لخص محللون سياسيون الخطاب الملكي السامي الذي ألقاه الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لعيد العرش، اليوم الإثنين الماضي، في أربعة خطوط عريضة وضع من خلاله موضوع "الاجهاد المائي" في الواجهة مجدداً، إذ حظيت هذه النقطة بأعلى حصة من التقييم وتحديد الأولويات وإبداع الحلول وإنجاز المخططات لتيسير عملية التدبير الحكيم والمعقلن للموارد المائية. ورغم أن الخطاب الملكي الذي جاء على إثر مناسبة وطنية يحتفل بها كافة الشعب المغربي المتعلقة بالذكرى ال25 لصعود الملك محمد السادس إلى سدة الحكم، خصصت للقضية الفلسطينية حيزا مهما من حديث الملك عن هذا العيد الوطني، هو ما أعطاها صبغة رمزية على اعتبار أن "القضية القدسية قضية وطنية تهم المؤسسة الملكية والشعب المغربي".
وتفاعلا مع هذا الموضوع، قال منير اوخليفا، أستاذ باحث في القانون، عضو مؤسس لمركز الدراسات القانونية والقضائية والاجتماعية، مدير مجلة افربواطو للدراسات والأبحاث في قوانين الأعمال والاستثمار، إن "الخطاب الملكي السامي تناول أربع مواضيع أساسية وهي: التذكير بأهم المنجزات الوطنية التي تحققت خلال ربع قرن، إشكالية الماء والاستراتيجية الكبرى للمملكة لحلحلة كل المشاكل بخصوص ندرة المياه، القضية الفلسطينية، الإشادة بتنمية الوطن، وفي الدفاع عن مصالحه العليا وقضاياه العادلة".
وأضاف اوخليفا، في تصريح ل"الأيام 24″، أنه "بخصوص النقطة الأولى، فالخطاب الملكي السامي ذكرنا بما تحقق من مكتسبات هامة خلال ربع قرن من القيادة الرشيدة لجلالته وعن الحكم السديد الذي مكن المملكة المغربية من إصلاحات سياسية ومؤسساتية واقتصادية ساهمت في التنمية المستدامة وتحقيق العدالة الاجتماعية، وأيضا هذه الفترة من الحكم الرشيد مكنت المغرب من الحفاظ على الوحدة الترابية وجعلت مكانة المملكة المغربية جهويا ودوليا تحظى بمكانة متميزة كفاعل وازن وشريك موثوق به".
وتابع المتحدث عينه: "أما فيما يتعلق بإشكالية الماء، فنلاحظ أن الخطاب الملكي السامي أعطى لهذه النقطة الحيز الأكبر في الخطاب وهذا دليل أن الماء يدخل ضمن الاستراتيجيات الكبرى الهامة للمملكة، وبالتالي فالخطاب الملكي السامي هو عبارة عن خارطة الطريق موجهة لكل المسؤولين والفاعلين وعامة الشعب المغربي من أجل ترشيد استهلاك المياه بالدرجة الأولى، وتناول الخطاب بخصوص إشكالية الماء".
وأشار المحلل السياسي إلى أنه "تشخيصا لهذه الإشكالية من خلال تأثير التغيرات المناخية، والارتفاع الطبيعي للطلب، إضافة إلى التأخر في إنجاز بعض المشاريع المبرمجة، في إطار السياسة المائية، على الاحتياطات المائية، والمياه الباطنية، وجعل الوضعية المائية أكثر هشاشة وتعقيدا".
وأردف أيضا أن "وضع خطة وبرنامج عمل متكامل ومندمج من خلال: توجيهات جلالة الملك نصره الله للسلطات المختصة، لاتخاذ جميع الإجراءات الاستعجالية والمبتكرة لتجنب الخصاص في الماء مع ضرورة التنزيل الأمثل، لكل مكونات البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027، الذي ساهم، والحمد لله، في التخفيف من حدة الوضع المائي".
"اتخاذ تدابير استعجالية صارمة ومركزة من خلال: الإلحاح على ضرورة التحيين المستمر لآليات السياسة الوطنية للماء بغية تحقيق هدفين استراتيجيين متمثلان في ضمان الماء الشروب لجميع المواطنين، وتوفير 80 في المائة على الأقل، من احتياجات السقي، على مستوى التراب الوطني"، يضيف المتحدث.
وزاد: "تحديد الأولويات الاستراتيجية المبنية في مواصلة بناء السدود وخصوصا في المناطق التي تشهد تساقطات هامة، تسريع إنجاز المشاريع الكبرى لنقل المياه بين الأحواض المائية، تسريع إنجاز محطات تحلية مياه البحر، حسب البرنامج المحدد لها، والذي يستهدف تعبئة أكثر من 1,7 مليار متر مكعب سنويا، إنجاز المحطات المبرمجة، ومشاريع الطاقات المتجددة المرتبطة بها، في الآجال المحددة، دون أي تأخير، تطوير صناعة وطنية في مجال تحلية الماء، وإحداث شعب لتكوين المهندسين والتقنيين المتخصصين؛ إضافة إلى تشجيع إنشاء مقاولات مغربية مختصة، في إنجاز وصيانة محطات التحلية".
