من بين الألوان، أختار أصفر فان غوغ: حصائده تذكرني بشمس، قرب نافذتي، بالمستشفى تقيء. من بين الأزهار، أختار شقائق النعمان: في البرية، تتراءى كأنها أفواه مبسوطة. من بين الجهات، أختار اليسار: في يوم القيامة، و في يوم الاقتراع. من بين النساء، أختار الأربعينية: في طينها أصب مائي، لنصنع جرة من حمم. من بين الألسن، أختار الإسباني: كلماته تتكسر على لساني، مثلما تتكسر أمواج على شاطئ. من بين الأرقام، أختار الأربعة: أربع جهات، أربعة فصول، أربع نساء، أربعة جدران مطبقة. من بين الفاكهة، أختار العنب: حباته في فمي، حلمات أكرزها بأسناني حتى تصيح دما ولذة. من بين الحروف، أختار الألف: تحته أجلس، كلما تربصت برأسي شمس حارقة. من بين الموت، أختار الهندوسي: لعل من رمادي تنهض زهيرات صباح جديد. من بين السوائل، أختار الماء: في حوضه أصيد أخطائي، ثم أغسلها واحدا تلو واحد. من بين المضايق، أختار جرحا بضفتين: فيه أغمد عقب سيجارة، ثم أهمد. من بين الملوك، أختار امرأ القيس: استفاق من خمر على أمر، فقضى ضليلا، قتيلا. من بين الحجر، أختار الرخام: بارد كالصمت، و تمسحه نظرات عيون مريبة. من بين الخلق، أختار الشتام: الحياة مثل تلميذ كسول، في حاجة لمن يوبخها ويشتمها، في بداية كل درس جديد. من بين الأسماء، أختار يزيد: يزيد في القدر، يزيد في العمر، لكن يزيد في الثمن. من بين الأيام، أختار رأس السنة: على أنخاب البيرة، نستقبل الأعاصير والأوبئة، قوارب الموت و الحروب الأهلية. من بين الشعراء، أختار ابن العبد: فقط، لأن قرار موته مضى بيديه. من بين الطيور، أختار الدوري: قريب من أعيننا، قريب من أيدينا، قريب من حصواتنا. من بين المبتكرات، أختار المحمول: فيه صورة حبيبتي، فيه صوت حبيبتي، ها يهتف بي: حالا، تعال. من بين الأصدقاء، أختار الكذوب:على الأقل، لأبحث عمن أصدق. من بين الفصول، أختار الشتاء: مطره يصخب فوق صفيح بيتي، مثلما تصخب ملاعق جوعى في وجه صحون. من بين الأوقات، اختار الغروب: وإن في غروب العمر لا يبدو جمال شفق. من بين الأشجار، أختار التوت: فتية، كنا نلوذ بها، نأكل منها، و عند الحاجة نتبول عليها. من بين الكواكب، أختار بلوتون: لألا وجه حبيبتي، في مرآته، يظهر كالقمر. من بين الكلام، أختار الشعر: كلما اتسعت الرؤيا، ضاقت العبارة. من بين الحكام، أختار بوش: ثلاثة آلاف مليار دولار مقابل رأس، بقيمة تبن وغبار. من بين الأنبياء، أختار آدم: خطيئته قريبا من الله، تمحو خطيئتي قريبا من الشيطان. من بين العلماء، أختار كاليلي: لأجل أن يكون للأرض شكل برتقالة، ولو بطعم مر، يجازف بالموت. من بين الحيوان، أختار الحمار: ليس نكاية بالحزب الجمهوري، طبعا. من بين الإخوة، أختار غير الشقيق: رب أخ لم تلده لك أم. من بين الشعوب، أختار الصيني: عيون ضيقة، لكن في غير حاجة إلى نظارات لتسع العالم أجمع. من بين الكلمات: أختار الله: في وجه طفلة، يتنزل دمعة وضيئة، تخشى أن تبددها بأطراف أنامل. من بين الحروب، أختار البدائية: بالقطع، ليحس المتحاربان كم ينفذ السيف عميقا في القلب. من بين النساء، أختار زوجتي: بالدعوات علي ترشقني، وبالطلبات مني تشيعني. من بين الرياضات، أختار القنص: عسى يوما أقنص فيه لحظة، رافعا أصبعي بشارة نصر في وجهي. من بين المهن، أختار المعلم: يقرص أذن هذا، يلطم وجه ذلك، يأخذ بخناق ذاك.. و بالنتيجة، لا ينتقم للتلميذ الذي يسكنه. من بين الدنيا، أختار قرية: في القرية بيت، في البيت صورة، في الصورة وجه جد تتفلت منه نظرات حادة في كل اتجاه. من بين السور، أختار الشعراء: بالطبع، بلا شعراء في كل واد يهيمون، ويقولون ما لا يفعلون. من بين الصحابة، أختار عليا: لو لم يرض بخلافة، عنوانها دم. من بين الفلاسفة، أختار ماركس: شارب الشيوعية الأشيب الطويل، قصته البرويستريكا، لئلا يظهر نافرا عند تناول وجبة هامبرغر. ======================== عبد الدين حمروش- المحمدية