المغرب حاضر بقوة في الترشيحات لفئات السيدات لجوائز ال"كاف"    مشاريع كبرى بالأقاليم الجنوبية لتأمين مياه الشرب والسقي    وزارة الاقتصاد والمالية: المداخيل الضريبية بلغت 243,75 مليار درهم عند متم أكتوبر 2024        في لقاء مع الفاعلين .. زكية الدريوش تؤكد على أهمية قطاع تحويل وتثمين وتسويق منتجات الصيد ضمن النسيج الإقتصادي الوطني    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    الذهب يواصل مكاسبه للجلسة الرابعة على التوالي    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    سعر البيتكوين يتخطى عتبة ال 95 ألف دولار للمرة الأولى    نقابة تندد بتدهور الوضع الصحي بجهة الشرق    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    اسبانيا تسعى للتنازل عن المجال الجوي في الصحراء لصالح المغرب    استئنافية ورزازات ترفع عقوبة الحبس النافذ في حق رئيس جماعة ورزازات إلى سنة ونصف    "لابيجي" تحقق مع موظفي شرطة بابن جرير يشتبه تورطهما في قضية ارتشاء    الحكومة الأمريكية تشتكي ممارسات شركة "غوغل" إلى القضاء    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    حادثة مأساوية تكشف أزمة النقل العمومي بإقليم العرائش    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    البابا فرنسيس يتخلى عن عُرف استمر لقرون يخص جنازته ومكان دفنه    مقتل 22 شخصا على الأقل في غارة إسرائيلية على غزة وارتفاع حصيلة الضربات على تدمر السورية إلى 68    ترامب ينوي الاعتماد على "يوتيوبرز وبودكاسترز" داخل البيت الأبيض    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    المركز السينمائي المغربي يدعم إنشاء القاعات السينمائية ب12 مليون درهم    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية        اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    الأساتذة الباحثون بجامعة ابن زهر يحتجّون على مذكّرة وزارية تهدّد مُكتسباتهم المهنية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل        جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    الفتيان يواصلون التألق بالفوز على ليبيا    بلاغ قوي للتنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب    الحكومة تتدارس إجراءات تفعيل قانون العقوبات البديلة للحد من الاكتظاظ بالسجون    بوريطة يستقبل رئيسة برلمان صربيا        ولد الشيخ الغزواني يهنئ الملك محمد السادس بمناسبة عيد الاستقلال    العصبة الوطنية لكرة القدم الاحترافية تقرر تغيير توقيت انطلاق ديربي البيضاء    توقعات أحوال الطقس لنهار اليوم الأربعاء    منح 12 مليون درهم لدعم إنشاء ثلاث قاعات سينمائية    تفاصيل نجاة فنانة مصرية من الموت        تلاميذ مغاربة يحرزون 4 ميداليات في أولمبياد العربية في الراضيات    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    فعاليات الملتقى الإقليمي للمدن المبدعة بالدول العربية    أمزيان تختتم ورشات إلعب المسرح بالأمازيغية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    "من المسافة صفر".. 22 قصّة تخاطب العالم عن صمود المخيمات في غزة    روسيا تبدأ الاختبارات السريرية لدواء مضاد لسرطان الدم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خاص ل"الأيام": الذين يحاولون الاستيلاء على الدولة من داخل المؤسسات!
نشر في الأيام 24 يوم 06 - 03 - 2024


محمد كريم بوخصاص

يقترن البرلمان في تمثلات بعض المغاربة بكل ما هو سلبي، وذلك لأسباب عديدة ترتبط أساسا ببروفايلات الأشخاص الذين يحظون بشرف تمثيل المواطنين داخل قبة السلطة التشريعية. لكن الولاية الحالية التي تؤرخ لأسوأ تجربة برلمانية يُخشى أن تدق مسمار انعدام الثقة الأخير في نعش البرلمان، بعد أن أصبح المغاربة يستفيقون بين حين وآخر على أخبار اعتقال برلماني أو فتح تحقيق قضائي معه ومتابعته بتهم جنائية ثقيلة تتعلق معظمها بتبديد المال العام. فما هو واقع البرلمان اليوم؟ وإلى أين يسير؟





