الحق في معرفة الحقيقة عن الانتهاكات السابقة لحقوق الإنسان لا يقتصر على كونه حق قانوني أصيل من حقوق الإنسان الأساسية بل يتخطى ذلك لكونه حقيقة إنسانية لصيقة بالفرد.، و الحق في معرفة الحقيقة لا ينصرف أو يعنى بالماضي، بل يرتبط بإدراك الحاضر الواقع ويمتد ليتحكم في تشكيل واقع المستقبل. بالرغم من ذلك ،لا تزال الحكومات التركية المتعاقبة تنكر حقيقة ما جري للأرمن علي يد السلطات العثمانية في عام 1915، ويعد ذلك الانكار الذي يتنافي مع القيم الأخلاقية و الانسانية و القانونية العقبة الأكبر في تطبيع العلاقات الرسمية وغير الرسمية بين الدولتيين التركية والأرمينية، فضلا عن رفض الاتحاد الاوربي انضمام تركيا لعضوية الاتحاد الاوربي . يأتي ذلك العناد التركي لرفض حقيقة ما وقع للأرمن عام 1915 بالرغم من عقد الدولة العثمانية ذاتها، المحكمة الخاصة في أسطنبول عام 1919 لمحاكمة القادة العثمانيين الذي ارتكبوا جرائم حرب،وجرائم بحق الانسانية ، وتحديدا بحق الأرمن أثناء الحرب العالمية الاولي ، و بالرغم من الشهادات و التقارير الموثقة للسفراء و المبعوثيين الرسميين لدول أجنبية عديدة للخروقات الجسيمة لحقوق الانسان التي ارتكبتها السلطات العثمانية بحق الأرمن أثناء الأحداث الابادية ، وبالرغم أيضا من الاقرارات الرسمية العديدة التي صدرت عن حكومات و برلمانات العديد من الدول ، والتي تقر أن ما وقع للأرمن علي يد العثمانيين في عام 1915 يعد جريمة ابادة جماعية بموجب القانون الدولي. فالحكومة التركية الحالية ، تزعم أن القتلي من الأرمن في عام 1951 لا يتجاوز 300 ألف قتيل ، و قضوا نحبهم أثناء ترحيلهم الي صحراء الشام في العراقو سورية ، و نتيجة الجوع و العطش و الظروف الجوية السيئة ، و لم تطلق عليهم رصاصة واحدة من القوات التركية التي كانت ترافقهم و تؤمنهم. يشار في ذلك الصدد الي أن اتفاقية الابادة الجماعية التي تحظر أفعال الابادة الجماعية ، لم تتحدث فقط عن قتل أعضاء الجماعة باعتبار القتل هو النمط الوحيد المستخدم لابادة جزء أو كل الجماعة المستهدفة، لكن الاتفاقية ، كما سبق أن وضحنا تحدثت أيضا عن إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة.،و اخضاع الجماعة لظروف معيشية يراد بها تدميرها كليا أو جزئيا . جلي أن، التعداد الوارد في الاتفاقية المشار اليها، للأنماط اي الأشكال الخمسة للابادة الجماعية ، يتغيي الحفاظ علي الجنس البشري من الافناء، بواسطة الأنظمة المستبدة، التي لا تقيم للانسانية وزنا، و لا تنظر للجماعات البشرية في لحظة تاريخية نظرة انسانية مجردة و متجردة من اي تمييز أو ازدراء . لا غرو أن كشف ومعرفة الحقيقة مسألة قانونية أولية مهمة، ليس في حد ذاتها بل توطئة لتحقيق غايات سامية متعددة الجوانب، حيث تختلف هذه الغايات سواء كانت غايات نبيلة – مثل المساهمة في استعادة السلام وصيانته- وغايات أخرى – مثل محاربة الإفلات من العقاب، وردع انتهاكات حقوق الإنسان في المستقبل أو الحيلولة دون حدوثها، وتلبية مطالب الضحايا والدفاع عن حقوقهم، وإبعاد اللاعبين السياسيين السابقين عن الساحة السياسية، وإعادة تأسيس سيادة وحكم القانون. إن معرفة الحقيقة عن الانتهاكات السابقة لحقوق الإنسان، تمنح المجتمعات القدرة على منع تكرار أحداث مماثلة للتي وقعت، وتسهل في حالات أخرى عمليات المصالحة وإعادة البناء حيث ينظر إلى معرفة الحقيقة على أنها ضرورة جوهرية لمعالجة التصدعات والانقسامات التي تحدث في السياقات المحلية في الفترة التي تلي إقصاء النظم الشمولية والاستبدادية، و هذا ما ينطبق تماما علي السياق التركي .