وأوضح الأستاذ الجامعي أن "جلالته أكد على أن تحقيق هذه المشاريع مسؤولية الجميع وهي إشارة ضمنية على ربط المسؤولية بالمحاسبة لأن الماء قضية مصيرية للمملكة".
واستطرد أيضا "أن الخطاب تضمن إشارة ضمنية نستنتجها كباحثين في المحال القانوني وهي ضرورة تفعيل السياسة الجنائية المائية، من خلال دعوة السلطات المختصة، للمزيد من الحزم في حماية الملك العام المائي، وتفعيل شرطة الماء، والحد من ظاهرة الاستغلال المفرط والضخ العشوائي للمياه. كما دعا جلالته بقوة، للمزيد من التنسيق والانسجام، بين السياسة المائية والسياسة الفلاحية، لاسيما في فترات الخصاص، مع العمل على تعميم الري بالتنقيط"، مشيرا إلى أن "جلالته أكد على ضرورة تبني برنامج أكثر طموحا، في مجال معالجة المياه، وإعادة استعمالها؛ مع تشجيع الابتكار، واستثمار ما تتيحه التكنولوجيات الجديدة في مجال تدبير الماء".
وأكمل الأكاديمي حديثه أنه "بخصوص الأقاليم الجنوبية للمملكة ذكر جلالته بالمنجزات المرتبطة بمحطات تحلية المياه، التي ساهمت في تعزيز النهوض بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية بالمنطقة. وشدد جلالة الملك محمد السادس نصره الله على إلزامية توسيع محطة الداخلة، والرفع مستقبلا، من القدرة الإنتاجية للمحطات الأخرى؛ وذلك بالاعتماد على المؤهلات الكبيرة من الطاقات النظيفة، التي تتوفر عليها هذه الأقاليم".
وفي نفس السياق، أبرز اوخليفا أن "اختيار هذا الوقت بالذات للحديث عن القضية الفلسطينية له رمزية كبيرة على اعتبار أن الأمر متعلق بخطاب العرش ذو خصوصية مهمة متمثلة في ذكرى ربع قرن لتولي العرش، وهو تجسيد على أن القضية الفلسطينية قضية وطنية لكل مكونات الدولة المغربية، وهو رد شاف وكاف على كل الافتراءات الموجهة للدولة المغربية ومؤسساتها باتهامها بالتطبيع".
واعتبر المتحدث ذاته أن "ما تقوم به المملكة المغربية من خلال لجنة القدس دليل على أن القضية الفلسطينية قضية الأمة المغربية بامتياز، وأكد جلالته على تقديم المساعدات الضرورية وشدد على العمل بروح الالتزام والمسؤولية، لدعم المبادرات البناءة، التي تهدف لإيجاد حلول عملية، لتحقيق وقف ملموس ودائم لإطلاق النار، ومعالجة الوضع الإنساني، وهذا من منطق العمل على إيجاد حل نهائي لهذا النزاع، وذلك وفق المنظور التالي: التوصل إلى وقف الحرب، في غزة، أولوية عاجلة، تستوجب فتح أفق سياسي، كفيل بإقرار سلام عادل ودائم في المنطقة".
"اعتماد المفاوضات لإحياء عملية السلام، بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، يتطلب قطع الطريق على المتطرفين، من أي جهة كانوا، وإرساء الأمن والاستقرار بالمنطقة، لن يكتمل إلا في إطار حل الدولتين، تكون فيه غزة جزءا لا يتجزأ من أراضي الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية"، يردف المتحدث.
بخصوص النقطة الرابعة والأخيرة في الخطاب الملكي السامي، قال المحلل السياسي إن "جلالته شدد على اعتبار الدفاع عن تنمية البلاد ومصالحه وقضاياه العادلة مسؤولية لجميع المواطنات والمواطنين، كما ذكر وأثنى على الدور الدي تلعبه القوات المسلحة الملكية، والدرك الملكي، والإدارة الترابية، والأمن الوطني، والقوات المساعدة والوقاية المدنية للدفاع عن الوحدة الترابية واستتباب الأمن والاستقرار داخل ربوع المملكة المغربية".
وخلص اوخليفا حديثه قائلا: "بما أن الخطاب الملكي السامي لتخليد الذكرى 25 ركز على أهمية الما، فإن جلالة الملك نصره الله أيد كلامه السامي بقول الله عز وجل "والله أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها ". صدق الله العظيم".