يبدو أن أكبر وأهم المستجدات التي جاء بها التصريح الحكومي الذي قدمه رئيس الحكومة عزيز أخنوش هو تحويل برنامج الحزب الفائز في الانتخابات إلى التزامات وإجراءات وأرقام واضحة وصريحة. لأول مرة يصبح التصريح الحكومي أو البرنامج الحكومي نابعا بشكل فعلي مما أفرزته صناديق الاقتراع ومن برامج الأحزاب المشكلة للأغلبية. مليون منصب شغل وتعميم الرعاية الصحية والمساعدة الاجتماعية والرقي بالمنظومة التربوية، وغيرها من عشرات الالتزامات التي أعلن عنها التصريح الحكومي تأخذ أهميتها من كونها تصورا سياسيا وحزبيا سيمثل أرضية حقيقة لمساءلة الحكومة الحالية وتقييم إدارتها للسنوات الخمس المقبلة. هناك هندسة مضبوطة تجعل من هذا التصريح الحكومي تجربة مميزة في العمل الحكومي، فلأول مرة أيضا تضع الحكومة أهدافا استراتيجية مقلصة وطموحة اختزلتها في ثلاثة أهداف: تدعيم ركائز الدولة الاجتماعية، تحفيز الاقتصاد الوطني لفائدة التشغيل وتكريس الحكامة الجيدة في التدبير العمومي. الحديث عن أهداف ومحاور استراتيجية يعتبر في حد ذاته تطورا كبيرا في العمل الحكومي الذي سيراهن بعد انطلاق أشغالها على نتائج على المدى المتوسط والبعيد. تعزيز مكانة الطبقة الوسطى على سبيل المثال لا يمكن أن يتحقق بين عشية وضحاها بإجراء أو إجرائين، بل يحتاج إلى مقاربة ممتدة في الزمن، والأمر نفسه ينطبق على إصلاح المنظومة التربوية والرقي بها لتدخل قائمة أفضل 60 منظومة تربوية في العالم. لكن الاستمرارية واضحة أيضا في معالم هذا التصريح الحكومي الذي اعتمد بالأساس على تنزيل مقتضيات تقرير النموذج التنموي الجديد. لن تكون هناك قطيعة في تعميق وتطوير الأوراش المفتوحة في مجالات عديدة كالصناعة والاستثمار والبنيات التحتية. فالبرامج التي تم الإعلان عنها طموحة للغاية، وتهدف إلى إحداث تحولات جذرية ومهيكلة في بنيات المجتمع الاقتصادية والاجتماعية. رفع نسبة مشاركة النساء ونشاطهن إلى 30 في المائة بدلا من 20 في المائة الحالية، واحد من هذه الأرقام والأهداف الطموحة التي سيكون لها تأثير كبير على بنية الاقتصاد الوطني. هذا البرنامج الحكومي إذن ليس مجرد وعود وأهداف فضفاضة بقدر ما هو مشروع نهضوي حقيقي للخروج من وضعية الجمود التي عرفتها العديد من القطاعات في السنوات الأخيرة. وإضافة إلى الاستمرارية والطموح، لم يخل التصريح الحكومي من خاصية الشمولية التي تعتبر بارزة في تعدد المحاور والأهداف. فأن يشمل التصريح الحكومي المسألة الثقافية بالالتزام بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وإحداث صندوق خاص لذلك، فهذا يحيل على أن العمل الحكومي المرتقب لن يكون فقط تهافتا من أجل الاستجابة للمطالب الفئوية والاجتماعية المادية، بقدر ما هو رؤية أوسع لمغرب الألفية الثالثة تدمج البعد الثقافي والحضاري. ويعد هذا الالتزام الثقافي إلى جانب الالتزام بتعزيز دور المرأة وإنصاف الشباب بعضا من المحاور التي تظهر شمولية هذا التصريح الحكومي وقدرته على تمثيل جل الفئات الاجتماعية وتغطية أكبر قدر ممكن من الانتظارات والتوقعات. التصريح الحكومي إذن تعاقد اجتماعي واقتصادي وثقافي واضح وصريح، وسيتيح للمراقبين من المختصين أو غيرهم تتبع عمل الحكومة الحالية، والوقوف عند منجزاتها وعثراتها، كما أنه يسمح للمعارضة سواء البرلمانية أو الإعلامية خصوصا في شبكات التواصل الاجتماعي، بملاحظة أداء الحكومة وتقييمه أولا بأول. ولا شك أن المائة يوم الأولى من عمل حكومة عزيز أخنوش ستمثل أول اختبار لهذه الملاحظة التي ستكون الأوسع والأكثر كثافة، بعد أن خلقت وعود البرامج الانتخابية غير المسبوقة انتظارات وتطلعات واسعة لدى المواطنين من الناخبين أو غير المشاركين في اقتراع 8 شتنبر.