يمضي العالم اليوم بخطىً متسارعة نحو الثورة الصناعية الرابعة. وبينما يحدث ذلك، تسعى البلدان في أنحاء أفريقيا إلى وضع أجندات للإصلاح لضمان استعدادها بشكل كافٍ لتداعيات هذا التحوّل. وفي عام 2016، قدّمت المغرب خطتها الخاصة لإصلاح الاستثمار، والتي تهدف إلى ترسيخ مكانة المملكة كمركز استراتيجي في شمال أفريقيا من خلال بناء بيئة أعمال عالية الأداء لقطاع تكنولوجيا المعلومات. وقد حققت المغرب حتى اليوم إنجازات هامة في هذا المجال، واحتلت مؤخرًا المركز الأول في أفريقيا لقدراتها في مجالات العلوم والتكنولوجيا والابتكار. وفي عام 2016، استقطبت الشركات الناشئة العاملة في مجال التكنولوجيا ما يزيد عن 3.4 مليون دولار أمريكي على شكل تمويلات واستثمارات.
وعلى غرار بقية دول القارة السمراء، هناك عقبات يتعيّن على الشركات الناشئة في المغرب اجتيازها، مثل ضعف الاتصال بالإنترنت، وبطالة الشباب، وبيئة الأعمال المليئة بالتحديات.
وكان التصدي لهذه العقبات محطّ تركيز العديد من مؤسسات القطاعين العام والخاص، بما فيها مايكروسوفت. وفي عام 2013، أطلقت الشركة مبادرة 4Afrika من أجل تعزيز القدرة التنافسية العالمية للقارة الأفريقية. وقد شاركت مبادرة 4Afrika بنشاط في تحسين الوصول إلى الإنترنت بتكلفة معقولة، والاستثمار في الابتكار المحلي وتطوير المهارات الحديثة للعمل وريادة الأعمال، سواء في المغرب أو غيرها من دول إفريقيا.
وتتماشى رؤيتنا مع استراتيجية "المغرب الرقمي 2020"، الرامية إلى تحسين الاتصال وبرامج محو الأمية الرقمية. وهذا يعني بأننا سنعزز آفاق التعاون والعمل المشترك من أجل تحقيق هذا الهدف وتمكين أفراد المجتمع من تطوير وتطبيق أفكار جديدة تدعم جهود المملكة نحو التحول الرقمي.
تعزيز فرص توظيف الشباب
يعتبر توظيف الشباب الشغل الشاغل للجميع في المغرب، إذ يواجه واحد من كل خمسة خريجين من الشباب المغاربة صعوبات كبيرة للحصول على فرصة عمل. وخلال العام الماضي، حين عادت مايكروسوفت كشريك إقليمي لمسابقة "سيد ستارز العالمية"، لاحظنا بأن خمساً من أفضل عشرة شركات مغربية ناشئة مشاركة، كان لديها حلول لدعم الباحثين عن عمل ورواد الأعمال المحليين.
فموقع BestCarriere على سبيل المثال هو بوابة للتوظيف عبر الإنترنت، بينما يربط موقع "خدمتي" العاملين المستقلين من مختلف المهارات المتنوعة بالشركات. ويقدم موقع Manageo حلول البيع والدفع عبر الإنترنت للشركات الصغيرة، فيما يساعد موقع Creasouk الشركات الصغيرة على بناء ودمج مواقعها الخاصة للتجارة الإلكترونية.
وفي جميع أنحاء أفريقيا، يشكل الشباب نسبة 40% من السكان العاملين، مما يجعلهم أهم مواردنا. ولأنهم يتحلون بالطموح والابتكار وقابلية التكيف، إلى جانب اهتمامهم الكبير بالتقنيات الجديدة، فإن هؤلاء الشباب يملكون السمات اللازمة لتأمين مستقبل اقتصادي قوي لبلداننا. إنهم يمسكون مفاتيح التحول الرقمي، سواء من خلال جلب مهارات جديدة إلى المؤسسات الحالية التي تبحث عن التحديث، أو من خلال تغيير الصناعات التقليدية من خلال نماذج الأعمال الجديدة التي يقدمونها.
ومع ذلك، ومن أجل تحسين فرص توظيفهم، نحتاج أولًا إلى تمكين الشباب وتجهيزهم بالمهارات التجارية والتكنولوجية التي يبحث عنها أصحاب العمل اليوم. ونحن بحاجة لتصميم مناهج وبرامج تدريبية أكثر توافقًا مع فرص سوق العمل الحالية والمستقبلية، لضمان التوازن بين العرض والطلب على المهارات في القرن الحادي والعشرين.
كما تعتبر برامج التدريب وأكاديميات التعلم عبر الإنترنت من الوسائل الفعالة لتحقيق ذلك. فبرامج التدريب توفر للشباب فرصة الخوض في تجربة مباشرة في العالم المهني، وتتيح في الوقت نفسه لأصحاب العمل المزيد من الفرص للوصول إلى المواهب التي يحتاجونها لتسريع رحلتهم نحو التحول الرقمي. أما الفصول الدراسية الافتراضية، فيسهل الوصول إليها وهي تقدم مهارات رقمية عالية المستوى بطريقة رقمية.
وتم تصميم برامج المتدربين والأكاديمية الافتراضية ضمن مبادرة 4Afrika لتحقيق هذا الغرض. وقد أكمل أكثر من 400 خريج تدريباتهم مع 60 مؤسسة في جميع أنحاء القارة، وحصل 90% من هؤلاء الخريجين على عمل بدوام كامل بعد انتهاء التدريب. وإضافة لذلك، اكتسب أكثر من 775,000 شخص مهارات جديدة عن طريق الأكاديمية.
