عادت الحياة إلى مراكش، وعادت معها البهجة للمدينة الحمراء، حمراء قبل الزلزال وحمراء بعده، لم تفقد العاصمة السياحية سياحها رغم القوة القاهرة. السياح فضلوا المكوث في أماكنهم المحجوزة، ورفعوا راية الوفاء والتضامن، احتراما لمدينة ألهمت سياحها بسحرها، وأسقت عيون العديد من الزوار الذين تعاقبوا على زيارة تاريخ المرابطين مرورا بالموحدين ووصولا إلى العلويين.
زلزال بقوة 7 درجات لم ينل من شهامة مدينة "سبعة رجال"، أسوار المدينة القديمة تناثرت حجراتها الحمراء على أرضية أزقتها الضيقة، لكن عراقتها التاريخية مازالت مسجلة في ذاكرة كل زائر، ذاكرة تحتفظ بأزلية المدينة، رئة المغرب السياحية إختنقت أحد عروقها لكن دون حدوث جلطة دموية مفجعة.
قبل شهور قليلة كانت مراكش على قدم الاستعداد، شوارع المدينة الواسعة غارقة في "روتوشات" التزيين لتزداد جمالا وروعة، تجديد هوية مراكش بصباغة الحمراء على الجدران، وتعبيد الطرقات الرئيسية المؤدية للمناطق الأكثر رواجا بالخرسانة أو الاسفلت، مع تنزيل اسطول مهم من التنخيل لإعادة حماسة المدينة.
تأهب يصطدم بفاجعة شتنبر
"مراكش" باللغة العربية، و"اموراكوش" بثقافة تيفيناغ، تحتفظ هذه المدينة التي تقع على بعد 327 كم جنوب شرق العاصمة المغربية الرباط، و239 كم جنوب شرق الدارالبيضاء، والمسجلة معظم مآثرها في سجل "اليونيسكو"، بعرمة من التسميات المستوحاة من التفاصيل المفصلة للمدينة.
المدينة الحمراء أو عاصمة النخيل "الجميع فيها كان يستعد لشهر شتنبر، قطاع الخدمات بأكمله كان يعمل على قدم وساق لهذا الشهر المكلوم، بالفندق الذي اشتغل فيه لم يهدأ من الاصلاحات لتدارك شهر تسعة" بهذه الكلمات نطق أسامة الشاب (الثلاثيني) الذي يعمل في أحد أفخم الفنادق المصنفة بمراكش.
تشتغل أغلبية الفنادق في الشهور الماضية استعدادا لشهر شتنبر، الذي يعد ذروة الموسم من ناحية الزوار، يقول أسامة ل"الأيام 24″ إن "جميع الفنادق المصنفة والتي تحظى بصيت عالي على المستوى العالمي تستعد لهذا الشهر، زيادة على ذلك سيحتضن المغرب في الشهر المقبل بمراكش أحداث دولية كبيرة كالإجتماع السنوي للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي".
بعد الزلزال برزت تساؤلات عن إمكانية ترحيل أو تأجيل تاريخ انعقاد الاجتماعات السنوية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، المقررة عقدها خلال الفترة الممتدة من 9 إلى 15 أكتوبر المقبل بمدينة مراكش.
بعد العمل على وضع تقييم شامل لقدرة مراكش على استضافة الاجتماعات السنوية، قرر البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبالاتفاق مع السلطات المغربية المضي قدما في عقد الاجتماعات السنوية للعام الجاري كما كان مخططا لها.." مؤمنين أن هذه الاجتماعات ستتيج الفرصة كذلك للمجتمع الدولي للوقوف إلى جانب المغرب وشعبه اللذين أثبتا مجددا صلابتهما في مواجهة الفواجع".
يضيف أسامة في حديثه أن "الفندق الذي اشتغل فيه قام بإلغاء جميع الحجوزات التي كانت مبرمجة في نصف هذا الشهر، بعدما ضرب الزلزال المنطقة".
الكارثة تشد الزوار
"منزلنا احدثت به شقوق نظرا لبنيته المادية المتهالكة، لذلك افترشنا الأرض خوفا من انهيار المنزل على رؤوسنا" هذه كلمات أميمة (25 سنة) التي أصبح منزلها يهدده أي خطر قريب، تضيف المتحدثة بانفعال "المدينة العتيقة بمراكش ينتظرها ترميم شامل لتفادي وقوع أي فاجعة أخرى".
زادت أميمة في حديثها ل"الأيام 24″ أن " من السياح من أصر على البقاء، ومنهم من شد رحاله إلى بلده خوفا من تفاقم الاوضاع، أسوار المدينة تأثرت شيئا ما وحتى أغلب المآثر التاريخية التي تم تشييدها في العصور الوسطى تضررت بفعل ذلك".
تقطن أميمة بمنطقة "الملاح" التي تكتسي شهرة واسعة لدى السياح، لكن لسوء الحظ تعرضت أزقتها لبعض الأضرار المادية عكرت شيئا ما صورتها للزوار المتوافدين على أشهر مكان بمدينة مراكش.
