نحن الآن في يونيو 1976، والرجل الذي أسس البوليساريو قبل ثلاث سنوات في سنة 1972 سيختفي عن الأنظار إلى الأبد.. لا جثمان ولا قبر… ولذلك تواترت حينها الأسئلة والاستفهامات من رفاقه في فصائل الحركة الماركسية اللينية: "هل قتل الولي؟ إلى أعضاء بالاتحاد الوطني للقوات الشعبية" "هل انتحر الولي أم نحروه؟". مثل هذه الأسئلة وبهذا المضمون وفي هذا المستوى الكبير هو الذي جعل الكثير من رفاقه يميلون وبقوة إلى سيناريو تصفية مؤسس البوليساريو بقرار مسبق، وهم يعرفون حق المعرفة رفيقهم الولي مصطفى السيد الذي تربى في أحضان جيش التحرير المغربي، ودرس في جامعة الرباط، ويعرفون أيضا حقيقة قناعته من الصحراء والتي لم تكن يوما مع الانفصال ولا الاستقلال، و"الجماهير الصحراوية" و"الشعب الصحراوي" التي كانت تملأ بيانات البوليساريو ليست إلا اللغة السياسية بمرجعيتها الفكرية التي ولدت من رحم الأحزاب السياسية المعارضة في مملكة الحسن الثاني، من الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وأطياف الحركة الماركسية اللينينية، إلى التنظيم السري بقيادة الراحل الفقيه البصري، دون أن يناقش أي تنظيم الهوية المغربية عن الصحراء، كما تؤكد وثائق تاريخية ننشرها في هذا الملف، فما الذي حدث في اليوم الأخير من حياة الولي السيد؟ هل قتل؟ هل انتحر أم نحروه؟ ولماذا؟ … وستعرف الأحداث تسارعا بعد تنبه الولي مصطفى السيد- مؤسس جبهة البوليساريو- إلى تزايد النفوذ الجزائري الكوبي داخل الجبهة، وكان قرار إعدامه بعد تصريح له بأن تندوف جزء من الجمهورية الصحراوية، والكلام هنا للأستاذ الجامعي الموساوي العجلاوي لأسبوعية «الأيام»، ثم يضيف أنه بعد ذلك جرى إرسال الولي السيد على رأس حملة عسكرية لمهاجمة العاصمة الموريتانية نواكشوط، فقتل.
نحن الآن في يونيو 1976، والرجل الذي أسس البوليساريو قبل ثلاث سنوات في سنة 1972 سيختفي عن الأنظار إلى الأبد.. لا جثمان ولا قبر… ولذلك تواترت حينها الأسئلة والاستفهامات من رفاقه في فصائل الحركة الماركسية اللينينية: «هل قتل الولي؟ إلى أعضاء بالاتحاد الوطني للقوات الشعبية»، «هل انتحر الولي أم نحروه؟».
مثل هذه الأسئلة وبهذا المضمون وفي هذا المستوى الكبير هو الذي جعل الكثير من رفاقه يميلون وبقوة إلى سيناريو تصفية مؤسس البوليساريو بقرار مسبق، وهم يعرفون حق المعرفة رفيقهم الولي مصطفى السيد الذي تربى في أحضان جيش التحرير المغربي، ودرس في جامعة الرباط، والتقى الكثير من مناضلي اليسار الوطني، والمسيرة هاته بتفاصيل الحياة الطبيعية والدراسية والسياسية التي جمعته برموز المعارضة السابقة، هي التي وضعت الكثير من علامات التوجس على اليوم الأخير في حياة مؤسس البوليساريو، فهل قتل الولي؟ هل انتحر؟ ولماذا؟
فتح الولي عينيه سنة 1948 بمنطقة بئر لحلو جنوب البلاد، ومنها إلى طانطان بداية مشوار الدراسة، ثم إلى تارودانت، وبعدها إلى مراكش حيث معهد ابن يوسف بعدما حصل على منحة خولت له استكمال تعليمه الثانوي، حيث كان واحدا من الشباب الصحراوي الذين احتضنهم جيش التحرير، وقام قادة الجيش بتعليمهم في مؤسسات الدار البيضاء… وتشاء الصدف الماكرة أن يرحل عن الولي أحد رموز الصحراء، محمد بصري، في حادثة مؤلمة قتل فيها الاستعمار الإسباني الكثير من الشباب الصحراوي سنة 1970، ولذلك ازدادت قناعته بالنضال لتصفية الاستعمار، فأصبح حينها أحد العناصر النشيطة