"فوضى الجمهوريين المتطرفين في مجلس النواب تدفعنا نحو إغلاق حكومي"، بهذه العبارة وصف البيت الأبيض في آخر بيان له الوضع السياسي للولايات المتحدة، التي تسابق عقارب الزمن من أجل تجنب تعطيل دواليب الإدارة، في وقت يؤكد فيه الجمهوريون على ضرورة خفض الإنفاق. العد العكسي لشبح الإغلاق الحكومي انطلق، لاسيما بعد أن حذرت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني من أن تخلف الحكومة الأمريكية عن سداد الديون "سيؤثر سلبا" على التصنيف السيادي للبلاد. "موديز" تعد آخر الوكالات الثلاث الكبرى التي تحافظ على مثل هذا التصنيف للولايات المتحدة في "AAA"، في إشارة إلى أن السندات الحكومية الأمريكية تعد من بين أكثر الاستثمارات أمانا في العالم. مع بداية السنة المالية الفدرالية، في مطلع أكتوبر 2023، ينتهي التمويل الحكومي الأمريكي. وفي حال إخفاق الكونغرس في التوصل إلى اتفاق بين الديمقراطيين والجمهوريين بشأن ميزانية جديدة، فإن الإغلاق يبدأ على الساعة 12:01 صباحا. في حالة الإغلاق الحكومي، قد يتم تعليق الوظائف الفدرالية التي تعتبر غير ضرورية، مما يؤثر أساسا على البرامج الصحية والضمان الاجتماعي والرعاية الطبية، والقروض الممنوحة للشركات الصغيرة. كما يهدد الإغلاق الحكومي الموارد المالية المخصصة للعاملين في المتنزهات الوطنية والمتاحف وغيرها من المواقع التي تتطلب تمويلا فدراليا أربعة ملايين موظف حكومي أمريكي، يترقبون توقف الرواتب والإعانات الاجتماعية، حتى إشعار آخر، مع متم شتنبر الجاري. وبعد أربعة أشهر على تفادي الولاياتالمتحدة لتخلف كارثي عن سداد الديون، تواجه البلاد اليوم، مجددا، أزمة سياسية تؤثر على دواليب الاقتصاد الأمريكي. وبتفاقم هوة الخلاف بين الجمهوريين والديمقراطيين بشأن الإنفاق الحكومي، يتعذر على الكونغرس الأمريكي تمرير ميزانية فدرالية تضمن استمرارية تمويل المؤسسات الفدرالية، بعد منتصف ليل السبت-الأحد المقبل. إذ يطالب الجمهوريون، لاسيما الجناح المتطرف، بتقليص كبير لحجم الإنفاق الحكومي، فيما يصر الديمقراطيون على الاحتفاظ بمستوى الإنفاق الذي تم الاتفاق عليه بين الرئيس بايدن ورئيس مجلس النواب، الجمهوري كيفن مكارثي. في حال الفشل في تمرير الميزانية، ي طلب من الموظفين الحكوميين "غير الضروريين" البقاء في المنزل، ولا يتلقون رواتبهم إلا بعد انتهاء الإغلاق والعودة إلى العمل. ورغم أن الولاياتالمتحدة شهدت عددا من حالات الإغلاق الحكومي في السابق، على غرار الذي فرضه الرئيس السابق دونالد ترامب في 2018 لمدة 35 يوما، غير أن الوضع السياسي الراهن يتفاقم بالنظر للخلافات العميقة التي تقسم الكونغرس الأمريكي. تحذر إدارة بايدن من أن الإغلاق الحكومي يهدد بانقطاع التمويل عن سبعة ملايين شخص يعتمدون على برنامج المساعدات الغذائية للنساء والأطفال في جميع أنحاء البلاد. نقطة خلافية أخرى، تتمثل في إدراج المساعدات التي تقدمها حكومة واشنطن لدعم القدرات القتالية لكييف، في ميزانية الدفاع الأمريكية، والتي تواجه معارضة شديد من بعض الجمهوريين. فقد صرح منسق الاتصالات الاستراتيجية بمجلس الأمن القومي الأمريكي، جون كيربي، لقناة "سي إن إن" الإخبارية، بأن الولاياتالمتحدة تتوفر على الأموال الكافية لتقديم المساعدات العسكرية لأوكرانيا خلال الأسابيع المقبلة، مقرا في الوقت نفسه بأن إغلاق الحكومة المحتمل يهدد استمرار تقديم المزيد من المساعدات. ودعا المسؤول الأمني المشرعين الأمريكيين إلى الموافقة على تخصيص مبلغ إضافي قدره 24 مليار دولار لكييف في أقرب الآجال. في استطلاع حديث للرأي عبر الأنترنت، أجرته "شراكة الخدمة العامة" في صفوف 1000 مواطن أمريكي (6 إلى 12 شتنبر الجاري)، صرح أزيد من نصف الأمريكيين الراشدين بأن إغلاق الحكومة الفدرالية سيؤثر عليهم شخصيا، ويؤكد 68 في المائة منهم أن التهديد بالإغلاق يقلل من ثقتهم في الحكومة. هذا الوضع السياسي المحتقن، يزيد من تعقيد مهمة الرئيس الديمقراطي، جو بايدن، على بعد سنة ونيف على الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، التي يسعى لكسبها برسم ولاية رئاسية جديدة. المصدر: الدار– وم ع