أضحت متاعب الجزائر مع إسبانيا لا تنهي، خاصة مع دعم الأخيرة لمخطط الحكم الذاتي بالصحراء المغربية، حيث قللت إسبانيا اعتمادها على الواردات الجزائرية من الغاز بفعل عدم استقرار النظام السياسي لدى الحكام في الجزائر والذي ألغى معاهدة الصداقة بين البلدين بعد خطوتها الإيجابية اتجاه قضية الصحراء. وكشفت وسائل إعلام إسبانية، أن الولاياتالمتحدة، أنهت عام 2022 كمورد رئيسي للغاز الطبيعي لإسبانيا، مزيحة ريادة الجزائر التاريخية، كاشفة أنه في عام تضاعفت فيه الصادرات الإسبانية تقريبًا مقارنة بالعام السابق في سياق تميز بأزمة الطاقة الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية و"الصراع الدبلوماسي الذي أطلقه بيدرو سانشيز لصالح المغرب، وهو القرار الذي قوبل برد قاس من الجزائريين على فاتورة الغاز".
وأوضحت صحيفة " intereconomia" أنه وفقًا لنشرة Enagás الإحصائية لشهر دجنبر، استوردت إسبانيا ما مجموعه 128،749 جيجاوات ساعة (GWh) خلال عام 2022 جميع ناقلات الميثان على شكل غاز طبيعي مسال (LNG) – والتي تمثل 28.8 ٪ من الإجمالي ، وأكثر من ضعف ما كان عليه في العام السابق، حيث تأخرت الجزائر التي أرسلت 106.399 جيجاوات ساعة 23.8٪ من واردات الغاز لإسبانيا، على الرغم من تقليص مساهمتها بنسبة 40٪ مقارنة بعام 2021.
في هذا الإطار قال الخبير في مجال الطاقة أمين بنونة، إن إسبانيا خلال السنوات الأخيرة كانت تستورد ما يصل إلى 12 مليار متر مكعب من الغاز الجزائري، ما شيكل 10 إلى 20 بالمائة من حاجياتها، بحسب الكمية المتفق عليها في إطار العقدة بين البلدين.
وأضاف بنونة في حديثه مع "الأيام 24″ أن الأنبوب المغاربي الذي أوقفته الجزائر كان يوفر ما يصل إلى 10 مليار متر مكعب من الغاز، وهو ما أدى إلى تقليص هذه النسبة من صادرات الغاز الجزائرية اتجاه إسبانيا.
وأشار المتحدث نفسه، إلى أن الولاياتالمتحدة دخلت على خط الرفع من تزود إسبانيا بالغاز نظرا للحرب الروسية الأوكرانية وكذا بعد موقف الدولتين الداعم لمخطط الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، مشيرا إلى أن إسبانيا تعتبر أولى الدول في الاتحاد الأوروبي من حيث البنية التحتية لنقل الغاز الطبيعي وبعدها تأتي ألمانيا نظرا للعوامل الجغرافية.
من جهتها صحفية " intereconomia" أوردت أنه "بعد انخفاض الواردات من الجزائر، تم إغلاق خط أنابيب الغاز المغاربي – الأوروبي (GME) ، الذي كان ينقل الغاز من الجزائر عبر المغرب، بسبب الخلاف الدبلوماسي بين البلدين، والمشاكل مع الحكومة الإسبانية بشأن سيادة المغرب على الصحراء بعد أن أيد بيدرو سانشيز الطرح المغربي ضد أطروحة الجزائر".
وأشارت الصحفية، إلى أن نيجيريا 13.9٪ أرسلت من واردات الغاز الطبيعي، 61،904 جيجاوات ساعة، بزيادة 30٪ عن العام الماضي، في حين زادت روسيا وارداتها بما يقرب من 45٪ (53859 جيجاوات ساعة)، أي أكثر بقليل من 12٪ مما تلقته إسبانيا في عام 2022 على الرغم من الصراع مع أوكرانيا، مما دفع الاتحاد الأوروبي للبحث عن موردين جدد.
كما استوردت إسبانيا الغاز الطبيعي في عام 2022 من دول مثل فرنسا ومصر وترينيداد وتوباغو وقطر وغينيا الاستوائية وعمان والبرتغال والكاميرون وأنغولا، حيث أنه بشكل عام، زادت واردات إسبانيا من الغاز بنسبة 7٪ في عام 2022، لتصل إلى 446،550 جيجاوات ساعة.