كان الوقت ظهرا من يوم الأربعاء 7 فبراير الجاري، حين شحذ البرلماني المثير للجدل، محمد السيمو، الذي ينتمي لحزب التجمع الوطني للأحرار، لسانه لأجل الترافع عن براءته بعد فتح تحقيق قضائي في حقه له علاقة بملفات تبديد للمال العام. شرع السيمو في الدفاع عن نفسه بكل ما أوتي من قوة، وانطلق في تقديم مرافعات تشبه بتلك التي يقدمها المحامون في جلسات المحكمة، بينما كان الحاضرون منقسمين إلى مجموعتين: الأولى كانت تظهر «كأن على رأسها الطّير»، حيث كان السُّكون والترقب والخوف يتسلل إلى وجوه أفرادها، فيما كانت المجموعة الثانية شاردة في عوالمها الخاصة، وقد ملت ربما من خطب السيمو الذي يحب الحديث أكثر من اللازم.


سريعا، تجلى مشهد فريد، وهو اجتماع لجنة برلمانية بمجلس النواب (لجنة القطاعات الإنتاجية) الذي حوله متهم إلى قاعة محكمة للدفاع عن نفسه في غياب الضحية والمدعي العام والقاضي، في وقت كان يُفترض فيه الحفاظ على حرمة المكان المخصص منذ ستين عاما من تأسيس البرلمان للدفاع عن الأمة وليس لدفاع ممثليها عن أنفسهم!!


كان النائب البرلماني السيمو في تلك اللحظة في وضعية استقواء بالسلطة التشريعية على السلطة القضائية، لكنه اكتشف ذلك متأخرا وبعد أن أمضى وقت طويلا من فترة عمل اللجنة في محاولة للدفاع عن براءته التي يجب أن يثبتها في المحكمة، ليقدم صورة بارزة عن المرض الشديد الذي أصاب جسم البرلمان في هذه الولاية التشريعية وجعله يبدو في حالة من السوء لم يسجل مثيله في السابق.


ومما علق في أذهان الحاضرين من مرافعة السيمو الذي يرأس في الآن ذاته المجلس الجماعي للقصر الكبير دعوته وزيرة السياحة فاطمة الزهراء عمور المنتمية لحزبه إلى زيارة مدينة القصر الكبير، والوقوف عند معلمة «سور الموحدين»، موضوع التحقيق القضائي بشبهة «تبديد أموال عمومية»، وذلك بعد فتح قاضية التحقيق بالغرفة الخامسة باستئنافية الرباط تحقيقات معه في حالة سراح في شكايات تتعلق بخروقات تمت في إطار صفقات عمومية أثناء ترؤسه للمجلس الجماعي إبان الولاية الماضية. وكانت القاضية قد طالبته بموافاة المحكمة بجرد لجميع كشوفات حساباته البنكية العائدة له والمفتوحة لدى مختلف المؤسسات المالية المعنية، وبيان ورصد حركة دائنيتها ومديونيتها منذ تاريخ فتحها، مع الأمر بعقلها وحجزها، باستثناء راتبه الشهري المحول له من مصدر شرعي معلوم (مؤسسة البرلمان).


اللقب الجديد للبرلمان

ليس السيمو سوى نائب برلماني من بين 24 نائبا يقبعون في السّجن أو يجري التحقيق معهم أو يخضعون لمحاكمة في قضايا فساد واختلاس وتبديد للمال العام في الولاية التشريعية الحالية، التي استحقت عن جدارة لقب «الولاية التي تعرف أكبر عدد من المتابعات في حق ممثلي الأمة» وربما في تاريخ البرلمان.


رسميا، لا توجد أي إحصاءات حول عدد البرلمانيين الحاليين الذين يخضعون للمتابعة في قضايا جنائية، ولكن إحصاء أجرته «الأيام» استنادا إلى بيانات موثقة أظهر أن نحو 6 في المائة من إجمالي البرلمانيين في قلب محاكمات ومتابعات قضائية، يتوزعون بين 13 نائبا ينتمون لأحزاب الأغلبية الحكومية (6 من التجمع الوطني للأحرار، و4 من الأصالة والمعاصرة و3 من الاستقلال) و11 ينتمون للمعارضة (4 من الاتحاد الدستوري، و3 من الحركة الشعبية، و2 من الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، و1 من التقدم والاشتراكية، و1 من الحركة الديمقراطية الاجتماعية). ومن المرجح أن يكون برلمانيون آخرون موضوع تحقيقات لم تصل للعلن، وفقا لمصادر برلمانية.


