور أنواع أخرى من الشقاء البشري بسبب تفكك أشكال التكافل التفليدية، وتفشي الفساد، وكل أشكال الجريمة الناجمة عن الفاقة وعن تعاطي المخدرات، بموازاة لزوال أشكال من التعاسة البشرية. فقد باتت تحدث أشكال جديدة من الاحتقار لتخلف أشكالاً قديمة من الاحتقار.
لقد ظهر علم البيئة في صورة أشكال من التلوث والانحطاط المحلي والإقليمي، كما ظهر في صورة تهديد لكوكب الأرض. لقد نجم هذا التدهور عن التنمية. فالإنفاق على الطاقات الأحفورية وانبعاث الغازات وأشكال التلوث وارتفاع حرارة الأرض والتجمعات السكانية العظمية والفلاحة الإنتاجية (احثتات الأرض وتدني جودة الهواء وتلوث الماء في الفرشاة المائية والتلوث الناجم عن (استعمال) المبيدات الحشرية وعن الأسمدة وتقلص التنوع الحياوي وانقراض الآلاف من أنواع النباتات تشكل عمليات مترابطة. وصار الماء، ذلك الملك المشترك، إلى تناقص شديد، وبات يتهدده خطر متفاقم، وصار يتحول إلى تجارة، ويزداد تبديده، وبات مصدراً لاستغلالات جديدة، ومثاراً لمنازعات جديدة، وربما كان سبباً في نشوب حروب في المستقبل.
إن الديمغرافية البشرية، التي لطالما رأى البعض في نموها الدليلي الظاهر أخطر مشكلة تواجه كوكب الأرض، لأنها تتسبب في الاكتظاظ السكاني والمجاعات والحروب. والواقع أننا لا نزال نرى نسبة مواليد عالية في الصين وفي أفريقيا (حيث يتوقع أن يصل تعداد السكان إلى 10 ملايير نسمة في العام 2050)، لكننا نرى كذلك نقصاً في الولادات في أوروبا وفي روسيا. بيد أن السياسات الرامية إلى إنقاص الولادات في الصين وفي الهند والوفيات الكثيرة من السيدا في إفريقيا وارتفاع معدلات الحياة في البلاد الغربية وفي مختلف بقاع المعمور تخفف من التوقعات الكارثية. وأما من جهة أخرى فإن تدفقات المهاجرين من إفريقيا صوب أوروبا وآسيا وأمريكا الشمالية في سبيلها إلى أن تصير تشكل تنظيمات ديمغرافية. فلا يكمن الخطر في الاجتياحات الحربية، بل المشكلة تكمن في قبول الأمم الغنية بمهاجرين يأتونها بأيد عاملة لتشتغل بالمهن المهجورة، كما تمدها بمساهمة عرقية جديدة. ولنا على ما نقول مثال في كثير من بلدان أمريكيا الجنوبية، وبمعنى من المعاني في فرنسا. على أن إدماج المهاجرين لا يأتي بحل ديمغرافي لنقص الولادات، بل ويحدث كذلك اختلاطات ثقافية وعرقية صارت مكونات لتطور العهد الكوكبي، بما هو عهد لتجاوز الأعراق المغلقة. لكن في الوضعيات التي تكون فيها الأزمات سبباً وراء نشوء قوميات حادة، وحيث تتضاعف أشكال الانغلاق الثقافي والديني، تصبح أشكال الهجرة المقننة للديمغرافية سبباً في أشكال من الخلل السياسي.
وكما قلت مراراً، فإن العمليات المحركة للحيوية الكوكبية : العلم ، التقنية ، الاقتصاد ، الربح، هي عمليات تعارضية، فلقد خلقت الأسوأ والأفضل مجتمعين، ولا تزال تخلق الأسوأ، وتترك لنا أن نتكهن بإمكانية تحقق الأفضل.