وأوردت الصحفية أنه في شهر دجنبر الماضي قادت الولاياتالمتحدة أيضًا واردات الغاز ب 12،552 جيجاوات ساعة و 32.9٪ من الإجمالي، متقدمة على الجزائر (9،606 جيجاواط ساعة)، وروسيا (5،453 جيجاواط ساعة)، ونيجيريا (2،772 جيجاواط ساعة)، ومصر (2،474 جيجاوات ساعة). كما أنه في الشهر الأخير من عام 2022، وصل الغاز من ترينيداد وتوباغو وقطر والكاميرون وموزمبيق والبرتغال وفرنسا إلى إسبانيا.
وأشار المصدر ذاته، إلى أن الحجم الذي تلقته إسبانيا في دجنبر الماضي، وصل 72.9٪ على شكل غاز طبيعي مسال، بينما دخلت نسبة 27.1٪ المتبقية عبر خطوط أنابيب الغاز، لتحافظ على اتجاه العام الماضي.
وأضاف المصدر ذاته، إلى تضاعفت صادرات الغاز الطبيعي بجميع أشكاله في عام 2022، لتصل إلى 35.4 تيراواط ساعة من خلال الربطين الحاليين مع فرنسا، مضيفة أنه من جانبها، زادت حمولة سفن الغاز الطبيعي المسال بنسبة 45٪، من 17.2 تيراواط ساعة في عام 2021 إلى 24.9 تيراواط ساعة في عام 2022، وهو ما يمثل ثالث أعلى قيمة تاريخية.
وكان خوسيه مانويل ألباريس، وزير الشؤون الخارجية والاتحاد الأوروبي والتعاون الإسباني، قال إن بلاده لن تدخل في أي حوار مع الجزائر بخصوص الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها هذه الأخيرة ضد مدريد، بعد إعلانها دعم سيادة المغرب على صحرائه، كاشفا أن الأمر أضحى الآن بيد الاتحاد الأوروبي على اعتبار أن الجزائر خرقت الاتفاقية الموقعة مع بروكسيل.
وأكد ألباريس، في حوار مع وكالة الأنباء الإسبانية "أوروبا بريس"، أن استئناف العمليات التجارية في أسرع وقت ممكن بين إسبانيا والجزائر "مفيد للطرفين"، لافتا إلى تخلي الحكومة الإسبانية عن رغبتها في إعادة الوضع إلى طبيعته من خلال الحوار المباشر مع الجزائر، قائلا "بروكسيل هي التي عليها أن تتصرف، لأنها تتوفر على الآليات اللازمة لفعل ذلك".
وأوضح المتحدث نفسه، أن بلاده لم تفعل أي شيء لعرقلة العمليات التجارية، موضحا أن بلاده كلما اكتشفت عملية محظورة من طرف الجزائر ترسل إخطارا إلى المفوضية الأوروبية، الأمر الذي فسره بكون "السياسة التجارية سياسة مشتركة (بين دول الاتحاد الأوروبي)"، حيث أن المؤسسة لديها أدوات الحوار ووسائل الضغط، وهناك بالفعل اتصالات بين السلطات الأوروبية والجزائرية.
وأشار وزير الخارجية الإسباني إلى وجود إجراءات يمكن اتخاذها ضد الجزائر في حال ما استمرت في خرق الاتفاق التجاري الموقع بينها وبين الاتحاد الأوروبي، مشيرا إلى أن إسبانيا مستمرة في سياسة "اليد الممدودة، وتثق في إمكانية إعادة توجيه الأزمة بالنظر إلى الصداقة القائمة بين الشعبين الإسباني والجزائري".
وفيما يتعلق بالجاب المغربي، قال ألباريس إن إسبانيا "تتطلع إلى علاقة مثل تلك التي تربطها بجيرانها الآخرين، والتي تقوم على الاحترام المتبادلة والمصلحة المشتركة"، مؤكدا على أن هذا النوع من العلاقات ينبني على "عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول"، مضيفا أن الجزائر "مورد موثوق" عندما يتعلق الأمر بالغاز، حيث احترمت تعاقداتها الدولية رغم الأزمة الدبلوماسية القائمة منذ مارس الماضي.
وكان الاتحاد الأوروبي، قد وجه تحذيرا إلى الجزائر السنة الماضية، بشأن تداعيات القيود التجارية التي فرضتها على إسبانيا بعدما علقت "معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون" التي أبرمتها عام 2002 مع مدريد، وذلك بعد تغيير الأخيرة موقفها بشأن الصحراء المغربية، ونفت بعثة الجزائر لدى الاتحاد الأوروبي هذه القيود.
واعتبر مسؤول السياسة الخارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل ونائب رئيسة المفوضية المسؤول عن التجارة فالديس دومبروفسكيس أن هذا القرار "مقلق للغاية".