لطالما توبع برلمانيون في كل ولاية بقضايا جنائية، لكنها المرة الأولى التي تشهد فيها ولاية برلمانية هذا الكم الهائل من المتابعات والسّجن في حق برلمانيين، علما أن الولاية التشريعية الحالية بدأت قبل أسابيع فقط نصفها الثاني، ويفسّر ذلك برأي عبد الحفيظ اليونسي، أستاذ القانون الدستوري بجامعة الحسن الأول بسطات، بقطع الفصل 64 من الدستور الجديد مع منطق الحصانة البرلمانية الذي كان سائدا في المغرب منذ دستور 1962، والذي يُفسِّر ضعف المتابعات القضائية في الولايات التشريعية ما قبل دستور 2011.


ورغم هذا التفسير المقدم، إلا أن اليونسي لم يكتفِ بالوقوف عند الفروق بين المتابعات الحالية والقديمة، حيث استدرك قائلا: «لابد من التأكيد على أن نوعية المتابعين في المتابعات الأخيرة تختلف عن سابقاتها بالنظر أولا إلى عددها الكبير والمقلق، وثانيا لطبيعة الاتهامات الموجهة»، مع التشديد على ضرورة «استمرار تحريك المتابعة القانونية لشخصيات عمومية تضطلع بمهام انتدابية من جهة وهي في نفس الوقت من الأعيان في مناطقها وجهاتها من جهة أخرى».


وبدا اليونسي متفائلا بشأن تطبيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة وأيضا مبدأ المساواة أمام القانون، مؤكدا أن ذلك من شأنه تعزيز الثقة في مؤسسات الدولة سواء تلك المتعلقة بمؤسسات إنفاذ القانون أو السلطة القضائية، وهي ثقة في المحصلة النهائية تقوي من مشروعية وشرعية النظام السياسي المغربي، يضيف المتحدث.

مدونة والتزام أخلاقي!

بعد هذا الوضع غير المسبوق في حجم المتابعات في حق البرلمانيين، بادر الملك محمد السادس إلى الدعوة لإقرار مدونة للأخلاقيات بالمؤسسة التشريعية، في الرسالة التي وجهها إلى المشاركين في الندوة الوطنية المنظمة بمناسبة الذكرى الستين لإحداث أول برلمان منتخب في المغرب في 17 يناير الماضي، وذلك من أجل الرفع من جودة النخب البرلمانية المنتخبة، وتخليق الحياة البرلمانية، وتحقيق الانسجام بين ممارسة الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية التشاركية.


واستأثرت مدونة السلوك والأخلاقيات بنقاش واسع بالبرلمان، لكن مجلس النواب فشل في إخراجها قبل اختتام الدورة الأولى من السنة التشريعية الحالية (2023-2024)، فيما أرجعت مصادر برلمانية أسباب ذلك إلى «التريث من أجل إخراج مدونة تستجيب للتوجيهات الملكية»، علما أن اجتماعا انعقد في 5 فبراير الجاري ترأسه رئيس مجلس النواب رشيد الطالبي العلمي وحضره رؤساء الفرق والمجموعة النيابية انتهى إلى الاتفاق على أن تكون المدونة جاهزة في أبريل المقبل.


يصعب تصور إخلال البرلمان بالتزامه الأخلاقي بأن ترى مدونة السلوك والأخلاقيات النور في الموعد المتفق عليه، وإن كانت التجارب السابقة قد أظهرت حدوث ذلك. لذلك، سيبقى شهر أبريل، الذي يتبادل فيه الناس «كذبة» السنة موعدا لمحاكمة البرلمان برمته عن مدى انضباطه، خصوصا أن ميلاد هذه المدونة الجديدة يُنظر إليه كوسيلة لقطع الطريق أمام وصول البرلمانيين «الفاسدين»، إذ يبدو أن الطريقة التي أجريت بها انتخابات 8 شتنبر 2021، والسياقات المحيطة بها، فتحت الباب أمام وصول نوابٍ غير مشهود لهم بالكفاءة، بل يتمتعون بمهارات في النهب وتبديد الأموال العمومية. ونتيجة لذلك، فإن سبعة برلمانيين يقبعون الآن في السجن، والبقية يخضعون إما للتحقيق والمتابعة، أو تمت إدانتهم بالسجن سواء كان نافذا أم غير نافذ في انتظار استكمال مسطرة التقاضي.