ومن ذلك أن الفيزياء تواصل تجويدها لأسلحة الدمار النووي، لكن الانصهار النووي، الذي سيشكل تقدماً طاقياً رئيسياً، أمر بات متوقع الحدوث خلال نصف القرن (القابل). إن الليزر يقتل ويشفي. والتقانيات المتناهية الصغر تبشر وتنفر. وستسير العلوم الحياوية في تطور، بأن تصير نظامية، وستصير تضم الحياوة الجزيئية في مركب من الاقتصاد الذاتي والتنظيم. وإن اكتشاف الخلايا الجذعية في الأجهزة الكبيرة سيفتح السبيل التي للمرء أن يبلغ الشيخوخة وهو لا يزال في ريق الشباب، وستبعد الموت (من غير أن تستطيع القضاء عليه). وتمثل التدخل في الحياة، بموازاة لنتائج علاجية سعيدة، خطراً للتدخل في البشر، من شأنه أن يخلق كليانية جديدة.
وتتسم أشكال التقدم التقني كذلك بتصاد عميق. فتطور المركب الحوسبة/الخبر/التواصل، التي شاعت تسميتها بالإعلاميات، يتيح تواصلاً متبادلاً للحساسيات، والمطامح، والمعارف، عبر الأنترنيت، مثلما تتيح أشكالاً من الاحتيال واللصوصية الاقتصادية. وهي تتيح مراقبة كل فرد في حياته الخاصة بواسطة التيلي ساتيليت، وهي أمور تضاف إلى التدخلات الحياوية، لتتيح لكليانية من نوع جديد سلطة حقيقية كانت تحلم بها الكليانيات القديمة، التي تبدو اليوم في غاية السذاجة. ولسوف يتطور الذكاء الآلي، بموازاة لتطور أداءاتها. وكما أن التقنية الآلاتية قد حررت بني البشر من أسوإ المهام الطاقية، فإن التقنية الجديدة يمكنها أن تحرر من المهام الثقافية الثانوية أو المكلفة...
وأياً ما يكن فإن البشرية، مقرونةً بتطور الآلات، ستشكل مع هذه الآلات، وكما أعلن ذلك أرنولد غيهلين، جهازاً هائلاً، إناسياً، حياوياً، تقنياً، إلكترونياً، إعلامياً، آلياً... وسيكون ذلك هو المكون الذي لا يدور في الحسبان لمجتمع عالم، لا يزال، هو نفسه، لا يدور في الحسبان.
وأما التنمية، ومكون النمو فيها، فلقد صارا يجتمعان في صورة ضدية فريدة من نوعها. فالتنمية التي هي الوجه الآخر للعولمة الاقتصادية تخلو، مثلما تخلو هذه العولمة، من تقنين. إن التنمية نتاج ومنتج للمسلسل المتأبي عن النراقبة العلم-التقنية-الاقتصاد-الربح، يحمل شتى أنواع المنافع والمثالب، ويقودنا نحو االهاوية. وأصبحت السوق عالمية بعد تفكك اقتصاد الدولة، البيروقراطي، المسمى اشتراكياً. فحيث توجد المنافسة الشديدة لما يسمى اشتراكية ترتفع الدعوة المسعورة إلى رأسمالية قد أطلق لها العنان، وهي لا تزال لم تجد لها منافساً جديداً يقننها.
لقد مكن التقدم العلمي من إنتاج السلاح النووي، ويؤدي اليوم إلى انتشاره، وانتشار أسلحة أخرى للقتل الجماعي، كيماوية وبيزلوجية. ونجم عن التقدم التعقني والصناعي سلسلة من الانحطاط في البيئة المحيطة. وخلقت عولمة السوق الاقتصادية، المتأبية عن أي تقنين خارجي أو تقنين ذاتي حقيقي جزراً صغيرة للثراء، كما خلقت وتخلق أزمات متتالية ومتلاحقة. وهي تسير في اتساع تحت السديم، والتطورات العلمية والتقنية، والتطورات الحاصلة في الصناعة وفي الاقتصاد والتقنية والاقتصاد، هذه التطورات التي باتت، اليوم، تغرق المركب الفضائي (المسمى) أرضاً.
