شقيق الجنيرال الدليمي يفتح المجال للرأي العام بعد أكثر من ثلاثة عقود ليعرف أن عائلته عاشت عقب وفاته كما عاشت قبلها عائلة أفقير محنة أشد. وإذا كان محمد يرفض الدخول في تفاصيل حادثة أخيه التي أودت بحياته. فإن نباهة القارئ لن تخطئ في كون ما جرى لهذه العائلة وكذا طلب الأجهزة منها أن تتبرأ من الجنيرال كانت مدبرة. في "الأيام 24" نعود لنقلب في الذاكرة من خلال إعادة نشر حوار سابق لمحمد الدليمي شقيق الجنرال، أجراه مع أسبوعية "الأيام" سنة 2005، ونعيد نشره لتعم الفائدة.
يعيش بشقة متواضعة في حي شعبي بمدينة القنيطرة، وبها يسترجع معنا مأساته وذكريات أبنائه الذين افترق معهم في ميناء طنجة سنة 1989، فغادورا إلى الديار الفرنسية، بينما ألقي به في معتقلات الشرطة والمخابرات المغربية، بعدما حاول العبور بجواز سفر مزور، كان كاتبا عاما لعمالة إقليمالقنيطرة، قبل أن يعفى من مهامه بأمر من إدريس البصري بعد وفاة شقيقه الغامضة في حادثة السير الشهيرة مطلع سنة 1983 بمراكش في لقاء جمعه بالحسن الثاني بالقصر الملكي بنفس المدينة. إنه محمد الدليمي الشقيق الأكبر للجنيرال أحمد الدليمي، الساعد الأيمن للجنيرال أفقير في فترة السبعينات، ورئيس المخابرات المغربية بعد انقلاب 72، وأشهر المسؤولين وأقواهم بعد الملك الحسن الثاني. يروي أحمد رامي صديق الدليمي في كتابه "من يحكم المغرب" أن الجنيرال كان يستعد للانقلاب على النظام الملكي في لقاء جمعهما في ستوكهولم في شهر دجنبر 1982، قبل أن يتم تصوير اللقاء من طرف بعض الضباط الذين سلموه للحسن الثاني، وهو الملف الذي واجه به الجنيرال بالقصر الملكي بمدينة مراكش قبل الحادثة. إننا أمام أكبر الألغاز المحيطة بوفاة أقوى رجل دولة في العهد القديم بعد الجنرال أفقير، وإذا كانت هذه الروايات صحيحة فإننا أمام تصفية جسدية تسمى بلغة الحقوقيين انتهاكا جسيما للحق في الحياة وبقواميس السياسة اغتيالا، رغم رفض شقيقه في هذا الحوار الفصح عن تفاصيل الحادثة وتأكيده أنها قضاء وقدر. من هو محمد الدليمي؟ محمد الدليمي ابن الحاج لحسن الدليمي، وهو أخ شقيق للجنيرال أحمد الدليمي، الذي توفي يوم 25 يناير 1983 بمدينة مراكش، حينما كان عائدا لمنزله بحي النخيل بمراكش، بعد لقاء جمعه مع المرحوم الحسن الثاني بالقصر الملكي بالمدينة الحمراء. ويشهد الله أن العلاقة التي كانت تجمع الملك الحسن الثاني والجنيرال أحمد الدليمي، هي نفس العلاقة التي كانت تجمع النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالصحابة رضوان الله عليهم. ما طبيعة العلاقة التي كانت تجمع محمد بالجنيرال الدليمي؟ إنه أخي وشقيقي الذي ساعدني كثيرا، لدرجة أنه أصبح في نظري بمثابة الأب وليس الأخ الأكبر، وبعدما توفيت أمي في سنة 1950 تزوج أبي من بعدها، وكان آنذاك أحمد الدليمي ضابطا تلميذا بالأكاديمية العسكرية بمدينة مكناس، وبعد حصول المغرب على استقلاله عين أخي أحمد ملازما بوحدة عسكرية بالريش قرب قصر السوق سابقا الراشيدية حاليا. وهو من أنقذنا أنا وأخي الأصغر ونور الدين من مأساة كبيرة، تسببت لنا فيها زوجة الأب. وبعد فترة الستينات كيف أصبحت علاقتكما؟ ظل متكفلا بي إلى حدود سنة 1970، رغم أنه قضى ثمانية أشهر بسجن "لاسنتي" بالديار الفرنسية في قضية المهدي بنبركة. وبعد سنة 1970 أخذ كل منكما طريقه الخاص؟ تماما. هل كنتم تتحدثون في بعض المواضيع التي لها علاقة بشؤون الدولة خصوصا، و أحمد الدليمي كان يشغل تلك الفترة منصب المدير المساعد للإدارة العامة للأمن الوطني؟. أبدا فقد كان أحمد الدليمي رجل سلطة، ولا يسمح لأحد من أقاربه أن يناقش معه المواضيع ذات صبغة سياسية. كيف يمكنكم أن تؤكدوا أن الجنرال لم يكن له طموحاته السياسية الخاصة؟ إن الرأي العام يعرف موقفي مما جرى يوم 25 يناير 1983، ويتمثل في اقتناعي بما جاء في بلاغ الديوان الملكي بخصوص أن حادثة السير كانت قدرا محتوما ولا راد لقدر الله. وبالمناسبة فقد سبق للأيام أن تطرقت لقضية الوفاة الغامضة للجنيرال الدليمي، وبناء على كتب تاريخية ووثائق عديدة تأكد لأصحابها أن أحمد الدليمي كان هو الآخر يفكر في الوصول إلى السلطة بمملكة العهد القديم مثلما كان يفكر في نفس الأمر الجنيرال أوفقير واعبابو والمدبوح؟ وادريس البصري، وزير الدولة في الداخلية القوي على عهد المرحوم الحسن الثاني أكد في مجلة "لانتجان" الفرنسية، أن أحمد الدليمي كان رجلا وطنيا محبا لملكه ووفيا له، ولم يقل أنه كان رجلا خائنا. البصري ليس مصدرا موثوقا؟ لكن العدالة الفرنسية برأت أحمد الدليمي في هذه القضية بصفة رسمية، وأرجوكم ألا تجروني بالاستفزازات احتراما للعدالة الفرنسية المحترمة على الصعيد العالمي. ألم يحك أحمد الدليمي سبب تورطه في قضية اختطاف واغتيال الشهيد بن بركة بعد عودته من الديار الفرنسية سنة 1967؟. لم يرو لي أي شيء، لكنني لاحظت بأمي عيني كيف نقص وزنه على الأقل عشرون كيلوغراما، وهذا يعني أنه كان كبقية السجناء في سجن "لاسنتي" ولم يستفد من أية امتيازات حتى وإن كان "كموندو" بالجيش المغربي. ما هي الوظيفة التي كنتم تشغلونها؟ لقد كنت كاتبا عاما لعمالة إقليمالقنيطرة. ومتى شغلت هذه الوظيفة؟ منذ يناير 1982 وبعد مرور ستة أشهر على تراجيديا، 25 يناير 1983 سلمني حمودة القايد الذي كان عاملا على إقليمالقنيطرة برقية موقعة من طرف إدريس البصري بصفته وزيرا للداخلية موضوعها إعفائي من مزاولة مهامي ككاتب عام لعمالة إقليمالقنيطرة. لم ترتكب أي خطأ جعل البصري يؤشر على قرار إقالتك؟. أبد، ويمكنكم كصحافيين أن تبحثوا في هذا الأمر خصوصا أن المسؤولين الإداريين الذين كنت أشتغل معهم لا زالوا على قيد الحياة. هل كنتم تلتقون بإدريس البصري؟ بطيعة الحال لقد كان صديقا حميما كان مؤنسا واجتماعيا ..لكن بعد أحداث 20 يونيو 1981 بالدارالبيضاء تغير إدريس البصري ولم يعد كما كنت أعرفه. كيف؟ بدت تصرفاته قاسية وسلوكاته سلطوية. لماذا؟ بسبب ما جرى من أحداث بمدينة الدارالبيضاء، فبعد أوامر الحسن الثاني إلى تقسيم عمالة الدارالبيضاء إلى ست عمالات على رأسها والي، بإشراف البصري لاحظت كيف تغيرت سلوكات البصري لأني كنت أرافقه. لماذا؟. لأنه كان يخشى من قرار إقالته من وزارة الداخلية، وقد أحسست بذلك من خلال الطريقة التي كان يتحدث بها معي، لدرجة أنه بدأ يستعطفني لأتوسط له لدى الجنيرال أحمد الدليمي. وفعلا اتصلت بالجنيرال، وإن كنت أعرف أنه يرفض تدخل أقاربه في شؤون الدولة الرسمية، وفي نفس الأسبوع وفيما كان أخي بمنزله بمدينة إيفران يستعد للقاء سام بالراحل الحسن الثاني التحق به أحد أفراد عائلتي فاستعطف هو الآخر الجنيرال. أؤكد لكم أن إدريس البصري كان ينتظر إقالته من كرسي وزير الداخلية، والأمر يعرفه إدريس البصري جيدا. بعدما انتهى الجنيرال من لقاء العمل الذي جمعه بالمرحوم الحسن الثاني الذي كان جد قلق، عاد لفيلته بإيفران حيث وجد إدريس البصري، فأخبره كما قال لي قريبي أن النقاش مع الحسن الثاني في موضوعه، كان جد صعب وبالكاد استطاع أن يقنعه بأن يظل وزيرا