اكتشفت بعض دور الأزياء الفرنسية في أغطية الرؤوس بمختلف أشكالها، منجما ذهبيا في مجال الأناقة النسائية والرجالية، وتفننت في طريقة التعامل مع إكسسوارات الرأس مستلهمة أفكارها من ثقافات وعادات غابرة. ومعرض "إكسسوارات الرأس" أو "أغطية الرؤوس" الذي تقيمه المصممة ناتالي جونان بالحي اللاتيني بباريس إلى غاية 22 أكتوبر، يتيح استقراء التنوع العرقي والثقافي للمجتمعات من خلال ما تحمله فوق رؤوسها. فمن القارة السمراء بطواقيها الضاجة بالألوان الزاهية، إلى أمريكا بالطرابيش المكسيكية العريضة، وطرابيش رعاة البقر، مرورا بالهند بعماماتها الراجستانية، ومصر وبلاد الشام بلفات الرأس المختلفة، والمغرب برزاته وطرابيشه المتميزة، يرصد المعرض القيمة الاجتماعية والتراثية لأغطية الرؤوس التي يرى فيها البعض رمزا للأناقة، وآخرون يضعونها في صميم الهوية الدينية والثقافية، فيما تتعامل معها بعض الشعوب لمجرد الاحتماء من البرد والحر، وتذهب شعوب أخرى إلى حد اعتبارها رمزا للشرف مما يجعل التعامل معها أمرا حساسا للغاية. وتحاول جونان في كل معرض من المعارض التي أقامتها بالعديد من العواصم العالمية، السفر بجمهورها طورا إلى الحضارات الغابرة في المكسيك، وطورا إلى سواحل جزر الكرايبي، أو إلى عهد كليوبترا ومصر القديمة، لتنقل إليه نماذج من حضارات مختلفة بعد أن أضفت عليها لمسة باريسية من حيث نوعية القماش وقوة الألوان. وتختزل القطع المعروضة بحس وذوق احترافيين، المسار المتفرد لهذه المصممة الفرنسية التي تستقي مكونات أعمالها من ثقافات وبيئات مختلفة، تمارس عليها فعل التغيير في النسق الإبداعي الشكلي، دون المساس بواقعها الأصلي والمناخ العام الذي ترعرعت فيه. ويضم المعرض في الرواق الخاص بالرجال، مجموعة من الكاسكيطات الأسترالية الصارخة الألوان، وطرابيش رعاة البقر المتجدرة في عادات المجتمع الأمريكي كرمز للجمال والقوة، قبل أن تتحول إلى رمز للأناقة الهوليودية، والطرابيش الكنائسية المزركشة، السائدة في القرون الوسطى وعصر النهضة، وغير ذلك من أغطية الرؤوس المنتشرة في تركيا وآسيا وغرب أوربا. وتتجاور في الجهة الخلفية للقاعة، الرزة المغربية والطاقية المراكشية، في تناغم مثير، مع اللفة الجزائرية بألوانها الزاهية، والطربوش التونسي بعذبته المدلاة، والطاقية الإفريقية المخروطة الشكل، والعمامة الشامية ذات العشرة أمتار بدلالاتها الدينية والثقافية. وتقابلها في الرواق النسائي مجموعة من البيريات، معظمها ذات أصول صينية مصنوعة بأقمشة من الساتان الرفيع، وبعض لفات الرأس السائدة في أوربا، والتي ترجمتها المصممة إلى غطاء هندي صرف، يمكن لسيدة بورجوازية أن تزينه بجوهرة نفيسة. وتكشف جونان أنها لم تقع بعد في سحر العمامة رغم ما كان لهذا الإكسسوار من صيت كبير في الأوساط الأوربية والأمريكية خلال الخمسينات والستينات، حيث زين عددا من رؤوس نجمات هوليود وهن في عز شبابهن، وخاصة إليزابيت تايلور في فيلم "أربعاء الرماد" سنة 1973. وربما تجهل جونان القيمة الثقافية والاجتماعية للعمامة التي أصبحت اليوم محصورة في الوطن العربي على العلماء والأعيان الذين يلقبونها ب"تيجان العرب". ولفرط احترامها وتجليلها في الكثير من الأوطان العربية، لما ترمز إليه من دلالات الشرف والوقار والفقه، فإن سقوطها بشكل متعمد يعتبر إهانة وإخلالا بالشرف. وحتى لو كانت بعض أغطية الرؤوس تعرف اليوم بعض التراجع أو الانقراض، بسبب عدم تناغمها مع الأنماط السلوكية الجديدة، فإن الكثير منها سيظل شاهدا وحاميا للهوية الثقافية للمجتمعات، حتى وإن صدق المثل الفرنسي : " الرأس بما يحمله، لا بما يُحمل عليه".