وفضلا عن علاقة ما جرى في الانتخابات الأخيرة بتشكل هذه الظاهرة العجيبة، فإن باحثين يحاولون تفسير ما يحصل، ومن بينهم الأكاديمي المغربي عبد الحفيظ اليونسي الذي رأى في تصريح ل»الأيام» أن ثمة ملاحظات بخصوص المتابعات الأخيرة للبرلمانيين أجملها في ثلاثة: أولها مرتبطة بالبناء المؤسساتي الذي يجب أن يتعزز بصلاحية الممارسة الاستباقية لمواجهة هذا النوع من الجرائم المرتبطة بالأموال أو المخدرات أو استغلال النفوذ، إضافة إلى توفير ضمانات الدولة للقضاء ليمارس استقلاليته الفعلية في هذا النوع من الملفات. وثانيها مرتبطة ببعض الثغرات القانونية والمسطرية المرتبطة بهذا النوع من المتابعات، وهي ثغرات يتم الاعتماد عليها إما لإطالة أمد الملفات أو الإفلات من العقاب مما قد يُسقط مؤسسات الدولة في نوع من الانتقائية في تطبيق القانون، وبالتالي هناك ضرورة لإخراج قانون الإثراء غير المشروع والقانون الجنائي والمسطرة الجنائية في صيغتها الجديدة لتعزيز دور القضاء والضابطة القضائية في محاربة هذه الجرائم.


الملاحظة الثالثة مرتبطة بدور بعض المؤسسات التي يظهر أنها فقط عبء مؤسساتي لانعدام دورها في هذا النوع من الملفات، من قبيل مجلس المنافسة وهيئة النزاهة ومحاربة الرشوة وغيرهما.


متفقا معه جزئيا، أوضح محمد مصباح مدير المعهد المغربي لتحليل السياسات أن أسباب ما وصلنا إليه اليوم لا يخرج عن سياقين، أحدهما موضوعي والآخر ذاتي، وهما اللذان أنتجا هذه الخلاصة التي تسيء إلى صورة البرلمان في المغرب. ففيما يرتبط السياق الذاتي بالوضعية التي أصبحت عليها الأحزاب السياسية وتفضيلها المرشحين الأعيان بدل المناضلين، يقترن الموضوعي – حسب المتحدث – بالقطع مع التجربة السابقة التي قادها حزب الإسلاميين والذي أنتج قوانين انتخابية أفرزت هذا النوع من النخب.


القائمة السوداء

24 برلمانيا يشكلون 6 في المائة وفي جعبتهم نصف مليون صوت انتخابي

من بين 395 نائبا برلمانيا في مجلس النواب، يوجد اليوم 24 برلمانيا في السِّجن أو يجري التحقيق معهم أو انطلقت جلسات محاكمتهم في قضايا جنائية ترتبط بالفساد واختلاس في تدبير الشأن العام، وفقا لإحصاء أجرته "الأيام" استنادا إلى المعطيات المتوفرة. ويشكل هذا العدد نحو 6 في المائة من إجمالي عدد النواب البرلمانيين، وفي جعبتهم أزيد من 515 ألف صوت تحصلوا عليها في انتخابات 8 شتنبر 2021، التي منحتهم مقاعد بالغرفة الأولى للبرلمان، وتشكل هذه الأصوات 6.8 في المائة من إجمالي الأصوات المقبولة في الانتخابات. وهذه هي القائمة السوداء للبرلمانيين موضوع إدانة أو محاكمة في قضايا الفساد، والتي تسيء للمؤسسة التشريعية التي احتفلت مؤخرا بالذكرى الستين لتأسيسها.

