بعد أن أعلن مجلس شورى حركة النهضة الإسلامية عن ترشيح عبد الفتاح مورو للانتخابات الرئاسية المرتقبة في أكتوبر المقبل بدأت ملامح واحتمالات نهاية التوافق التونسي تلوح في الأفق. ويبدو من هذا الإعلان أن الحركة تسعى إلى تحقيق المزيد من المكاسب السياسية في الفترة التي تسبق الانتخابات مع ترك الباب مفتوحا أمام الهيمنة والتحكم في المشهد السياسي بعد أكثر من خمس سنوات من الاندماج في اللعبة السياسية عقب الإطاحة بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي . وبالنسبة للكثير من المراقبين في تونس فإن أكبر المخاوف المترتبة عن هذا الترشيح هو تغير الوجه التاريخي والسياسي لتونس التي لطالما احتفظت بتميزها العلماني في منطقة شمال إفريقيا والعالم العربي. لقد أسست تونس عبر تاريخ طويل لنظام سياسي علماني وضع قواعده الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة الذي كان حريصا على نشر الأفكار التقدمية بعد الحسم في مصير النظام الملكي وترسيخ نظام جمهوري بمرجعية لائكية. ويعتبر المجتمع التونسي منذ عقود من أكثر المجتمعات العربية انفتاحا وتسامحا فيما يخص العلاقة مع المكون الديني والهوياتي. ورغم أن البلاد اجتازت في السنوات الأخيرة الكثير من محطات ولحظات الأحداث العنيفة والإرهابية المتطرفة إلا أنها استطاعت أن تنجو من تفاقمها وتحولها إلى اقتتال وحرب أهلية مثلما حدث في ليبيا المجاورة أو في سوريا واليمن. ويعزو بعض الباحثين هذا الاستثناء الذي مثلته التجربة التونسية في سياق تجارب الربيع العربي إلى هذه التقاليد العلمانية والتقدمية التي تركت أثرا كبيرا وعميقا في ثقافة المجتمع واختياراته. ومن هنا يأتي القلق من الطموحات الرئاسية لحركة النهضة التونسية. فكثير من هؤلاء الباحثين يطرحون تساؤلات حول مدى استعداد الحركة في حال فوزها في الانتخابات الرئاسية للحفاظ على الإرث التقدمي الذي بصم تاريخ تونس الحديث. ويسود القلق أكثر في أوساط الحركات النسوية والمجتمع المدني والأوساط الفكرية والثقافية. فالحركات النسوية تبحث عن ضمانات قوية لعدم تراجع حركة النهضة عن بعض المكتسبات التي تميزت بها المرأة التونسية في المنطقة ومنها تلك الحقوق التي عارضتها الحركة في البرلمان خلال السنوات القليلة الماضية. وتتمتع المرأة التونسية بوضع اجتماعي متقدم مقارنة بنظيراتها في بلدان الجوار. كما تتخوف الاوساط المثقفة من التوجه المحتمل نحو التضييق على الحريات في الإبداع والفكر. وتعتبر النخبة التونسية مرجعا عربيا في تحقيق الكثير من الاختراقات الثقافية خصوصا في مجال الفلسفة والأدب. وكان ثلة من المثقفين التونسيين بينهم شعراء وكتاب وباحثون وأكاديميون وأطباء وفنانون قد أصدروا في العام الناضي بيانا بعد أربع سنوات من حكومة الائتلاف بمشاركة حركة النهضة وعبروا فيه عن غضبهم مما أسموه "الممارسات الفاشية الزاحفة" و"المدمرة"، ومن "التهاب الأسعار"، ومن "انتفاء الطبقة الوسطى"، ومن "الأحزاب التي لا تعمل من أجل مصلحة الوطن" بل من أجل "مصالحها الخاصة"، ومن "علامات انهيار الدولة ومؤسساتها"، ومن مظاهر أخرى باتت تسم الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والأخلاقية مشيعة اليأس والقنوط بين التونسيين بجميع فئاتهم ومراتبهم.