ما هي مصادر تمويل الجماعة؟ كيف يتم تحصيل تبرعات المنخرطين؟ هل الأتباع في الخارج أكثر سخاء من إخوانهم في الداخل؟ ما هي المشاريع التي تدر أرباحا (مباشرة أو غير مباشرة) على ياسين وأصحابه؟ «كنال بريس» تلقي بعض الضوء على موضوع يلفه الكثير من الغموض - ماذا كان يقصد فتح الله أرسلان، الناطق الرسمي باسم جماعة العدل والإحسان، حين رد على سؤال صحافي حول مصادر تمويل الجماعة بما يلي: «لا يمكنني أن أكشف عن ذلك، فنحن مضطهدون ونعمل في سرية، ومن غير المعقول أن أقول إننا نأتي بمواردنا المالية من هنا أو من هناك»؟ لم يكن جواب الناطق الرسمي لأكبر جماعة سياسية بالمغرب إلا دليلا على أن سؤالا من هذا القبيل يعتبر في حكم المحظور، مادام أن الجماعة تعيش وضعا استثنائيا مقارنة مع التنظيمات السياسية أو الدينية الأخرى. فقادتها ما زالوا حتى اللحظة يعتبرون أنهم يشتغلون داخل جماعة، وليس داخل حزب حتى يسري عليهم ما يسري على الآخرين. من جهة أخرى، فالعدل والإحسان، منذ ظهورها، وضعت لنفسها خطوطا تجعلها خارج الأرقام السخية التي تمنحها الدولة للأحزاب السياسية. وهي تبعا لذلك تعتبر نفسها غير ملزمة بالجواب عن سؤال «من أين لك هذا؟» بين الويدان كممول؟ حين ألقي القبض على محمد الخزار، الملقب بالشريف بين الويدان، ردد الكثيرون أن سبب سقوطه بين يدي العدالة يرجع بالأساس إلى الزيارة التي قام بها، يوم 23 غشت من هذه السنة، للمرشد العام لجماعة العدل والإحسان الشيخ عبد السلام ياسين، بالفيلا التي كان يكتريها هذا الأخير بمنطقة القصر الصغير. المصادر التي أوردت الخبر أضافت أن الشريف بين الويدان، قبل أن يغادر الفيلا، التي يكتريها الشيخ، ترك بين يدي المرشد العام سيولة مالية تقدر ب 600 ألف درهم. بعد مرور يومين فقط عن هذه الحادثة، ستعتقل فرقة أمنية من الرباط الشريف بين الويدان، لترد علينا بعد ذلك أخبار مفادها أن محمد الخزار تعرض لتعذيب جسدي فظيع بغية انتزاع أقواله. التعذيب الذي مورس على بين الويدان، حسب مصادر أمنية، كان أكبر من أن يكون مرتبطا بممارسته لتجارة المخدرات فقط. مصادر كشفت أن رجال الأمن كانوا يمعنون في تعذيب «الشريف» بغرض الحصول على إجابات لأسئلة حول حقيقة علاقته بعبد السلام ياسين، أو بمعنى أصح عن علاقة تاجر مخدرات بزعيم أكبر جماعة إسلامية محظورة بالمغرب. يقول محمد ضريف، الذي يعرف الجماعة عن قرب، «لنفترض أن بين الويدان التقى فعلا الشيخ ياسين ومنح الجماعة مبلغا من المال. فالمعروف أن بين الويدان كان يملك شعبية كبيرة بمنطقة الشمال، نظرا لأعمال الخير التي كان يقوم بها لفائدة السكان. وما كان يقوم به بين الويدان يلتقي إلى حد كبير مع ما تقوم به الجماعة. والكثير هناك لم يكن يعرف حقيقة مصدر أموال بين الويدان، لدرجة أنه لقب بالشريف. ولنفترض أنه فعلا اتصل بالجماعة، فلا أعتقد أنها سترفض ذلك. ولحد الساعة لم يقل أحد أن بين الويدان كان قياديا بجماعة العدل والإحسان أو أنه كان يقدم مساهمات بشكل منتظم». أما سعيد لكحل، الأستاذ المختص في الجماعة، فيعتبر أن أصحاب ياسين في حالة حرب مع الدولة، وأن