منذ دورتها الأولى، أصبح واضحا أن الولاية التشريعية الحالية ستكون مختلفة عن سابقاتها، بعد أن تبينت سيطرة الأعيان على أغلب المقاعد، وبروز بروفايلات تثير الشكوك وتحوم حولها شبهات فساد. وسريعا، بدأت قضايا المتابعات القضائية لأعضاء البرلمان بالتفجر وتسجيل حالات اعتقال وسجن بشكل متزايد، وصار الجميع مقتنعا تماما أن عدد حالات الاعتقال والمتابعات للبرلمانيين في هذه الولاية ستكون الأكبر على الإطلاق في تاريخ البرلمان، حتى دون الحاجة إلى إجراء دراسة إحصائية مقارنة، وذلك نتيجة للتداول الواسع النطاق لهذه القضايا.

6 «ريشات» من «الحمامة»!

يتصدر قائمة الأحزاب السياسية التي فقدت أكبر عدد من برلمانييها بسبب إحالتهم إلى السجن أو إلى التحقيق والمتابعة القضائية بتهم ثقيلة تتعلق بتبديد أموال عمومية وسوء تدبير الشأن العام، حزب رئيس الحكومة (التجمع الوطني للأحرار) ب6 برلمانيين، ويتعلق الأمر بالبرلماني رشيد الفايق الذي تصدر الانتخابات الأخيرة في دائرة «فاس الجنوبية» ب16451 صوتا، وكان يسيطر لسنوات على جماعة ولاد الطيب المحاذية لفاس، والذي صدر قرار بعزله من المحكمة الدستورية في 5 فبراير الجاري، على خلفية إدانته في قضايا فساد تتعلق بالتعمير، حيث تم رفع عقوبته من طرف محكمة الاستئناف في يونيو 2023 من 6 إلى 8 سنوات سجنا نافذا.


وفضلا عن الفايق، يبرز اسم البرلماني عن دائرة آسفي محمد الحيداوي، الذي حصل على المقعد الرابع في الانتخابات الأخيرة ب17 ألفا و649 صوتا، والذي أدين في 27 دجنبر الماضي بالسجن ثمانية أشهر نافذة في «قضية التلاعب بتذاكر مونديال قطر»، والبرلماني يونس بنسليمان عن دائرة «المدينة – سيدي يوسف بن علي» بمراكش، الذي حصل على المقعد الثالث ب8753 صوتا في الانتخابات التشريعية لعام 2021، والذي أدين بسنة واحدة موقوفة التنفيذ بتهمة «تبديد أموال عمومية»، إضافة إلى إسماعيل البرهومي النائب البرلماني عن دائرة «جليز – النخيل» بمراكش، الذي نال مقعدا ب18416 صوتا، والذي كان رئيسا سابقا لجماعة «حربيل»، والذي أدين من قبل غرفة الجنايات الابتدائية باستئنافية مراكش في فبراير 2023 بالسجن لمدة سنتين نافذتين في قضيتي «اختلاس وتبديد أموال عمومية».


كما يوجد تجمعيان اثنان رهن التحقيق في قضايا فساد، وهما البرلماني محمد السيمو متصدر الانتخابات في دائرة العرائش ب35 ألفا و532 صوتا والذي قرر قاضي التحقيق بالغرفة الخامسة المكلفة بجرائم الأموال بمحكمة الاستئناف بالرباط، التحقيق معه في حالة سراح، هو و12 موظفا بالمجلس بتهمة «اختلاس وتبديد أموال عمومية»، والبرلماني عن دائرة «القرية – غفساي» بتاونات نور الدين قشيبل الذي تصدر هو الآخر الانتخابات في دائرته ب32 ألفا و249 صوتا، والذي أنهى قاضي التحقيق في الغرفة الأولى بمحكمة الاستئناف بفاس مطلع الشهر الجاري التحقيق التفصيلي معه في حالة سراح، للاشتباه في تورطه في جرائم تتعلق «باختلاس وتبديد أموال عامة»، وأحال ملفه على الوكيل العام للملك من أجل تقديم مستنتجاته النهائية قبل اتخاذ القرار المناسب.

4 «ثقوب» في عجلات «التراكتور»!

