جيل مضى يعرف الصديق معنينو كنجم تلفزيوني في زمن ولادة التلفزيون المغربي، ولما كان هذا الجهاز يدخل كل بيوت المغاربة في سنوات الصراع السياسي، فإن الصحافي فيه تحول إلى شاهد قريب جدا من قلب صنع القرار في البلاد، وهكذا كان معنينو قريبا من الحسن الثاني في محطات مفصلية من تاريخ المغرب، وكان الملك يعتبر التلفزة سلاحه الخاص للانتصار لسياساته ضد المعارضة اليسارية التي كان سلاحها هو الصحافة المكتوبة. في هذا الحوار المطول، الذي ننشره عبر حلقات، يقربنا الصديق معنينو، الذي وصل إلى منصب مدير الإعلام والكاتب العام لوزارة الإعلام على عهد ادريس البصري، من أجواء الماضي التي ماتزال ترخي بظلالها على الحاضر، ويطوف بنا على الأجزاء الأربعة من مذكراته "أيام زمان". حكاية بترول «تمحضيت» في قارورة الوزير كان الهاجس الأساسي عند الوزراء هو الربط بين التلفزيون والتعديل الحكومي، ذلك أنه كلما تصاعدت الشائعات حول قرب تعديل حكومي، كان كل وزير يبحث عن وسيلة لاستعراض إنجازاته، وأذكر على سبيل المثال أن وزيرا، قبل تعديل حكومي بقليل، عقد ندوة صحفية أعلن فيها عن اكتشاف البترول بالمغرب،وبشر المغاربة بأنه سيكون كافيا ورخيصا وذا جودة عالية، وكدليل على ذلك أظهر للصحافيين « قارورة زجاجية صغيرة» فيها سائل أسود، وقال ..» هذا هو البترول الذي استخرجناه من الحجر الصخري من منطقة «تمحضيت»، بعد حفريات وأبحاث وعمل في المختبرات». بعد أسبوع حدث تعديل حكومي وبقي الوزير في مكانه لسنوات، رغبة في منحه الوقت الضروري لاستخراج النفط وتغطية الاستهلاك المحلي. أثار خبر اكتشاف هذه الصخور النفطية والشروع في إنتاج البترول فضولي، وقررت الذهاب إلى « تمحضيت» لمعاينة ما يجري هناك من تنقيب، وكسر الأحجار، وبناء المعامل و إنشاء المختبرات، لم أكن أعرف أين توجد «تمحضيت»، وبعد الرجوع إلى إحدى الخرائط، وسؤال وجواب، حددت مكان هذه القريةوتوجهت إليها على بركة الله. كنت على اقتناع أننا على مرمى حجر من تحول اقتصادي هام، ذلك أن اكتشاف البترول، كما أعلنه الوزير، سيساعد المغرب على الابتعاد عن النزيف المالي الذي يكونه شراؤنا بالعملة الصعبة لوارداتنا البترولية. عندما وصلت إلى «تمحضيت»، وهي قرية صغيرة منسية وسط الجبال، زرت القايد ، وسألته عن معمل «تمحضيت النفطي»، وعن مكان الحفر والتنقيب، وأخبرته أنني سأنجز «ماغازين» سيمرر يوم الأحد، ضمن الجريدة المتلفزة، كما سأقوم في نفس الوقت بإنجاز» شريط وثائقي» من خمسين دقيقة، أستجوب فيهالمهندسين والمختصين وعلماء المختبر وما إلى ذلك... ظل القايد صامتا وهو يتابع كلامي، كنت منفعلا ومستعدا لمواجهة كل المتاعب للانفراد بهذا الحدث. ابتسم القايد، وكان في الستين من عمره، وقال لي: «أرجوع الله السي معنينو، حتى أنت تثيق بالتلفزيون؟»، ومعنى ذلك «عد إلى رشدك، هل أنت كذلك تثق بما تردده التلفزة». أخبرني القايد أن بعض «الدراري» قدموا من الرباط ، حفروا حفرة صغيرة، وأخذوا بعض الأحجار وانصرفوا...» ليس هناك لا معمل، ولا تنقيب ولا مختبر»، لكنني ألححت وتوجهت لمعاينة مكان الحفر، فإذا بي في «أرض خلاء» وسط مرتفعات قاحلة وأرض جرداء، أمامي حفرة صغيرة صورتها من اليمين ومناليسار، ضحكت لغبائي وعدت إلى الرباط». فوجئت بعد ذلك بعدة شهور بأن الحسن الثاني قام بزيارة لمنطقة «تمحضيت»، وتجول فيها، ودخل نفقا صغيرا، جدرانه كانت مكونة من الصخور النفطية. وضع الحسن الثاني قبعة حديدية على رأسه، وكذلك فعل الوزراء، وخاصة وزير الطاقة، الذي قدم الشروح وضخم المعلومات، ورددنا في التلفزة بأننا على وشكالبداية في استغلال الأحجار الصخرية، وضمان الاكتفاء الذاتي من مادة البترول.