خلفت تصريحات رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أمينة بوعياش، بخصوص قضية محاكمة القيادي في حزب العدالة والتنمية، عبد الحالي حامي الدين، على خلفية مقتل الطالب اليساري أيت الجيد؛ استهجانا واسعا من لدن بعض القيادات في حزب “البيجيدي” وكذا أعضاء تنظيماته وهياكله. في هذا الصدد، وجهت البرلمانية عن حزب العدالة والتنمية، بثينة القاروري، انتقادات شديدة اللهجة إلى أمينة بوعياش، معتبرة أنها “سقطت في امتحان الاستقلالية وعبرت عن جهل فظيع بمقتضيات القانون”. القاروري وجهت سهام انتقاداتها اللاذعة إلى بوعياش، مخاطبة إياها عبر رسالة مفتوحة جاء فيها: “لقد سمحت لنفسك بإصدار فتاوى قانونية عجيبة، من المؤسف أن تصدر عن أشخاص أناط بهم المشرع حماية الحقوق والحريات”، قبل أن تضيف: “إذا كان لكل داخل دهشة، فإن المطلوب هو الإلمام الجيد بالملفات قبل إطلاق العنان للمواقف التي تعتبر تجاوزا لواجب التحفظ وتدخلا من شأنه التأثير في القضاء”، وزادت: “كان عليك الإلمام بتفاصيل وتعقيدات قضية من أغرب القضايا التي ينظر فيها القضاء المغربي اليوم بعدما تم بعثها بقدرة قادر بعد أكثر من ربع قرن من الزمان”. واستهلت زوجة القيادي عبد العالي حامي الدين في معرض رسالتها الموجهة لرئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بتذكير هذه الأخيرة بالفقرة الأولى من المادة 41 من القانون المتعلق بإعادة تنظيم المجلس، والتي “تلزم أعضاء المجلس بالامتناع عن اتخاذ أي موقف أو القيام بأي تصرف أو عمل من شأنه أن ينال من استقلاليتهم”، مشيرة إلى أنها تابعت باستغراب كبير الخرجة الإعلامية لرئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان التي جاءت في سياق دقيق يتطلب من الجميع بعث رسائل الأمل والاطمئنان على المكتسبات الحقوقية التي راكمها الشعب المغربي بفضل نضال القوى الحية في البلاد، مستدلة على كلامها بالقول “أمينة بوعياش حادت عن واجب الاستقلالية وتدخلت بشكل سافر في موضوع معروض على القضاء، لا تخفى على الجميع خلفياته السياسية..”. وذكرت المتحدثة أنه لم يكن من الأنسب إقدام بوعياش، التي جرى تعيينها حديثا، على الخوض في موضوع قانونية المتابعة الجارية في حق حامي الدين من عدمها، واصفة هذه الخطوة بكونها “تمس بمصالح أحد الأطراف في قضية كان من المفروض أن لا تعرض على القضاء أصلا”. رئيسة لجنة المناصفة بمجلس النواب، صعدت من حدة هجومها على أمينة بوعياش قائلة: “فما تعتبرينه -سيدتي- حق العائلة في اللجوء إلى القضاء يعتبره الطرف الآخر شكاية كيدية لأغراض سياسية وله ما يثبت ذلك، وما تعتبرينه قضية لا تسقط بالتقادم يمكن أن يكون أحد مبطلات الدعوى من الناحية القانونية بالنسبة للطرف الآخر، والقضاء وحده هو من له كلمة الفصل، وما تعتبرينه "توترا وخوفا من القضاء" يعتبره الطرف الآخر دفاع عن القضاء وعن استقرار أحكامه ودفاعا عن الأمن القضائي الذي ما فتئ جلالة الملك يؤكد عليه في العديد من الخطب والمناسبات”، مستطردة، “والأخطر من ذلك أنك حسمت في شرعية المتابعة دون أن تكلفي نفسك عناء الرجوع إلى قانون المسطرة الجنائية الذي يبقى الأساس المرجعي الذي لا غنى عنه لإثبات أو نفي قانونية المتابعة من عدمها، ولتعزيز موقفك، غير المستند إلى أي أساس قانوني، قمت بالإشارة إلى التجارب الدولية دون تدقيق أي قضية من القضايا التي أعيدت فيها المحاكمة مرة ثانية بناء على نفس الوقائع، وبغض النظر عن الاحتمال التضليلي في هذه الإحالة فإن الطرف الآخر يعزز موقفه بالكثير من القضايا التي انتصرت إلى قاعدة قوة الشيء المقضي به وقاعدة عدم جواز محاكمة الشخص مرتين على نفس الفعل non bis in dem وهي قاعدة راسخة في القضاء الأوروبي وهناك عشرات القرارات من المحاكم الأوروبية ومن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في الموضوع.” فضلا عن ذلك، أوردت القاروري ضمن رسالتها: “ومن المستغرب، وأنت تترأسين مؤسسة وطنية دستورية أوكل لها المشرع تشجيع كافة القطاعات الحكومية والسلطات العمومية المعنية على تنفيذ التوصيات الصادرة عن أجهزة المعاهدات، فبالأحرى على احترام المعاهدات التي صادق عليها المغرب، أن تقومي باستبعاد – وبشكل متسرع وتبسيطي -مقتضيات الفقرة السابعة من المادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية التي تجرم محاكمة شخص على نفس الفعل مرتين.. قبل أن تعترفي بأنه لا معرفة لك بتفاصيل هذا الملف!! لقد سقطت سيدتي في امتحان الاستقلالية وعبرت عن جهل فظيع بمقتضيات القانون وسمحت لنفسك بإصدار فتاوى قانونية عجيبة، من المؤسف أن تصدر عن أشخاص أناط بهم المشرع حماية الحقوق والحريات”. وختمت المتحدثة ذاتها رسالتها بالقول، “طبعا، لم نسمع أي ضجيج عن الذين يتباكون على استقلالية السلطة القضائية، ولم نسمع لأحدهم تنبيها لرئيسة مؤسسة دستورية أن من شأن كلامها أن يعتبر تدخلا وتأثيرا مباشرا في القضاء، خصوصا حين سمحت لنفسها بحسم بعض القضايا الدقيقة التي لم يجرأ حتى قاضي التحقيق على الحسم فيها وتركها لقاضي الموضوع وهي القضية المتعلقة بسقوط الدعوى العمومية مع وجود قرار قضائي حائز على قوة الشيء المقضي به (المادة 4 من قانون المسطرة الجنائية)”. تجدر الإشارة أن أمينة بوعياش كانت قد عبرت عن موقفها من إعادة محاكمة القيادي في حزب العدالة والتنمية، عبد العالي حامي الدين، المتهم ب"المساهمة في قتل" الطالب اليساري أيت الجيد بنعيسى، "قائلة أنا أحترم دعوة عائلة الضحية". وأكدت بوعياش خلال استضافتها في أحد البرامح التلفزية كرئيسة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، "ليس هناك تقادم من حيث التقاضي ولا بد أن تكون لدينا الثقة في القضاء"، موضحة، "القضاء لم يحسم بعد، وعلى المستوى الدولي نجد أمثلة مشابهة، فلماذا نتخوف؟ ولا يمكن أن نثير التوتر في أي قضية".