تشهد اوروبا انعداما للاستقرار جراء تقدم النزعات الشعبوية والحكومات غير المستقرة واجواء البلادة في المشهد السياسي وتقلبات اسواق المال، لكن عودة التوتر مع الحليف التاريخي الاميركي قد يدفع بالقارة العجوز الى التعاضد، بحسب محللين. وهذا الاسبوع اعلن وزير الخارجية الالماني السابق يوشكا فيشر في برلين ان "اوروبا توحي لي بشخص يقف على حافة الهاوية وحتى ابعد من ذلك. لم تعد قدماه ثابتين على الارض". من قلبها الايطالي الى حدودها المجرية، تتعرض اوروبا المعاهدات والتكامل للمشاكل، اما بسبب الازمات السياسية التي تطيح بالحكومات او تجعلها ضعيفة او بسبب الناخبين الذين يختارون قادة مصممين على رفض الافكار التقليدية. ناهيك عن اسواق المال التي تراقب بقلق كبير كل تطور جديد وتداعياته المحتملة خصوصا في ايطاليا البلد المؤسس لليورو والمثقل بالديون. في اسبانيا، سقطت الحكومة المحافظة بزعامة ماريانو راخوي الجمعة بعد ان تخلى عنها شريك اساسي. في بريطانيا بالكاد تصمد حكومة تيريزا ماي التي تعد لبريكست بفضل تحالف ما تماما كما في المانيا التي تقودها المستشارة انغيلا ميركل. في دول عدة يختار الناخبون حكومات شعبوية مناهضة للمؤسسات او ينددون بالليبرالية السياسية والاقتصادية التي تحدد التوجهات في اوروبا : ايطاليا والمجر وتشيكيا والنمسا ... وكتب المؤرخ البريطاني تيموثي غارتون آش هذا الاسبوع في صحيفة "الغارديان" ساخرا ان "ايطاليا مصابة بانهيار عصبي واسبانيا تواجه مشاكل داخلية وبريطانيا على وشك الخروج من الاتحاد والمانيا قابعة دون حراك. تتحدثون عن اسرة لا تعمل بشكل سليم". من جهتها قالت ايمانويل رونغوت الاستاذة المحاضرة في العلوم السياسية في جامعة مونبولييه (جنوبفرنسا) "يواجه الاتحاد الاوروبي ازمة تاريخية في عملية البناء". ان كانت الازمة اليونانية القت بظلالها وهددت بتشتت مالي اوروبي، باتت المشكلة اليوم سياسية بحتة مع نخب غير مستقرة نتيجة الاستياء المتنامي للشعوب الاوروبية التي باتت مخدرة ومشلولة. وقال سيباستيان مايار من معهد جاك دولور "مع هذا المشهد القاتم لم ينطلق المحرك الفرنسي-الالماني". واضاف "ليس هناك دينامية ولا شراكة ظاهرة" بين ايمانويل ماكرون الذي يظهر طموحات كبرى وميركل التي تبدأ ولايتها الرابعة مع غالبية ائتلافية وتتردد لاتخاذ خطوات لتكامل اوروبي اكبر اذا كان ذلك على حساب اموال المانية. وقالت باسكال جوانين المديرة العامة لمؤسسة روبرت شومان "ميركل باتت ضعيفة وماكرون بات وحيدا" لاعطاء دفع لمشروعه. ووصول الى السلطة في روما ائتلاف بين حزب من اليمين القومي وآخر مناهض للمؤسسات، قد يزيد خطط الرئيس الفرنسي تعقيدا ويحرمه من حليف محتمل في المفاوضات الاوروبية. ويرى جون سبرينغفورد من مركز "يوروبيان ريفورم" ان "ايطاليا المسمار الاخير في نعش اصلاحات ماكرون". اما مايار فيرى ان الائتلاف الايطالي المنقسم اصلا لا يشكل عائقا امام السياسة الاوروبية. واضاف "مخاطر الوضع في ايطاليا هي المقاعد الشاغرة اكثر من الطاولات المقلوبة" في اشارة الى الاطاحة براخوي. لكن هناك في المقلب الآخر تحول لهذه النزعة الشعبوية قد يسمح لاوروبا بان تنطلق من جديد. فقد يساهم دونالد ترامب من خلال تغيير كل القواعد المطبقة ومن خلال اعلانه حربا تجارية على اوروبا، في انعاشها. وقالت جوانين "سينجح ترامب ربما في ما عجز عنه آخرون : توحيد الاوروبيين. ودانت ميركل "بقوة" الرسوم الجمركية التي فرضتها واشنطن. وقال مايار "هذا الامر يرغم على اللحمة وقد تكلل المحاولة بالنجاح اذا سارت الامور جيدا بين فرنساوالمانيا".
لكن حتى ان نجحت الحكومات في التعبئة ضد ترامب لن تكون قد عالجت جوهر المشكلة كما قالت رونغوت وهي "تفاقم عدم التناسق بين مطلب المواطنين والعرض السياسي". في ضوء هذا المنطق ستكون الانتخابات الاوروبية المقبلة في 2019 مهمة جدا.
"يرتسم في الافق وجهان لاوروبا، اوروبا ماكرون واوروبا فيكتور اوربان" الرئيس المجري رأس حربة هذه التيارات السياسية المعارضة للبناء الاوروبي كما نعرفه الى هذا اليوم.
وتعتبر رونغوت ان "الانتخابات الاوروبية ستكون مثيرة للاهتمام وستركز اكثر على القضايا الاوروبية (من المسائل الوطنية كما كان تقليديا حتى الان). وخلاص اوروبا يترجم تحديدا بمشاركة الشعب في هذه القضايا".