منطق الحرب يفرض استعمال كل الأسلحة لحسم الصراع، بما فيها التعامل مع تجار المخدرات. عن ذلك، يرد محمد ضريف قائلا إن التهم الموجهة إلى الإسلاميين بالتعاون مع تجار المخدرات ليست جديدة، بل هي حرب مفتوحة تستعمل لضرب الجماعة منذ ظهورها. شكوك الأجهزة ليس إلا التحركات الأخيرة لزعيم الجماعة وإصراره، منذ خمس سنوات، على قضاء فترة تدوم أسابيع بمناطق نائية، مثل الفنيدق والقصر الصغير، وهي مناطق معروفة باحتضانها لأنشطة تجار المخدرات، أصبحت تغذي الاتهامات الموجهة لجماعته. إذ لم يخف أكثر من مصدر من داخل الأجهزة أن سبب اعتقال الشريف بين الويدان، منذ شيوع لقائه مع زعيم العدل والإحسان، يعود إلى رغبة الدولة في سد كل المسالك والقنوات التي يمكن أن تلجأ إليها الجماعة لتنمية مداخلها المالية، خوفا من أن تستثمر هذه الأموال في مزيد من كسب تأييد شعبي للجماعة )الجماعة تستثمر أموالا طائلة في مشاريع اجتماعية(. من جانب آخر، قالت مصادر أمنية إنها لا تتوفر لحد الآن على أي معلومة تفيد بوجود تعاون منظم بين الشريف بين الويدان وقيادة العدل والإحسان. غير أن المصادر ذاتها لم تنف وجود اتصالات بين قواعد هذه الجماعة وتجار المخدرات على سبيل تقديم الدعم والمعونة في مناسبات دينية )عيد الأضحى، الزكاة، عاشوراء...(. وقد يصل هذا التعاون، تقول المصادر دائما، إلى استغلال ممتلكات هؤلاء، كما حدث في الفيلا التي أقام بها عبد السلام ياسين خلال شهر غشت الماضي. من جانب آخر، لم ينف مصدر أن العلاقة بين تجار المخدرات والجماعات الإسلامية، بشكل عام، تستمد وجودها من رغبة تجار المخدرات في تبييض ماضيهم واستبعاد أي شبهة عنهم حين يتم ربطهم بجماعة إسلامية. «غير أن بعض هؤلاء لا يحسنون الاختيار ويضيفون إلى تهم الاتجار بالمخدرات تهمة أخرى وهي تمويل جماعات إسلامية غير مرخص لها فيسقطون بذلك في المحظور دون علم منهم»، يقول مصدرنا دائما، المنخرطون في رأسمال الجماعة أهم مصادر تمويل جماعة العدل والإحسان، حسب متتبعي الملف، تأتي بالأساس من مساهمات أعضائها والمنخرطين. وتخضع هذه الانخراطات لضوابط ومقاييس تتحكم فيها بالضرورة الوضعية المادية التي يوجد عليها العضو المنخرط. وواجبات الانخراط المادي ليست بالضرورة إلزامية بالنسبة للمنخرطين، حيث تتعاطى الجماعة مع هذا الأمر بنوع من المرونة، حيث إن بعض الأعضاء يخصون الجماعة بنسبة 10 بالمائة من راتبهم الشهري، وقد تصل أريحيتهم إلى 50 بالمائة في بعض الحالات. كما أن الرابط الروحي والعقائدي، الذي يجمع بين أتباع الجماعة والشيخ ياسين، يجعل من المساهمة المادية نوعا من الجهاد في سبيل الله. وتتوزع هذه المساهمات حسب القطاعات المشكلة لعصب الجماعة )النسائي، الطلبة...