سجلت رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان ، أمنة بوعياش، استمرار آثار الجائحة على المستويين الاجتماعي والاقتصادي، وتأثير غلاء الأسعار بشكل كبير على تمتع المواطنين بحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية، مؤكدة على ضرورة التعجيل بإخراج منظومة الاستهداف وإعادة ترتيب أولويات السياسة العمومية. بوعياش، خلال تقديمها التقريره السنوي برسم سنة 2022، أبرزت التداعيات الجيواقتصادية للحرب الأوكرانية الروسية على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية على غرار العديد من دول العالم، وهو ما يتجلى، على حد قولها، في الارتفاع الكبير لأسعار المواد الطاقية والحبوب، مما أدى إلى موجة تضخم غير مسبوقة شكلت ضغطا كبيرا على المعيش اليومي للمواطنين. ويعد أبرز تهديد لحقوق الإنسان في العالم، حسب بوعياش، تسارع وتيرة التغيرات المناخية، المعاصر، وتكمن خطورتها، وفق بوعياش، في كونها تشكل تهديدا وجوديا كما يتضح ذلك من خلال المستوى غير المسبوق للإجهاد المائي الذي عرفته بلادنا خلال هذه السنة. كما أشارت بوعياش إلى تحديات استعمال التكنولوجيا الرقمية وممارسة الحريات، حيث سجل المجلس ممارسة حريات بالفضاء الواقعي من حيث التجمعات وتكوين الجمعيات وامتداد ممارستها بالفضاء الرقمي مما ساهم في توسيع مجال ممارسة الحريات، خاصة على ضوء تطور التعابير العمومية داخل منصات التواصل الاجتماعي. ونظرا للدور الحيوي للمعلومات في ضمان السير العادي لآليات النظام الديمقراطي ودعم آليات مكافحة الرشوة وتعزيز مختلف أوجه المشاركة المواطنة وتحسين حكامة المؤسسات وتفعيل آليات المساءلة، فإن المجلس أكد على توصيته باعتماد "قانون حرية تداول المعلومات" لتزويد الرأي العام بالمعلومات الموضوعية حول تدبير الشأن العام من طرف المؤسسات العمومية. تقول بوعياش واعتبر المجلس أن إقرار قانون حرية تداول المعلومات بمثابة إصلاح هيكلي ومقوم أساسي من مقومات التنمية في كل أبعادها وأحد أهم شروط بناء الثقة المتبادلة بين الدولة والمجتمع. ودعت بوعياش إلى إعادة ترتيب أولويات السياسة العمومية في مجالات التعليم، والصحة والحماية الاجتماعية، مضيفة أن عددا من القضايا اكتست زخما جديدا، كما هو الشأن بالنسبة لإشكالية المساواة وحقوق المرأة، وتعزيز ضمانات حرية التعبير على ضوء التحديات الجديدة التي أصبحت تفرضها التكنولوجيات الرقمية، وما يترتب عن ذلك من امتداد من الفضاء العمومي الواقعي إلى الفضاء العمومي الافتراضي كحاضن أساسي متجدد لممارسة حرية التعبير. ومن جهة أخرى سجلت بوعياش تأثير غلاء الأسعار بشكل كبير على تمتع المواطنين بحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية، منبها إلى أن تطورات العوامل الداخلية والخارجية للتضخم تبين أن الموجة الحالية قد لا تنتهي في الأمد القريب، ولذلك ينبغي مواجهة الآثار السلبية للتضخم عبر مقاربة تزاوج بين الإجراءات والتدابير الآنية المستعجلة التي تروم إعادة التوازن إلى أسعار المواد الأساسية والخدمات الحيوية للمواطنين من جهة، والتدابير الاستباقية التي تستهدف التأثير في العوامل المؤدية إلى التضخم من جهة ثانية. ولمواجهة الوضع، شدد رئيس المجلس على ضرورة الاعتماد على الذات عبر توجيه النموذج الفلاحي المعتمد لتحقيق الاكتفاء الذاتي، بما يسمح بضمان الأمن الغذائي واستقرار أسعار الغذاء والخدمات الأساسية. وأكد التقرير أن الوعي بالتداخل الكبير بين إشكالية التضخم وبين مختلف السياسات الاجتماعية، خاصة التعليم والصحة وضمان خدمات عمومية سيساهم بشكل كبير في رفع القدرة الشرائية للمواطنين، داعيا إلى استعجال إخراج منظومة الاستهداف إلى حيز الوجود مع العمل على تحيينها بشكل دوري. واعتبر التقرير أن هذا التضخم القياسي الذي تعيشه البلاد يرجع لعوامل خارجية على رأسها الحرب في أوكرانيا، والتقلبات الكبيرة في أسعار المواد الطاقية والزراعية، و الارتباك على مستوى سلاسل التوريد العالمية، ولكون الاقتصاد الوطني شديد الاندماج في الاقتصاد العالمي ومنفتح بشكل كبير على التجارة الدولية، استيرادا وتصديرا، مما يجعله معرضا للتقلبات الجيوقتصادية الدولية بشكل كبير. كما يرجع التضخم، حسب ذات التقرير، لعوامل داخلية، حيث لم تكن سنة 2022 سنة جافة فحسب، بل إنها تميزت كذلك بظهور الأثر التراكمي لسنوات الجفاف المتعاقبة. وقد تجلى ذلك بالأساس في التراجع الكبير في المواد المائية بكل أصنافها، وهو ما أثر بشكل كبير على القطاع الفلاحي، سواء فيما يتعلق بتراجع قدرته على التشغيل أو من خلال مساهمته في ارتفاع نسبة التضخم بسبب غلاء أسعار المواد الغذائية ذات الأصل الزراعي المحلي وأوصت رئيسة المجلس بضرورة تفعيل الآليات المؤسساتية المناط بها تنظيم مراقبة منظومة تسويق السلع والخدمات، ومحاربة أشكال الاحتكار والمضاربة وغيرها من الممارسات المنافية للقانون، وإعمال آليات مناهضة الإفلات من العقاب. ودعت في هذا الصدد إلى الإسراع بإخراج النصوص التنظيمية التي ستمكن مجلس المنافسة من الاضطلاع بمهامه في هذا المجال.