إلى حانب رفاق اليسار المعارض للحسن الثاني ولسياسته، وهكذا أصبح يكبر وينمو ويشتد عوده في الحياة والسياسية والنضال في الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، المنظمة الطلابية العتيدة حينها التي ألقى في أحد فضاءاتها بكلية الآداب بالرباط عرضا حول قضية الصحراء التي كانت قضيته الأولى، حيث أثار اهتمام رفاقه في اليسار بانشغاله البارز بقضية الصحراء، الذي سيبلوره في الوثيقة التاريخية التي وزعها على عدد من قادة الأحزاب الوطنية وقيادات الحركة الماركسية اللينينية يشرح فيها تاريخ الصحراء وجغرافيتها وثرواتها وقبائلها وعاداتها وعلاقاتها بالمغرب قبل أن يختم فيها الحديث قائلا: «إن الصحراء إقليم كسائر الأقاليم الصحراوية»، فلنستمع مرة أخرى للدكتور الموساوي العجلاوي: «وكانت بدايات الاتصال بين الولي والزعامات السياسية المغربية عن طريق الاتحاد الوطني لطلبة المغرب… ونظمت له عدة لقاءات متعددة ببيت محمد اليازغي، وتم الاتصال بعبد الرحيم بوعبيد وعلال الفاسي، وفي هذا السياق كتب الولي مصطفى السيد تلك الدراسة حول الصحراء وسلمت نسخة منها إلى علي يعتة، حيث طبعت في مذكرة خاصة، والنسخة الثانية منها نشرت في مجلة «أنفاس» في يناير 1972 تحت عنوان: «فلسطين جديدة في أرض الصحراء»… وتبرز التمثلات الأولى ل «القضية الصحراوية» من لدن الشباب الصحراوي الذي وضع أولوية أولى هي طرد الاستعمار الإسباني، ولم تكن أبدا فكرة الانفصال واردة لدى مجموعة الشباب التي ستؤسس جبهة البوليساريو في ماي 1973، وفي ديباجة هذه الدراسة تحدث الولي السيد عن العلاقات القائمة بين المنطقة والمغرب وكتب ما يلي: «ويمكن القول إن المنطقة كانت إقليما مغربيا كسائر الأقاليم المغربية الأخرى».
هذا هو الولي السيد حتى تأسيس جبهة البوليساريو، المنظمة التي أرادها الأداة الصلبة لطرد الاستعمار الإسباني، دون حديث عن انفصال أو استقلال ذاتي، ولعلها المقاربة والموقف الذي نهله من أدبيات الحركات اليسارية المعارضة التي لم تكن ترى نظام الحسن الثاني بعين الرضى، فكانت تنتقده وبشدة، ومنها من ذهب إلى انتقاد شرعيته، لكن دون أن تصل في هذا الصراع السياسي الحامي إلى رفع الهوية المغربية عن الصحراء.
كل الحركات السياسية المعارضة للحسن الثاني، من الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وباقي أطياف الحركة الماركسية اللينينية والتي تربي الولي السيد بين أحضانها، لم يسبق لها في أي وثيقة رسمية أو في أي من أدبياتها أن طالبت بانفصال أو استقلال أو حتى تشكيك في العلاقات التاريخية والجغرافية بين الصحراء والمغرب، وكل المطالب كانت تسير في إطار الربط بين تحرير الصحراء المغربية وإحقاق الديمقراطية، وهو ما تؤكده وثائق الحركات المغربية المعارضة الواردة في الصفحات الموالية، وهي نفسها اللغة والشعارات بفلسفتها ومرجعياتها الفكرية والسياسية التي تستعمل اليوم من طرف جبهة البوليساريو من «الجماهير الصحراوية» و»الشعب الصحراوي»، فلنستمع مثلا لمنظمة «إلى الأمام» في بيان تاريخي مع مطلع السبعينيات من القرن الماضي: «لقد شكلت جماهير الصحراء عبر التاريخ وحدة متينة مع الشعب المغربي، وهذه المسألة بديهية وواضحة تمام الوضوح، لكن الشعب المغربي قد تعرض إلى عملية تقسيم على أيدي الاستعمار الإسباني الذي عزل منطقة الصحراء عن باقي المغرب». والبقية في الصفحات الموالية تستحق الدراسة.