(. حتى التلاميذ يؤدون عشرة دراهم في الشهر. وتعتبر مسألة المساهمة المالية لفائدة الجماعة أحد مظاهر إعلان الوفاء للشيخ والجماعة. حتى أن أنصار «العدل» تقول مصادرنا، يبدون نوعا من التنافسية فيما بينهم حين يتعلق الأمر بمساهمة مادية تتعلق بمصلحة للجماعة. في أحد مجالس النصيحة، التي دأبت جماعة العدل والإحسان على عقدها لأتباعها، كان عبد السلام ياسين الزعيم الروحي للجماعة يلقي دروسه في حضرة عدد من نساء الجماعة، وهو في غمرة ذلك قامت إحدى النسوة وأزالت أساور ذهبية من يديها ووضعتها بين أقدام الشيخ. لم تكن هذه الحادثة إلا ترجمة واقعية لما عليه الحال داخل جماعة يدين أتباعها بالولاء الروحي لشخص عبد السلام ياسين. الملتحقون الجدد بصفوف الجماعة يتلقون أول الدروس في نكران الذات، وضرورة الجهاد بالنفس والمال في سبيل الدعوة. وهو ما يصطلح عليه داخل قاموس الجماعة ب«البذل». حيث يعتبر البذل، الذي أفرد له الشيخ ياسين حيزا مهما في مؤلفه «المنهاج النبوي»، شرطا من شروط قبول عضوية الأفراد الجدد داخل تنظيم الجماعة. ولعل ذلك، ما يبرر الإقبال الكبير لأنصار الجماعة بشدة للمساهمة ماديا إيمانا منهم أن المال أهم ركيزة لضمان استمرار جماعتهم ولأن القرآن ينص على ذلك بكون الجهاد بالمال أرفع شأنا من الجهاد بالنفس. لعملية جمع أموال أعضاء ومنخرطي العدل والإحسان طريقة هرمية، يفصلها أحد أتباع الجماعة على الشكل التالي: يتم تحصيل الانخراطات عند مسؤول «الأسرة»، التي تضم من 6 إلى 10 أفراد، وما تم تجميعه يوضع عند رئيس الشعبة، الذي يكون مسؤولا عن عدد محدد من الأسر، ومن بعد تصل إلى مسؤول مجلس الجهة، ثم مجلس الإرشاد والدائرة السياسية حتى المرشد العام. ولعل ما يستنير به أنصار الجماعة بخصوص هذا الموضوع يعود إلى ما كتبه شيخ الجماعة في مؤلفه الإيديولوجي «المنهاج النبوي»، الذي يعتبره أنصار الجماعة دليلهم المرجعي لرسم التوجهات العامة والخاصة، التي تحكم مصادر تمويل الجماعة، والتي لخصها عبد السلام ياسين في ثلاثة مبادئ، وهي: التشديد على مبدإ الاستقلالية التي يؤكد الشيخ عليها بشكل كبير، الأمر الذي يفسره البعض بضمان استقلال مادي للجماعة خارج أي دعم مالي عمومي. ثم المساهمة المالية لكل عضو في صندوق الجماعة، والحث على الاجتهاد في هذا الباب من أجل خلق مصادر جديدة للتمويل. إضافة إلى تأطير المساهمة المالية للأعضاء بهالة من التقديس، أصبحت بموجبها توازي الجهاد والواجب الديني. قس على ذلك، فخاصية الانضباط التي يتميز بها أنصار العدل والإحسان تضع الجماعة أمام دخل مادي قار، ووضع مالي مريح، يسهل وفقه وضع مخططات واستراتيجيات المرحلة المقبلة لأنشطة الجماعة. الالتزام المالي بين العضو المنخرط وبين الهيئة السياسية أو النقابية التي ينتمي إليها تشكل عرفا في تقاليد وأبجديات الالتحاق أو الانخراط في أي من التنظيمات المشار إليها سلفا. غير أن الفارق بين هؤلاء وأنصار الجماعة هو أن المساهمة المالية التي يمنحها أتباع العدل والاحسان تصنف في باب الجهاد في سبيل الله، وليست واجبا نضاليا والتزاما حزبيا، كما هو الشأن بالنسبة للآخرين. وهي المساهمات التي يصل نصيب منها إلى مركز الجماعة. الكاش بدل الحسابات البنكية وجود سيولة مالية مهمة لدى جماعة العدل والإحسان، يفرض وجود حسابات بنكية تحفظ فيها هذه الأموال، تكون القناة «القانونية» لتصريفها. الحالة هنا لا تنطبق على العدل والإحسان، يقول مصدر مطلع، وأكثر من هذا، الجماعة لا