للداخلية شريطة أن يدافع عن نفسه أمام البرلمان وهناك قال قوله الشهيرة (شهداء كوميرة). أنتم تجهلون الأسباب الإدارية المباشرة لإعفائكم من مهمة كاتب عام لعمالة إقليمالقنيطرة فهل بإمكانكم أن تشركونا في الفرضيات؟. أود أن أشير أولا أن محمد الدليمي ليس الوحيد الذي طاله قرار الإعفاء، بل أعفي الدبي القدميري الذي كان عاملا على عمالة إقليممكناس، ومحمد الدخيسي العامل على عمالة إقليمخريبكة، وبالمناسبة فقد كان هذا الأخير صهر الجنرال أحمد الدليمي متزوج من أخت زوجته زهرة، كما أعفي المختار الذي كان خليفة قائد قيادة نزالة بني عمار بمولاي إدريس زرهون. وماذا يعني بالنسبة لكم إعفاء إدريس البصري لكل الذين كانت لهم علاقة عائلية أو شخصية بالجنيرال. ؟ ربما لأنهم يعرفون أسرار إدريس البصري، واستمرارهم في وظائفهم قد يضايقه. طيب كيف أصبحت علاقتك مع إدريس البصري؟. لقد ألقي بي إدريس البصري في الجحيم، فقد كنت أتقاضى أجرا شهريا يقدر 4200 درهم، وبعد إبعادي 1983 أصبحت أتقاضى 1950 درهم، أما اليوم وبعد مرور أزيد من عقدين فإنني لا أتقاضى سوى 3350 درهم. حتى الفيلا التي كنت استفدت منها قبل قرار الإعفاء، حرمت منها مباشرة بعد وفاة الجنيرال. ولهذه الأسباب فكرت في مغادرة أرض الوطن بجواز سفر مزور؟. طبعا، بحكم ما عانيت منه أنا زوجتي الأولى وأبنائي من ملاحقات في كل الأماكن، لدرجة أصبح جيراننا ينفرون من لقائنا وكأننا لسنا أبناء هذا الوطن. متى كانت محاولة الفرار؟ في فاتح يناير سنة 1987. ولما لم تستعمل جواز سفرك الحقيقي؟. لأنهم لم يسمحوا لي بتجديد جواز سفري الذي انتهت مدة صلاحية في سنة 1984. وتم اعتقالكم بميناء طنجة؟. اعتقلوني بعد اكتشاف جواز سفري المزور دون أن يعرفوا هويتي، ولذلك استغليت الفرصة، وانتظرت مرور أزيد من ساعتين حتى يتمكن أبنائي وزوجتي الذين استعملوا جوازات سفر حقيقية من الوصول إلى ميناء الجزيرة الخضراء، لأنه لو اكتشفوا أن صاحب جواز السفر المزور هو أخ الجنرال أحمد الدليمي لاعتقلوا زوجتي وأبنائي، من خلال الاتصال بضابط الأمن الموجود على متن الباخرة. بعدما أحسست بوصول أفراد أسرتي إلى الديار الاسبانية أخبرتهم بهويتي، فرحلوني إلى مخفر الشرطة الإقليميةبطنجة واعتقلوني هناك مع مجرمي الحق العام. وحول ماذا حققوا معك؟. دام التحقيق حوالي ثلاثة أيام حول أسباب مغادرة التراب الوطني، ومغادرتي بتلك الطريقة اجتماعية، ولا على علاقة لها بأمور السياسة أو شيئا من هذا القبيل. كم تبلغ تركة الجنيرال؟. لا يمكنني أن أجيبكم على هذا السؤال. هل هي على أية حال تركة مهمة؟. بطبيعة الحال وهي ملك لزوجته وأبنائه، أما محمد الدليمي فإنه لازال يعيش المأساة منذ وفاة الجنيرال، وإخوته أيضا مشردون في الشارع. وأما ظهير تعييني رئيسا لدائرة وكاتبا إقليميا، فلا زال مجمدا بوزارة الداخلية إلى يومنا هذا، ولكم أن تسألوا بن طاهر الذي كان مساعدا لمصطفى بن كيران آنذاك. منذ 1983 وأنا أوجه الشكايات للمسؤولين بهذه المديرية دون جدوى، ثم اتصلت بعد ذلك بأحمد مطيع حينما كان واليا على مدينة الدارالبيضاء الكبرى وعاملا في نفس الوقت على عمالة أنفا، فشكوت له ما جرى لي مع إدريس البصري، ووعدني بمفاتحة الموضوع في أقرب الفرص فكانت الصدمة الكبرى. لقد أخبرني مطيع حسب ما راج في لقاء مع إدريس البصري بمنزل مطيع سنة 1992، أن علي أن أكتب شكايات أتبرأ فيها من أخي الجنيرال أحمد الدليمي، وأقسم لكم أن هذه الفكرة الشيطانية من المستحيل أن يكون مطيع صاحبها.