تمتد مساحة المدينة العتيقة حوالي 700 هكتار، حيث دمرت جزء من اسوارها العاتية التي بناها المرابطون في عام 1070، ومن بين أشهر المآثر التاريخية التي تضررت نجد "قصر الباهية" الذي بني في القرن التاسع عشر، لكنه مغلق في وجه الزوار.
تأثير طفيف
يرى سعيد الطاهري، المدير العام للفدرالية الوطنية للسِّياحة بالمغرب، أنه كان هناك انخفاض كبير في النشاط السياحي، وكانت هناك بعض عمليات إلغاء الحجوزات، وهذا رد فعل طبيعي"، مشيرا إلى أن هذه الإلغاءات لم "تتجاوز حدود 10 إلى 15 في المائة من الليالي المجدولة".
وأشار الطاهري في تصريح ل"الأيام 24″ أن مهنيي القطاع السياحي أظهرو مرونتهم في التعامل مع هذه الأمور وقاموا بطمأنة شركائنا في أبرز الاسواق"، مؤكدا على أن مراكش تبقى "وجهة آمنة"، وأن السياح يمكنهم الاستمرار في "القدوم إلى المغرب والاستمتاع بعطلتهم بكل أمن وأمان".
وأضاف المتحدث نفسه أن "اتحاد منظمي الرحلات السياحية الفرنسيين، أصدر بيانا أعلن من خلاله أن الرحلات السياحية إلى المغرب قد استؤنفت، وأن الحماس لوجهتنا لا يزال مرتفعا كما كان قبل الزلزال وانه ستتم مراجعة الرحلات المبرمجة للمناطق المنكوبة دون ان يؤثر ذلك على مجمل الرحلات".
وأوضح الطاهري على أنه هنالك "أكثر من 450 رحلة في مطار مراكش كل أسبوع"، لذلك أذكر أن مراكش وقطاع السياحة يؤكدان صمودهما، مشددا على أنه تم "تقييم غالبية المؤسسات السياحية في مراكش تقريبا ولم يلاحظ سوى عدد قليل جدا من آثار الزلزال على هذه المؤسسات".
في سياق متصل، قامت وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، فاطمة الزهراء عمور، يوم الاربعاء 20 شتنبر، بزيارة تفقدية لمراكش وإقليم الحوز للإطلاع على النشاط السياحي وتقييم وضعية المؤسسات السياحية.
وأكدت الوزيرة أن النشاط السياحي بمدينة مراكش "استعاد وتيرته العادية، وتأكد لنا ذلك خلال جولتنا في المدينة العتيقة التي ما زالت تستقطب السياح بفضل جاذبيتها القوية"، مضيفة أن "هناك بالتأكيد بعض الأضرار التي لحقت بالمدينة، إلا أنه تم التكفل بها بسرعة، ونود طمأنة شركائنا والسياح القادمين فيما يخص الوضع المستقر بمدينة مراكش".
السياحة والاقتصاد
مدينة "البهجة" و"المرح" لم تسلم من شدة الزلزال الذي ضرب بقوة 7 درجات على سلم ريختر، حسب ما أعلن عنه المعهد الوطني للجيوفيزياء، لكن بعد أيام معدودة أطلق نشطاء حملة على مواقع "فيسبوك" و "إنستغرام" و "إكس" تحمل وسم "مراكش آمنة".
ويعتبر قطاع السياحة بالمغرب مجالا حيويا نشطا داخل المجال الاقتصادي، حيث أفادت وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، فاطمة الزهراء عمور، سابقا بأن عدد السياح الذين زاروا المغرب في سنة 2022 بلغ 10,9 ملايين سائح، مؤكدة على أن "نسبة استرجاع السياح خلال نفس السنة بلغت حوالي 84 في المائة مقارنة مع 2019″، مشيرة إلى تجاوز المعدل العالمي لاسترجاع السياح ب 20 في المائة".
وتابعت في نفس السياق بالقول إن نسبة استرجاع المداخيل السياحية بالعملة الصعبة بلغت 112 في المائة إلى متم شهر نونبر، حيث وصلت قيمتها إلى 81,7 مليار درهم.
من جهته، يقول يوسف كيراوي، رئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير، إن السياحة بمدينة مراكش "تخلف مداخيل مهمة جدا، وترتكز على المناخ الجيد للمنطقة في مختلف الفصول، وأيضا الاستقرار الذي تعرفه" مشيرا إلى أنه "بعد الكارثة الطبيعية حصل ارتباك كبير بمدينة مراكش، و تم إلغاء عدد كبير من الحجوزات في الفنادق المصنفة".
وأورد يوسف كيراوي، في تصريح ل"الأيام 24″، أن "الدولة المغربية أعطت إشارات قوية يجب الانتباه إليها، وهي تأكيد الاجتماع الذي سيتم عقده مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي" موضحا أن "ذلك يدل على أن المدينة مازالت قائمة، وأيضا لمحاولة طمئنة الرأي العام الدولي والوطني وطي صفحة الزلزال".
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن الموارد السياحية الأساسية للبلاد "تأتي من مراكش"، وأنها تدخل في إطار "الإصلاح العام" الذي جاء به "صاحب الجلالة الملك محمد السادس".