Getty Images لفت أمريتبال سينغ (يمين) الانتباه على المستوى الوطني بعد أن تمكن من تأمين إطلاق سراح مساعده لفبريت توفان (يسار) من السجن خلال الأسبوع الماضي، اقتحم المئات من أنصار أمريتبال سينغ الذي يصف نفسه بالواعظ، قسم شرطة في ولاية البنجاب بشمال الهند، مطالبين بإطلاق سراح أحد مساعديه. وحطم حشد الشباب الغاضب - الذين كان الكثير منهم مسلحين بالبنادق والسيوف - الحواجز المقامة أمام المركز، ولم يغادروا المكان إلا بعد أن حصلوا على تأكيدات بإطلاق سراحه. وزعم مسؤولو الشرطة لاحقا أنهم لم يتمكنوا من منع الحشد من اقتحام المبنى، لأنهم كانوا يحملون الكتاب المقدس لدى السيخ ويحتمون به. وقد أدت الأحداث الأخيرة إلى لفت الانتباه في مختلف أنحاء الهند إلى سينغ، الذي يبلغ من العمر حوالي 30 عاما ويقول إنه يؤيد حركة خاليستان المطالبة بوطن منفصل للسيخ. ما أثار الدهشة أيضا هو مظهر سينغ، الذي كان شبيها بمظهر رجل يزعم أنه مصدر إلهام له، ألا وهو جارنيل سينغ بهيندرانوالي، وهو واعظ سيخي اتهمته الحكومة الهندية بتزعم تمرد مسلح بهدف إقامة وطن مستقل للسيخ في الثمانينيات. وقد قتل بهيندرانوالي خلال عملية "النجم الأزرق" المثيرة للجدل التي نفذها الجيش الهندي عام 1984. وقد لقي آلاف الأشخاص مصرعهم خلال حركة التمرد، التي استمرت قرابة عقد من الزمن. من بين هؤلاء زعماء بارزون وأشخاص عاديون استهدفهم المتمردون، في حين قتل العديد من الشباب السيخ خلال عمليات نفذتها قوات الشرطة - والتي قررت المحاكم الهندية في وقت لاحق أنها كانت مدبرة. ولا تزال ولاية البنجاب تعاني من الندوب التي خلفتها أعمال العنف تلك. يقول شاشي كانت المدير العام السابق للشرطة في البنجاب: "ما نراه في البنجاب يدفعنا بالتأكيد إلى التساؤل عما إذا كنا ماضين صوب حقبة مظلمة من التشدد. أجواء الخوف حقيقية وملموسة". لكن البعض يرى أن هناك نوعا من المبالغة في تقدير الشعبية التي يحظى بها سينغ. يقول البروفيسور بارميندر سينغ الأستاذ بجامعة غورو ناناك ديف بالولاية: "رغم أن الميول الانفصالية لم تخبو جذوتها تماما، فإنها فقدت التأييد الشعبي في التسعينيات. ليس كل سكان الولاية يؤيدون أمريتبال سينغ وأمثاله ممن يدعون إلى حركة عنيفة. لا يزال هؤلاء يمثلون نسبة صغيرة من السكان". كما صرح الوزير الأول لولاية البنجاب، بهاغوانت مان، بأن "الجميع يعيشون في تناغم" بالولاية، وبأن الطوائف المختلفة توجد بينها "روابط خاصة" رغم محاولات تدميرها. وأضاف أن "ألف شخص لا يمثلون البنجاب"، في إشارة إلى أنصار سينغ. * غورو ناناك المحاسب الذي أسس الديانة السيخية * حكاية ممر "السيخ" الذي لا يتطلب تأشيرة Getty Images كان العديد من أنصار سينغ يحملون البنادق والسيوف من هو أمريتبال سينغ؟ لا يعرف الكثير عن خلفية سينغ، سوى أنه كان من سكان قرية جالوبور خيرا بمنطقة أمريتسار في ولاية البنجاب، ثم انتقل إلى دبي في عام 2012 للعمل بتجارة النقل التي تمتلكها عائلته. تقول صفحته على موقع LinkedIn إنه حاصل على بكالوريوس الهندسة الميكانيكية من إحدى جامعات البنجاب، وإنه عمل في وظيفة "مدير التشغيل" بشركة لنقل البضائع. وتشير تقارير إلى أنه على مدى أعوام كثيرة كانت شعبيته مقصورة فقط على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث وجدت آراؤه حول وحدة السيخ وإقامة دولة لهم صدى كبيرا. في أغسطس/آب من العام الماضي، سافر من دبي إلى الهند، وبدا مختلفا بشكل كبير عن صوره القديمة التي ظهر فيها شعر رأسه ولحيته مهذبا. لكنه يبدو الآن كرجل سيخي متدين، بشعره غير المقصوص المطوي تحت عمامته الزرقاء، ولحيته الطويلة المسترسلة، وسواره المعدني الذي يرتديه حول معصمه وخنجره المقدس "الكربان" الذي يتدلى من خصره. * ما هي الديانة التي يتمسك أتباعها ب "العمامة"؟ * ما سر إقبال أتباع الديانة السيخية على فعل الخير؟ Hindustan Times أمريتبال سينغ (يمين) مع لفبريت توفان (وسط) وغيره من الأتباع في المعبد الذهبي في أعقاب إطلاق سراح الأخير بعد ذلك بشهر، عُين سينغ رئيسا لمنظمة "واريس بنجاب دي" (ورثة البنجاب) التي أسسها ديب سيدهو، وهو ممثل وناشط اعتقل بتهمة الضلوع في أعمال عنف اندلعت خلال مظاهرة للمزارعين، وتوفي في حادث سيارة العام الماضي. الاحتفال، الذي حضره آلاف الأشخاص، أقيم في قرية رودي مسقط رأس بهيندرانوالي. ما سبب شعبية سينغ؟ أنصار سينغ عادة ما يشبهونه ببهيندرانوالي، الذي يصفه بأنه "مصدر إلهام" له. يقلد سينغ في خطاباته بهيندرانوالي وآراءه المتشددة، إذ يطالب بشكل مباشر وعلني بدولة مستقلة للسيخ، ويزعم أن ذلك هو "الحل الدائم" الوحيد لمشكلات البنجاب، من النزاعات حول المياه إلى إدمان المخدرات إلى تراجع الثقافة البنجابية. لكن سينغ نفسه يرفض المقارنة، فقد صرح لصحيفة Indian Express (إنديان إكسبرس) العام الماضي قائلا "إنني لا أساوي مجرد التراب الذي كان يمشي عليه. أنا فقط أسير على الدرب الذي دلني عليه". يقول البروفيسور أشوتوش أستاذ العلوم السياسية بجامعة البنجاب إنه يعتبر الصعود المفاجئ لشعبية سينغ شيئا "غامضا" نظرا لصغر سنه. لكنه يضيف أن سينغ تمكن من اللعب على وتر مخاوف السيخ من خلال عقد مقارنات بين فكرة استقلالهم وبين الهوية القومية الهندوسية. * اعتقال 200 شخص إثر أعمال عنف دامية في احتجاجات مزارعي الهند Getty Images عاد سينغ من دبي في أواخر عام 2020 بعد إلغاء القوانين الزراعية التي فجرت احتجاجات في البنجاب لا تزال البنجاب، التي يطلق عليها لقب سلة خبز الهند، ولاية غنية نسبيا. لكن الخبراء يقولون إن مشكلة البطالة المتواصلة والأزمة التي يواجهها المزارعون أضرتا بالوضع الاجتماعي والاقتصادي للولاية. يقول البروفيسور أشوتوش: "مع تعالي أصوات أنصار حزب بهارتيا جاناتا الحاكم التي تطالب بدولة للهندوس، يشعر بعض السيخ بالحاجة إلى زعيم يتحدث عن الظلم الذي تعرضوا له ويستطيع أن يمثل مصالحهم ومشكلاتهم". أما البروفيسور خالد محمود، وهو أيضا أستاذ بجامعة البنجاب، فيقول إن وسائل التواصل الاجتماعي كان لها دور كبير في الشعبية التي يحظى بها سينغ لأنها أتاحت له فرصة "التواصل بسهولة مع عامة الناس". في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تزعم سينغ موكبا دينيا استمر شهرا عبر مختلف أنحاء الولاية بهدف تشجيع السيخ على ممارسة طقس التعميد والتوقف عن تعاطي المخدرات - وهي مشكلة خطيرة في البنجاب - ونبذ بعد التقاليد والعادات كدفع المهور والتفرقة على أساس الطبقة الدينية/الاجتماعية. بعد ذلك بشهر، احتل أنصاره صدارة العناوين الإخبارية في أعقاب تدميرهم لأثاث أحد المعابد السيخية بعد قول سينغ إن المتعبدين ينبغي أن يجلسوا على الأرض في حضرة الكتاب المقدس. يقول البروفيسور باميندر سينغ إن تزايد شعبية سينغ يمكن أن يعزى لشعور الكثير من الشباب في البنجاب بالإحباط وخيبة الأمل. "عدد من شباب البنجاب ليسوا أثرياء وغير متعلمين ولا يستطيعون الحصول على عمل وليست لديهم مصادر تمكنهم من السفر إلى الخارج. الكثير من هؤلاء ربما يكون قد جذبهم هذا النوع من الأصولية الدينية". لماذا يشكل صعوده مصدر قلق؟ عادة ما يشير سينغ في خطاباته إلى أن مطلب الدولة المستقلة للسيخ، أو "الخاليستان" هو مطلب مبرر تماما. كما أن له قدرة كبيرة على ما يبدو على استمالة أتباعه. Getty Images قتل جارنيل سينغ بهيندرانوالي في عملية عسكرية في عام 1984 غير أن الأهم من كل ذلك هو أن صعوده المفاجئ يعتبر بمثابة تذكير مخيف بتاريخ الولاية العنيف. بشكل عام، عادت الأمور إلى طبيعتها في البنجاب، بعد عقود من سفك الدماء. لكن القلق يساور البعض حاليا من أن الولاية قد تشهد اضطرابات من جديد. وصرح مسؤول كبير سابق بشرطة البنجاب كان قد التحق بها في الثمانينيات ل بي بي سي بأنه شهد الكثير من الهجمات على أقسام الشرطة في الماضي، "لكن هذه هي المرة الأولى التي بدت فيها الشرطة عديمة الحيلة إلى هذه الدرجة". كما يشير البروفيسور بارميندر سينغ كذلك إلى أن سينغ كان يتجول في البنجاب حاملا سيوفا وبنادق خلال الأشهر القليلة الماضية بدون أن تتخذ ضده أي إجراءات. "بشكل عام، هذا الاتجاه يشكل خطورة ولا ينبغي السماح له بالنمو، وإلا ستدخل ولاية البنجاب في أزمة خطرة".