تتوفر على حسابات بنكية باسمها أو باسم قياديها الكبار، إلا في حالات قليلة، تقول مصادرنا. عبد السلام ياسين يتوفر بدوره على حساب بنكي، غير أنه أقل ما يمكن أن يوصف بأنه متواضع جدا، بالنظر لمكانة الرجل ومستوى العيش الذي يعيش فيه. من جانب آخر، فإن أغلب المعلومات التي توفرت لدينا لا تدع مجالا للشك بأن الجماعة لا تتوفر على حسابات بنكية باسمها. وهي بهذا الإجراء تدفع عن نفسها مغبة مصادرة أو حجز أموالها من جهة، ومعرفة مصدر هذه الأموال من جهة ثانية. مصادرنا أكدت أن الجماعة عادة ما تعمل على تجميع الأموال في منازل قيادييها، وهنا وردت معلومة أمنية، استعصى علينا التحقق من صدقيتها، تفيد أنه خلال تفتيش منزل محمد العبادي عضو الدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان، عثر رجال الأمن على حوالي 800 مليون سنتيم بمنزله الموجود بوجدة، قبل أن تشمعه السلطات وتطرد عائلته إلى الشارع. كما لم تخف مصادرنا أن الجماعة تلجأ إلى وسائل أخرى لحماية ما تحصل لديها من أموال عن طريق وضع جزء منها لدى أشخاص «تقاة»، يكونون مصدر ثقة للجماعة، وغير معروفين لدى الأجهزة الأمنية، وبعيدين عن أي شبهة، من شأنها أن تثير انتباه رجال الأمن نحوهم. مصادرنا لمحت أيضا إلى أن الجماعة تستثمر جزءا من الأموال التي لديها في شراء عقارات باسم أشخاص يدينون بالولاء لها وغير قريبين من دائرة الضوء. وهو وضع اختارته الجماعة لنفسها منذ أن فرض الحصار عليها من طرف السلطات المغربية. أما من الناحية القانونية، فمنذ أن وضعت الجماعة قانونها الأساسي لدى السلطات، بغية الحصول على وصل الإيداع، أشارت إلى أن ماليتها ستكون معهودة لأمين المال، وفق اللائحة التي قدمت للسلطات. بيزنس الجماعة حسب التقديرات تتبع العدل والإحسان نظاما جهويا في تمويل أنشطتها، وجلب السيولة المالية الكافية لتغطية أنشطتها. وكل جهة تكون مطالبة بتغطيتها ومصاريفها التي يغلب عليها الطابع الاجتماعي والإحساني، دون إغفالها للجانب الاقتصادي. غير أن أهم ما يميز جماعة العدل والإحسان، عن باقي التنظيمات الأخرى، هو حرصها على خلق فرص شغل لأتباعها، وتوفير لهم كل السبل الضامنة لنجاح مشاريعهم. وتتوزع هذه الأنشطة، التي لا يستفيد منها إلا أتباع الجماعة، بين محلات ذات طابع تجاري كالمخادع الهاتفية ونوادي الأنترنيت، وخلق مقاولات صغرى مختصة بالمجال الإلكتروني والهواتف النقالة والحواسيب الإلكترونية، من جهة، وإقامة روض أطفال ومدارس ابتدائية، من جهة أخرى. وهي في هذه الحالة، أي الجماعة، تضرب عصفورين بحجر واحد. الأول اقتصادي عبر خلق فرص شغل لأتباعها، وآخر تعبوي عن طريق تلقين مبادئ الجماعة للأطفال. الحديث عن مشاريع من هذا الحجم يفترض إيجاد تمويل لها. مصادر مطلعة أكدت لنا أن جزءا من تمويل هذه المشاريع يتم استخلاصه مما يتحصل لدى أعضائها بكل جهة من خلال خلق لجن محلية، تكون وظيفتها جمع تبرعات المحسنين وكبار التجار وتحصيل الأموال، خاصة في المناسبات الدينية كعيد الفطر والزكاة وعاشوراء وعيد الأضحى. وهي العملية التي تدر أرباحا مالية مهمة لفائدة صندوق