بناء منظومة تدعم الشركات الناشئة
يرى أكثر من نصف جيل الألفية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بأن توفر منظومة للشركات الناشئة، وريادة الأعمال، هما العاملان الأكثر أهمية لتوظيف الشباب، الذين يتوجهون بشكل متزايد نحو هذا المجال يومًا تلو الآخر. وفي عام 2015، كان عدد الشركات الناشئة الجديدة في المغرب أكبر بخمس مرات منه في عام 2012.
وإذا ما تأكدنا من توفر بيئة عملٍ مواتية، فسوف نكون قادرين على جذب اهتمام المزيد من الشباب. ويشمل ذلك وضع أطرٍ قانونية قوية، وتسهيل الحصول على التمويل والتكنولوجيا، وتقديم الحوافز الضريبية، وتقديم الإرشاد في مجال الأعمال التجارية وإقامة الشراكات التي توفر دعمًا شاملًا.
وقد تم بالفعل اتخاذ الخطوات اللازمة لذلك. فقد قامت الحكومة مؤخرًا بإطلاق "صندوق الاستثمار في الابتكار"، بهدف توفير التمويل والدعم اللازمين للمشاريع الصغيرة والمتوسطة والشركات الناشئة في مرحلة التمويل الأولي. ونحن في 4Afrika نتعاون مع العديد من الجهات والبرامج الداعمة لهذه المنظومة بهدف توفير خدمات الدعم التجاري والتقني. وفي عام 2017، تعاونت مايكروسوفت مع حاضنة الأعمال "تكنوبارك" لتزويد عدد من الشركات الناشئة المختارة بخدمات الدعم التقني والخدمات والبرمجيات السحابية مجانًا. ومن خلال برنامج تطوع الموظفين MySkills4Afrika، تلقت أكثر من 80 من المؤسسات الاجتماعية التي تقودها النساء وطلاب الجامعات الدعم اللازم لبناء وإطلاق استراتيجيات اجتماعية لتنمية أعمالها بصورة فعالة.
فرص الابتكار
وهناك طريقة أخرى لجذب الشباب لريادة الأعمال، تتمثل في توفير المزيد من الفرص لهم وتحسين قدرات الابتكار لديهم. وتمتلك المغرب مقوّمات كبيرة للابتكار، حيث تتوفر الكثير من الفرص في مختلف قطاعاتها، بما في ذلك:
• الطاقة: وضعت الحكومة المغربية هدفًا لتلبية 42% من احتياجاتها من الطاقة من مصادر متجددة بحلول عام 2020. واليوم، يتم تزويد أكثر من 128,000 منزل في المغرب بالكهرباء عبر أنظمة الطاقة الشمسية المنزلية. ويمكن للشركات الناشئة دفع التحول الرقمي في هذا المجال، مدعومة بتقنيات مثل السحابة وإنترنت الأشياء، كما يمكنها إدارة أنظمة الطاقة الشمسية عن بعد أو السماح للناس بمراقبة وتحسين استهلاكهم للطاقة.
• الزراعة: إلى جانب قطاع الغابات والثروة السمكية، وفر القطاع الزراعي 47,000 فرصة عمل في المغرب في عام 2017. ويمكن للتكنولوجيا أن تجذب المزيد من الشباب للعمل في القطاع، وأن تحدث تحولًا من المهنة التقليدية إلى الأعمال التجارية الزراعية، حيث يمكن استخدام تقنيات التشغيل الآلي في سلاسل التوريد، وإتاحة وصول المزارعين الصغار للقروض والتأمينات، وتعزيز الأساليب الزراعية الدقيقة القائمة على البيانات.
• الخدمات الحكومية: يمكن للشركات الناشئة أن تدعم تنفيذ استراتيجية "المغرب الرقمي 2020"، والتي تهدف إلى الترويج لخدمات الحكومة الإلكترونية. وتدعو برامج مثل Innovate4Gov من مبادرة مايكروسوفت 4Afrika، الشركات الناشئة باستمرار لإحداث تحول في الخدمات العامة والعمليات ذات الصلة بالقطاع الحكومي من خلال الحلول التكنولوجية.
وفي الوقت الذي تبتكر فيه الشركات الناشئة في هذه المجالات، سوف يزيد عدد الأشخاص المتصلين بالخدمات الرئيسية للمرة الأولى مع تحسن سبل عيشهم. وبالنسبة للمجتمعات الريفية، حيث يشكل الاتصال تحديًا كبيرًا، تتوفر تقنيات مثل المساحات البيضاء، حيث يمكن إرسال إشارات الإنترنت عبر الأجزاء الغير مستخدمة من طيف البث التلفزيوني بتكلفة تقل عن 5% من متوسط الدخل. ولدى مبادرة 4Afrika اليوم 15 من هذه المشاريع في ستة من بلدان القارة الأفريقية، ونأمل بأن نطلق المزيد منها.
نحو التحول الرقمي
بينما تواصل المغرب استثمارها في قدرات الوصول للخدمات، والابتكار، والمهارات، فسوف تكون قادرة على تحقيق استراتيجية المغرب الرقمي 2020. وسوف تبقى مايكروسوفت شريكًا ملتزمًا تمامًا بدعم هذه الجهود. وخلال هذا العام، وفيما نطلق مركزَي بيانات جديدين في جنوب أفريقيا، سوف تتمكن المزيد من الشركات الناشئة والعملاء والشركاء والمنظمات غير الربحية في القارة من استخدام السحابة من أجل دعم الابتكار والفرص لأجل أفريقيا والعالم أجمع.