وعلى غرار نتائج انتخابات 8 شتنبر 2021 التشريعية التي بوأته المرتبة الثانية بعد التجمع الوطني للأحرار، يحتل حزب الأصالة والمعاصرة المرتبة الثانية من حيث عدد حالات سجن ومتابعة برلمانييه في قضايا فساد، ب4 برلمانيين على رأسهم رئيس الفريق أحمد التويزي الذي تحصل على مقعده البرلماني من دائرة «الحوز» بعد نيله 30 ألفا و407 مقاعد، والذي يتابع حاليا في قضية «اختلالات مالية في تسيير شؤون بلدية آيت أورير»، حيث قررت غرفة الجنايات الابتدائية المكلفة بجرائم الأموال لدى استئنافية مراكش في ال10 من فبراير الجاري تأخير ملفه إلى غاية فاتح مارس من أجل إمهال الخبير لوضع تقريره المتعلق بإنجاز خبرة تقنية.


أما برلمانيو «البام» الثلاثة الآخرون موضوع المتابعة القضائية فهم كل من هشام الهاجري عن دائرة «شيشاوة» صاحب أعلى عدد أصوات في الانتخابات التشريعية الأخيرة ب51 ألفا و689 صوتا، الذي يتابع بشبهة «اختلاس وتبديد أموال عمومية، وإقصاء منافسين من المناقصة، والتزوير في وثائق»، ورحو الهيلع عن دائرة «تيفلت – الرماني» التابعة لإقليم الخميسات، الذي حصد 20 ألفا و118 صوتا، والمتابع بتهمة «اختلاس وتبديد أموال جماعة علال البحراوي»، وعبد الواحد المسعودي متصدر الانتخابات الأخيرة في دائرة «تازة» ب27 ألفا و665 صوتا ورئيس جماعتها، الذي صدر في حقه حكم بشهرين حبسا موقوف التنفيذ بتهمتي «السب والقذف».


القيادي في الأصالة والمعاصرة، سعيد الناصري، المتابع في قضية ما يُعرف ب»إسكوبار الصحراء»، لا يدخل في هذه القائمة السوداء للبرلمانيين، لأنه فقد مقعده البرلماني في نونبر 2021، أسابيع قليلة بعد فوزه في دائرة «الدار البيضاء-أنفا» (حصل حينها على 3713 صوت)، وذلك بعد استقالته بسبب حالة التنافي، لكون القانون لا يسمح بالمزاوجة بين مقعد برلماني ورئاسة مجلس عمالات الدار البيضاء التي بقي على رأسها إلى حين اعتقاله مؤخرا رفقة القيادي الآخر في الحزب، عبد النبي بعيوي، الذي كان يرأس جهة الشرق.

فقدان رُبُع وزن «الحصان»!

رغم أن عدد مقاعد حزب الاتحاد الدستوري بمجلس النواب لا يتجاوز 18 مقعدا، فإنه يحتل المرتبة الثالثة من حيث عدد برلمانييه المتورطين في قضايا فساد ب4 برلمانيين، في مقدمتهم عبد العزيز الوادكي عن دائرة «العرائش» الحاصل على 19 ألفا و68 صوتا، والذي يقبع في السجن منذ أكتوبر الماضي رفقة أربعة محامين ومنتدب قضائي ومسؤول في شركة بتهمة «تكوين عصابة إجرامية والتزوير في محرر رسمي واستعماله والمشاركة في إتلاف وإخفاء وثائق عامة وخاصة والإرشاء»، والنائب البرلماني عن دائرة «سيدي سليمان»، ياسين الراضي، الذي حصل على المرتبة الأولى في الانتخابات ب25 ألفا و136 صوتا، والذي أدين بالسجن في 25 ماي الماضي على خلفية متابعته بتهمة «محاولة القتل والفساد وإعداد وكر للدعارة»، وصدر حكم من محكمة الاستئناف بالرباط في نونبر الماضي في حقه بالسجن سنة نافذة.


أما البرلمانيَان الآخران المنتميان للحزب والمدرجان في القائمة السوداء، فهما الصغير بابور عن دائرة «سطات» صاحب ال32 ألفا و360 صوتا في الانتخابات التشريعية الأخيرة، والذي جرى عزله من طرف المحكمة الدستورية في دجنبر الماضي بعد إدانته بأربع سنوات ونصف حبسا نافذا، بتهم تتعلق ب»النصب والتزوير»، وحسن عاريف عن دائرة «الصخيرات-تمارة» الذي حصل على 16 ألف و824 صوتا ويترأس جماعة «عين العودة» منذ سنوات، والذي يتابع أمام محكمة الاستئناف بالرباط برفقة أربعة متهمين آخرين بتهم «التجاوز في استخلاص ضريبة على الأراضي غير المبنية، والتواطؤ على مخالفة القانون وإهانة الضابطة القضائية»، وقد أدين بتلك التهم ابتدائيا بستة أشهر حبسا موقوفة التنفيذ.