الجماعة، حيث قدرت مصالح أمنية مجموع ما تم تحصيله من هذه العملية خلال سنة 2000، في محور الدارالبيضاء والقنيطرة والرباط، حوالي 500 مليون سنتيم. أنصار الجماعة بالخارج، الخزان الذي لا ينضب قد لا يبدو هذا المبلغ ذا أي قيمة تذكر بالمقارنة مع ما تتحصل عليه الجماعة من أتباعها بالخارج. فمنذ بزوغ نجم العدل والإحسان في الساحة السياسية، ظلت مسألة حصول الجماعة على تمويل من خارج المغرب، مجرد معلومة لا تستند إلى أي دلائل ملموسة. وكان أعداء الجماعة يشيرون، أكثر من غيرهم، إلى حصول الجماعة على دعم مالي من الخارج يبرر«حالة الترف» التي أضحت عليها الجماعة. غير أنها لحد الساعة، لم تستطع أجهزة الدولة الحصول على معلومة واحدة، تؤكد تعامل جماعة العدل والإحسان مع دولة أجنبية أو تنظيم بالخارج يوفر لها سيولة مالية تدبر بها حالها. والكلام هنا لأحد المصادر الأمنية، الذي فضل عدم الكشف عن هويته. «التحقق من هذا الأمر يتطلب من الدولة الشيء الكثير، وهو يعني إيجاد مبرر ملموس تستند عليه الدولة في حربها على العدل والإحسان. غير أن ذلك لا يمنع من القول إن هناك سيولة مهمة من المال تصل إلى الجماعة من مناطق متفرقة من العالم، يتكفل بجمعها أنصار العدل والإحسان. وفي هذه الحالة، يصعب توجيه التهمة إلى الجماعة كونها تتلقى دعما من الخارج مادام أن الأمر يتعلق بأنصارها فقط»، تقول المصادر دائما. وتعد إسبانيا، التي تحتضن أكبر عدد من أنصار الجماعة، أهم مصدر من الخارج لتمويل الجماعة. مصادر مطلعة أكدت للصحيفة أن محمد العبادي، عضو الدائرة السياسية للحركة، ألقى مؤخرا درسا بأحد مساجد مورسيا، حيث التقى بأحد كبار ممولي الجماعة ويدعى امبارك دموش، الذي يشغل منصب رئيس الفيدرالية الإسلامية لمنطقة مورسيا. وهو الشخص الذي تكلفه الجماعة بجمع التبرعات لحسابها من سكان المنطقة، التي تضم أكبر عدد من أنصار الجماعة، حيث قدرتها مصادر أمنية بما يفوق الخمسين ألف منخرط. قبل مدة قصيرة، بعثرت وقفة دعا إليها أنصار جماعة العدل والإحسان، بأحد ساحات مدريد، للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين الإسلاميين التابعين للجماعة، بعثرت أوراق المخابرات المغربية ونظيرتها الإسبانية، ليس لقوة الشعارات التي اهتزت لها البنايات القريبة من الساحة التي احتضنت الوقفة، بل لكثرة أنصار الجماعة الذين حجوا لمكان الوقفة. مصادر أمنية أكدت أن مداخيل جماعة العدل والإحسان بلغت ذروتها خلال السنة الأخيرة. وفسرت مصادرنا سبب زيادة هذا النشاط المالي بالحدث الذي ظلت الجماعة تروج له والمتعلق بقومة 2006 «التي ستشهد هلاك المخزن ونهاية مؤسسة الملكية في المغرب وإقامة بدلها إمارة الخلافة على منهج النبوة»، بحسب ما كانت تسوقه جماعة العدل والإحسان. وتحقيق هدف من هذا الحجم، تطلب تعبئة شاملة من القواعد، التي وظفت كل إمكانياتها التعبوية والموارد المالية التي تتوفر عليها الجماعة. وشكل أتباع الجماعة بالخارج القاعدة الخلفية، التي استندت عليها الجماعة لتحقيق هذا الغرض، عن طريق إقامة عدد من الأنشطة في الخارج، من قبيل إقامة السهرات، التي