هذا هو السياق التاريخي الذي تربى فيه المصطفى السيد، وحتى حينما أسس البوليساريو في ماي 1973 فلم تكن له ميولات انفعالية، ويمكنكم هنا أن تتابعوا بعناية دقيقة في استجواب الأستاذ الموساوي العجلاوي، ما حدث في الشهور الأخيرة قبل وفاة مصطفى الولي السيد، من دخول الجزائر على الخط من أجل التحكم في البوليساريو باعتبارها حركة جديدة في الصحراء، بل ودخول جهاز المخابرات السوفياتي في هذا الملف من أجل تأسيس «الجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية»، وهو نفس التحليل الذي سبق للأستاذ اليازغي أن قاله لأسبوعيتنا في ملف سابق: «في سنة 1973، أسس الولي البوليساريو، لكن دون أن تكون له توجهات انفصالية، بل كانت أدة للتعبئة في إطار الوحدة الوطنية، لكن الجزائر استغلت تواجد الشباب الصحراوي على أراضيها فدخلت على الخط وأصبحت البوليساريو بيد المخابرات الجزائرية، فقد دخلت بإمكانياتها المادية والبشرية لتشجيع الشباب الصحراوي للذهاب بعيدا في المطالبة بتقرير المصير، وما من شك أن الولي دفع دفعا للهجوم على موريتانيا التي اعتبرت النقطة الضعيفة في المنظمة، ولذلك كان الولي قائد الهجوم على موريتانيا، وشجعوه على هذا الأمر، لأنهم كانوا يريدون معاقبة موريتانيا بسبب تحالفها مع المغرب، وفي نفس الوقت من أجل التخلص من الولي السيد الذي كان ذا شخصية قوية ويتمتع باستقلالية في الرأي» يقول القيادي البارز في الاتحاد قبل أن يختم: «وقد كانت الجزائر تريد قيادة أخرى، بحيث لو استمر الولي على رأس البوليساريو لما انحرفت هاته الأخيرة عن أهدافها الأساسية الأولى، ولذلك أقول إن الجزائر كانت لها أهداف مبيتة حينما دفعت الولي إلى قيادة الهجوم على موريتانيا، خاصة أن القادة الآخرين لم يشاركوا في هذا الهجوم».
نفس روح التحليل وردت في جلسة مكاشفة تاريخية للقيادي السابق في الجبهة، البشير الدخيل، في الندوة التي نظمتها الشبيبة الاتحادية حول مسارات حياة الولي السيد، وهو يشرح كيف انقلب كل شيء في المؤتمر الوطني الثاني للجبهة الذي أصرت الجزائر على عقده فوق أراضيها، فتم إنزال مجموعة من الصحراويين الجزائريين معظمهم من الجنود شبه المتقاعدين للسيطرة على الحركة والإطاحة بالأمين العام المنتخب الولي مصطفى السيد، الذي كان يحظى بشعبية كبيرة… تلاه حضور الولي والبشير الدخيل وبعض رفاقهما لمؤتمر الشبيبة التقدمية أواخر 1974 والمنعقد بالقرب من الجزائر العاصمة، وبعد عودتهم تمت الإطاحة بالولي السيد، فتولدت ردود فعل من طرف الجيش الذي حاول رد الاعتبار للولي السيد وسجن أعضاء اللجنة التنفيذية لأيام محدودة، فدخلت الجزائر بقوة، وفتحت المعتقلات السرية حيث اعتقل الولي، ولدت بوليساريو جديدة: «بعد هذه الأحداث المؤلمة، جاءت سنة 1976، وفُرض على الولي السيد الانتحار بعد تذليل وقطع رأسه ب «بنشاب» غرب مدينة نواكشوط في التاسع من يونيو من نفس السنة بعدما اعترف بأخطائه في خطابه المشهور يوم 20 ماي من نفس السنة في منظمة الربوني: «لقد ظلمنا شعبنا»!.