اختلال ثلاثي في «الميزان»!

وبعد أحزاب «الحمامة» و«التراكتور» و«الحصان»، احتل حزبا الاستقلال والحركة الشعبية نفس المرتبة في القائمة السوداء ب3 برلمانيين.


ويوجد على رأس برلمانيي الاستقلال المتابعين في قضايا فساد، محمد كريمين عن دائرة «بنسليمان» التي تَصَدرها ب18 ألفا و849 صوتا، والذي أحيل إلى سجن عكاشة في التاسع من فبراير الجاري رفقة الرئيس السابق للرجاء البيضاوي عبد العزيز البدراوي، عقب الاستماع إليهما في شبهة «تلاعبات في صفقة النظافة بجماعة بوزنيقة» التي كان يرأسها قبل عزله من طرف وزارة الداخلية، علما أنه كان قد قدم استقالته من البرلمان في يناير الماضي مستبقاً قرار المحكمة الدستورية التي كانت تتجه إلى تجريده من منصبه، لترتيب الآثار القانونية على إثر قرار العزل الصادر في حقه بصفته رئيسا لجماعة بوزنيقة.


وبالنسبة إلى البرلمانيَين الاستقلاليين الآخرين فهما صالح أوغبال عن دائرة «خنيفرة» صاحب ال12 ألفا و941 صوتا، والذي أدين في نونبر الماضي بخمس سنوات حبسا نافذا، بتهم «عدم توفير مؤونة شيكات عند تقديمها للأداء، والنصب»، وكانت المحكمة الدستورية قد ألغت انتخابه في فبراير 2022، لكنه تمكن من استرجاعه في الانتخابات الجزئية بحصوله على 17 ألفا و78 صوتا. وأيضا عبد الرزاق أحلوش عن دائرة «المنارة» بمراكش الذي نال مقعدها الثالث ب15 ألفا و555 صوتا، والذي قضت المحكمة الإدارية بمراكش في فبراير 2023 بعزله كرئيس لجماعة «السويهلة» ضواحي مراكش بسبب «خروقات واختلالات تدبيرية».

خسارة «السنبلة» ل 3 «بذور»!

على غرار «الميزان»، بدت الحركة الشعبية محرجة بوجود ثلاثة برلمانييها في القائمة السوداء، ويتعلق الأمر بالنائب البرلماني الذي أثار الجدل كثيرا حتى نال صفة «هشة بشة»، عبد النبي العيدودي عن دائرة «سيدي قاسم» ورئيس جماعة «دار الكداري» التابعة للإقليم، الذي كسب مقعده ب24 ألفا و996 صوتا في انتخابات 8 شتنبر، قبل أن تتم إدانته ابتدائيا واستئنافيا بالحبس موقوف التنفيذ سنتين بتهمة «تبديد أموال عمومية»، وتجريده من قبل المحكمة الدستورية في دجنبر الماضي من عضويته بالبرلمان.


وفضلا عن العيدودي، يبرز اسم محمد مبديع الوزير السابق والنائب البرلماني عن دائرة «الفقيه بنصالح»، المتابع رهن الاعتقال منذ أبريل 2023 في قضية «تبديد أموال عمومية واستغلال النفوذ والارتشاء والتزوير في وثائق عرفية وتجارية ورسمية»، وذلك بعد ساعات قليلة من زفّه في البرلمان رئيسا للجنة العدل والتشريع. وكان قد حصل على مقعده البرلماني بعد حلوله ثانيا في الانتخابات بواقع 25 ألفا و704 أصوات. كما يبرز اسم البرلماني أحمد شد الذي حصل على أحد المقاعد الستة في دائرة «بني ملال» بعدد أصوات بلغ 11 ألفا و169 مقعدا في الانتخابات الأخيرة، والذي يتابع بشبهة ارتكابه «خروقات تسييرية بجماعة بني ملال»، بعد التحفظ على أمواله وممتلكاته، علما أن المحكمة الدستورية كانت قد قضت في فبراير 2023 بتجريده من صفة عضو بمجلس النواب، بعد صدور قرار نهائي بعزله من رئاسة وعضوية مجلس جماعة بني ملال لارتكابه «أفعالا مخالفة للقوانين».