أحيا بعضها نجم العدل والإحسان رشيد غلام في عدد من الدول الأوربية، كان آخرها بدار الأوبرا المصرية. الجماعة تستثمر أيضا في تنظيم معارض لبيع كتبها، «حيث تملك الجماعة دورا للنشر في أمريكا وهولندا وإنجلترا باسمها، إضافة إلى سيطرة عناصر تابعة للعدل والإحسان على عدد من المساجد بدول الخارج، خاصة إيطاليا وإسبانيا وبلجيكا وفرنسا»، تقول المصادر. الطريق الذي يسلكه أتباع الجماعة في إيصال مساعداتهم إلى المركز يتم عبر وسيلتين. الأولى عن طريق إرسال حوالات بريدية بمبالغ مالية، لا تثير انتباه أجهزة الأمن نحوها، تصل بأسماء أنصار الجماعة، على أن يتم تجميعها في المغرب وإيداعها لدى المركز. أو عن طريق تسليمها بشكل عيني لأحد قياديي الجماعة بشكل شخصي. عن مصاريف الجماعة، ما خفي كان أعظم الحديث عن وجود مبالغ مالية ضخمة لدى جماعة العدل والإحسان، يفرض الحديث أيضا عن أوجه صرف كل هذه الأموال التي تتحصل عليها الجماعة. مصادر من داخل الجماعة أكدت أن حصة الأسد من الميزانية تلتهمها المصاريف المتعلقة بتمويل المشاريع الصغرى لأنصارها، بالإضافة إلى مصاريف أخرى تتحدد في تمويل صندوق الحج، وهو صندوق يتكفل بتغطية مصاريف الحجاج. والجماعة، في هذه الحالة، لا تقتصر في تقديم دعمها المالي لأتباع الجماعة فقط، بل إن لائحة المستفيدين تشمل أشخاصا عاديين لا علاقة لهم بالجماعة، وهي إحدى الطرق التي تعتمد لاستقطاب عناصر جديدة إلى صفوفها. جزء مهم من ميزانية العدل والإحسان يخصص لتغطية مصاريف زيجات أتباع الجماعة، وصندوق تمويل الزواج لا يستفيد منه إلا أنصار العدل والإحسان. تضاف إلى ذلك مصاريف طارئة، وهي دائما تكون ذات بعد اجتماعي، من قبيل تزويد المرضى بالأدوية أو مساعدة العائلات الفقيرة على تجاوز بعض الأزمات الاقتصادية، كتوفير مقررات وكتب الموسم الدراسي لفائدة العائلات المعوزة، وهي المصاريف التي تتدبر أمرها الجهات والمناطق دون أن تستنزف مالية المركز. حرص الجماعة على استثمار أموالها في الجوانب الاجتماعية، كثيرا ما جر عليها غضب السلطات المغربية. وإن كانت بعض ردود فعل رجال السلطة لم تتعد كتابة تقارير تفصيلية بما يحدث وإرسالها إلى الإدارة المركزية. غير أن السلطات الأمنية دخلت في مواجهة مباشرة مع أتباع الجماعة كما حدث في مدينة تمارة السنة الماضية، حيث دأب أنصار العدل والإحسان على توزيع أضحيات العيد على عدد من سكان المنطقة. غير أن العدد الكبير من الأكباش الذي استطاع أتباع الجماعة توفيره )أكثر من مائة خروف( دفع بباشا تمارة إلى استنفار موظفي البلدية لمنع إتمام هذه العملية. ردة فعل باشا تمارة لا تعدو أن تكون اختصارا لموقف يتوحد لدى السلطات المغربية، التي أصبحت تعي أكثر من أي وقت مضى تنامي ظاهرة «العمل الخيري» الذي تقدم عليه جماعة العدل والإحسان. قلق السلطات لا يقف في حدود الإمكانيات المالية الهائلة التي ترصدها الجماعة لمثل هذه الأنشطة، بل يمتد لما تتركه من تأثير لدى عامة الناس، لكون مثل هذه الأعمال الخيرية تشكل نقطة استقطاب رئيسية لجماعة العدلوالإحسان من أجل تقوية صفوفها لحسن عواد