قدم مؤخرا المخرج حسن الدحاني اخر انتاجاته الفيلمية الشريط القصير " هي " من فكرة الفنان التشكيلى عبدو الحيمر وبطولة الممثلة نفيسة بن شهيدة والممثل الفنان التشكيلى الهانى التهامى . يحكى ملخص الفيلم قصة لبيب فنان تشكيلى عادة ما يرسم النساء مند إختفاء زوجته التى كان يحبها كثيرا ،فقد كل مواهب الرسم وصار يعيش وحيدا داخل ورشته منعزلا فى الغابة ولا يقوم إلا بتكرار رسم نفس الشىء ،إمرأة قبيحة الشكل ،يرفض قبول الواقع كما هو فيخترع عالما أخرلنفسه. 1 - العنوان والملصق إشارة لخيانة أنثى. لعل المخرج كان بليغا فى توصيل مبتغى خطابه الفيلمي من خلال عنوان مشيرا إليها "هي" ومن تكون "هي" سوى إمرأة زوجة فنان تشكيلى مرهف الأحاسيس يحب زوجته حبا أعمى إذن "هي" ليست صاحبة فضل بل نقمة فى وجه فنان عاشق بصفتها أنثى خائنة ،وقد يؤكد هذا جليا الملصق حين نرى وجه البطل وعيناه بنظرة عميقة متحسرة شغوفة لوذها .أما هي فى المقابل تحاصره بنظرة بعيدة عنه غارقة فى تفكير عميق كأنما تقول له لست لك لتبقى خلفية هذا التقابل مؤثتة بكوخ معزول وسط غابة كثيفة إذ جعل منه ملاذه البديل كمرسم يفجر فيه ‘اكراهات وحرقة خيانة أنثى. 2 - البطل والفضاء بلاغة تشكيل سينمائى منذ بداية الفيلم وإلى نهايته كأنك أمام لوحة تشكيلية شاملة. قدمت برؤية فيلمية وإبداع سينمائى ،إذ تحيلنا جميع اللقطات لما تحتويه من إنسجام بين أهم وحداتها والبطل فيها بقدر ما يحكى يتذكر هكذا يلتحم وجه الطبيعة كفضاء شاسع ،غابة كثيفة الأشجار ،كوخ معزول ملىء بعلامات الفن التشكيلى من لوحات وأدوات صباغة ،بحيرة مياه،طيور مختلفة الأشكال . ان إختيار الفضاءالطبيعى برمته ليس إعتباطا أومن باب إتخاذه ديكور تسييجيا وإنما من دافع جمالى فكري يتماشى وأبجديات الإبداع الفيلمى لذى المخرج لا سيما وأنه ولوع بحب الطبيعة. وقد جاء هذا الإختيار لتعميق بلاغة الصورة السينمائية فى تحقيق المقصد وتقديمها لعين المتلقي كلوحة تشكيلية متكاملة العلامات إذا ما أضفنا كذلك التغيير الكبير الذى طرأ على محيا البطل إذ صار بلحية وشعر كثيف فى خلوته بمرسمه كأنه هو الأخر لوحة تشكيلية فى مجمل هيأته، وما ذاك القبر الذى وضعه فى الخلاء يتوهمه لزوجته ووقع شاهده ب "هي" يمكن إعتباره لوحة أخرى وسط هذا التشكيل السينمائي ، إلا حد ما فقد أفلح المخرج حسن الدحاني بخلق ترابط مثين بين كل َتفاصيل عمله الفيلمي حيث حضور الفضاء الطبيعي ببعده الجمالى أضاف من التميز الشىء الإيجابي للعمل معتمدا كذلك علامات تقنية وفنية ذات هوية تشكيلية أدت إلى صناعة سينمائية عميقة الطرح أبرزها : توظيف اللون والضوء مما أطفى على الصورة أو التصوير عامة جودة عالية فى الإتقان بإدارة الرومانية " أنكوثا لوردشيسى" وما يزيد فى حبكة صناعة فيلمية متميزة لدى المخرج حسن الدحاني المونتاج المثقن ولاسيما أن الفيلم يعتمد الكثير من فلاش باك كإستحضار لماضى البطل وقوة المونتاج كون المخرج خريج أحد المعاهد السينمائية بالولايات المتحدةالأمريكية تخصص مونتاج الرقمى ،لقد صاغ إدارة فيلمية محكمة فى ظرف زمن وجيز أظهر من خلالها حالة نفسية خفية يعيشها البطل إتجاه خيانة زوجته وهو الفنان بإحساس مرهف إذ غابت الحبكة الدرامية المتسلسلة الأحداث كالمتعارف عليه ليبقى سيناريو الفيلم قوي بجانبه النفسي للشخصية فى غياب تلك العقدة التى ينتظر حلها مع نهاية الفيلم . بذلك يؤسس الفيلم القصير "هي" تجربة مغايرة لما سبق من تجاربه الفيلمية القصيرة . بحضور متعة بصرية أخاذة من ثم يكون حسن الدحانى قد خطى خطوات مثمرة فى مساره الفنى . إذ تحكم فى إشتغاله السينمائى بإبداعية إحترافية جد متفوقة حيث يمكنه دخول غمار تجربة الفيلم الطويل مدركا القبض على أدوات العمل الفيلمي بإتقان ولعل ما يزيد من إدراكه عدم سرعته فى العمل معتبرا أن الشريط القصير" عميق على مستوى التفكير والتحليل وليس بالطويل المختزل ولكنه تركيز على مستوى الأفكار والأحداث والمشاهد". بمعنى سينما قائمة الذات بكل مكوناتها هذا ما جعل شريط "هي" يأخذ وقته فى صناعة سينمائية تشفي غليل البصر . بقلم مصطفى ضريف خاص ب: ''الفوانيس السينمائية'' نرجو التفضل بذكر المصدر والكاتب عند الاستفادة