سقوط ورقتين من «الوردة»!

ورغم تاريخه النضالي الحافل، لم ينج الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية من ورود اسمه في القائمة السوداء للبرلمان، بعد أن ظهر تورط برلمانيين اثنين ينتميان إليه في قضايا جنائية ثقيلة تتعلق بالفساد، وهما البرلماني عن دائرة «فاس الجنوبية» عبد القادر البوصيري الذي حصد المقعد الرابع في الانتخابات الأخيرة ب5699 صوتا، والذي قرر الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بفاس، متابعته رفقة عشرة أشخاص آخرين، في حالة اعتقال احتياطي على خلفية اتهامهم ب»التورط في اختلالات مالية وإدارية عرفتها جماعة فاس»، والذي جردته المحكمة الدستورية في 4 يناير 2024 من مقعده البرلماني. وأيضا النائب البرلماني عن دائرة «الناظور» محمد أبركان، الذي نال 18 ألفا و791 صوتا في الانتخابات التشريعية الأخيرة، الذي أدانته غرفة جرائم المالية بمحكمة الاستئناف بفاس، في 7 فبراير الجاري، بالسجن النافذ خمس سنوات بعد متابعته في قضايا جنائية تتعلق ب»الارتشاء والتزوير في محررات رسمية وأخذ منفعة في مؤسسة يتولى إدارتها».

تمزق ورقة من «الكتاب»!

وبعد أن حاول مرارا وتكرارا إظهار تميزه بتغليب المناضلين على الأعيان في الترشيحات للبرلمان، للظهور بمظهر الحزب التاريخي ذي الإيديولوجية والخط السياسي الواضحين، سقط التقدم والاشتراكية في المحظور، بعد تورط أحد برلمانييه ال21 في قضية فساد، ويتعلق الأمر بسعيد الزيدي عن دائرة «بنسليمان» الذي تم عزله من طرف المحكمة الدستورية مطلع يناير الماضي، والذي كان قد حصد المقعد الثالث في الدائرة في الانتخابات الأخيرة ب14 ألف و582 مقعدا، قبل أن تتم إدانته من طرف غرفة الجنايات الاستئنافية، قسم جرائم الأموال بسنة سجنا نافذا بتهم «الابتزاز والارتشاء» ويقضي عقوبته السجنية، بعدما ضُبط بحوزته مبلغ 40 مليون سنتيم، ادعى مقاول تسليمه له لمساعدته في مشروع عقاري.


وفضلا عن الأحزاب الكبيرة المعروفة، فإن حزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية الممثل في البرلمان بخمسة مقاعد فقط ورد هو الآخر في القائمة السوداء بعد متابعة أحد برلمانييه في قضية «فساد»، ويتعلق الأمر بالبرلماني عن دائرة «آسفي» التهامي المسقي الذي نال 15 ألفا و192 مقعدا في انتخابات 8 شتنبر 2021، والذي ألغت المحكمة الدستورية مقعده بتهمة «مخالفة القوانين والترشح باسم حزبين سياسيين في آن واحد»، حيث ترشح باسم الحركة الديمقراطية الاجتماعية في الانتخابات التشريعية ثم باسم التجمع الوطني للأحرار في انتخاب الغرفة الفلاحية الجهوية لمراكش آسفي، قبل أن يشارك في الانتخابات الجزئية التي أجريت في شتنبر 2022 ويفشل في استرجاع مقعده، ثم يتقدم بطعن في فوز منافسه، حيث قضت المحكمة الدستورية بإلغاء المقعد الذي كان قد آل إلى مرشح من الأصالة والمعاصرة، فعاد وترشح للمرة الثانية في الانتخابات التي أجريت في أبريل 2023 باسم حزب الاتحاد الدستوري هذه المرة دون أن يفلح في استعادة مقعده، ليلجأ إلى الطعن من جديد، لكن المتابعة تحركت ضده، وأدين بشهر واحد حبسا نافذا وغرامة مالية قدرها 10 آلاف درهم بتهمة «إفساد العملية الانتخابية والمس بنزاهة الانتخابات».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.