ويمكننا أن نتساءل هل حملت العولمة الاقتصادية من الرخاء والازدهار أكثر مما حملت من البؤس، أم أنها جاءت من البؤس أكثر مما جاءت من الرخاء والازدهار. فأما المؤشرات الكمية الخالصة فلا يوثق بها إلا قليلاً (الدخل الفردي بالدولار)، ولا تؤخذ فيها في الحسبان بالمناطق التي لا تزال تقوم فيها اقتصاديات للكفاف تقوم على الزراعة المتعددة، وتربية الماشية داخل البيوت. وإن نظرة مغتبطة للعولمة ترى أن ثمة «تناقصاً هائلاً في الفقر» (ب. أ. ديلهوم) : 985 مليون من الأحياء يقل دخلهم (الفردي) عن دولار واحد في اليوم سنة 2004، ومليار و25 مليون في 1990... لكن المؤكد أن الجزر الصغيرة للرخاء التي تتكون في البلاد الغربية، توازيها مناطق للبؤس تتكون في مدن الصفيح من حول التجمعات السكانية في شتى أنحاء المعمور، ويحق لنا أن نتحدث عن ارتفاع مهول ل [معدل] الفقر. وينبغي أن نضيف إلى هذا الأمر ظهور أنواع أخرى من الشقاء البشري بسبب تفكك أشكال التكافل التفليدية، وتفشي الفساد، وكل أشكال الجريمة الناجمة عن الفاقة وعن تعاطي المخدرات، بموازاة لزوال أشكال من التعاسة البشرية. فقد باتت تحدث أشكال جديدة من الاحتقار لتخلف أشكالاً قديمة من الاحتقار.
لقد ظهر علم البيئة في صورة أشكال من التلوث والانحطاط المحلي والإقليمي، كما ظهر في صورة تهديد لكوكب الأرض. لقد نجم هذا التدهور عن التنمية. فالإنفاق على الطاقات الأحفورية وانبعاث الغازات وأشكال التلوث وارتفاع حرارة الأرض والتجمعات السكانية العظمية والفلاحة الإنتاجية (احثتات الأرض وتدني جودة الهواء وتلوث الماء في الفرشاة المائية والتلوث الناجم عن (استعمال) المبيدات الحشرية وعن الأسمدة وتقلص التنوع الحياوي وانقراض الآلاف من أنواع النباتات تشكل عمليات مترابطة. وصار الماء، ذلك الملك المشترك، إلى تناقص شديد، وبات يتهدده خطر متفاقم، وصار يتحول إلى تجارة، ويزداد تبديده، وبات مصدراً لاستغلالات جديدة، ومثاراً لمنازعات جديدة، وربما كان سبباً في نشوب حروب في المستقبل.
إن الديمغرافية البشرية، التي لطالما رأى البعض في نموها الدليلي الظاهر أخطر مشكلة تواجه كوكب الأرض، لأنها تتسبب في الاكتظاظ السكاني والمجاعات والحروب. والواقع أننا لا نزال نرى نسبة مواليد عالية في الصين وفي أفريقيا (حيث يتوقع أن يصل تعداد السكان إلى 10 ملايير نسمة في العام 2050)، لكننا نرى كذلك نقصاً في الولادات في أوروبا وفي روسيا. بيد أن السياسات الرامية إلى إنقاص الولادات في الصين وفي الهند والوفيات الكثيرة من السيدا في إفريقيا وارتفاع معدلات الحياة في البلاد الغربية وفي مختلف بقاع المعمور تخفف من التوقعات الكارثية. وأما من جهة أخرى فإن تدفقات المهاجرين من إفريقيا صوب أوروبا وآسيا وأمريكا الشمالية في سبيلها إلى أن تصير تشكل تنظيمات ديمغرافية. فلا يكمن الخطر في الاجتياحات الحربية، بل المشكلة تكمن في قبول الأمم الغنية بمهاجرين يأتونها بأيد عاملة لتشتغل بالمهن المهجورة، كما تمدها بمساهمة عرقية جديدة. ولنا على ما نقول مثال في كثير من بلدان أمريكيا الجنوبية، وبمعنى من المعاني في فرنسا. على أن إدماج المهاجرين لا يأتي بحل ديمغرافي لنقص الولادات، بل ويحدث كذلك اختلاطات ثقافية وعرقية صارت مكونات لتطور العهد الكوكبي، بما هو عهد لتجاوز الأعراق المغلقة. لكن في الوضعيات التي تكون فيها الأزمات سبباً وراء نشوء قوميات حادة، وحيث تتضاعف أشكال الانغلاق الثقافي والديني، تصبح أشكال الهجرة المقننة للديمغرافية سبباً في أشكال من الخلل السياسي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.