لم يقتنع عناصر التدخل السريع التابعون لجهاز الشرطة، بمضمون الاتفاق الذي تم التوصل إليه مساء الثلاثاء المنصرم، بمدينة غرداية جنوب العاصمة الجزائر، بين وزير الداخلية والجماعات المحلية الطيب بلعيز، والمدير العام للأمن الوطني عبدالغني هامل، من جهة، وبين ممثلي المحتجين، في مدينة غرداية، من جهة ثانية. ونقل المئات من عناصر الشرطة احتجاجهم إلى قصر الرئاسة في حي المرادية، كاشفين عن 19 مطلبا، يأتي على رأسها، رحيل المدير العام، اللواء عبدالغني هامل، وتأسيس نقابة مستقلة لقوات الشرطة. وردد المحتجون عددا من الهتافات والشعارات منها، "يا للعار يا للعار حكومة بلا قرار"، و"الشرطة تريد هامل يروح" (يرحل)، و"هامل ارحل"، و"لن نعود إلى العمل حتى يرحل هامل"، كما رددوا النشيد الوطني الجزائري. فيما ظلت مروحية تحوم فوق قصر الرئاسة، وأحاطت العشرات من شاحنات مكافحة الشغب، بالمدخل الخلفي لمقر الرئاسة مما سبب اختناقا في حركة المرور. وفيما لم يفلح، وزير الداخلية، في إقناع المحتجين بالتعهدات التي التزم بها من أجل عودة المحتجين إلى مقرات عملهم وإنهاء الاحتجاج غير المسبوق لرجال الأمن في الجزائر، واجهت الحكومة تحديات صعبة، في تأمين ملعب مصطفى تشاكر بمدينة البليدة، الذي احتضن مباراة المنتخب الجزائري لكرة القدم ضد نظيره المالاوي، ضمن تصفيات كأس أمم أفريقيا 2015، بعدما انسحبت الوحدة التي كان مقررا أن تقوم بتأمين المقابلة، والتحاق عناصرها بزملائهم المحتجين في العاصمة. وكان المحتجون قد قضّوا ليلة بيضاء أمام قصر الحكومة وسط العاصمة، مصممين على الصمود في مواقعهم إلى غاية تحقيق مطالبهم، لينقلوا احتجاجهم في الصباح إلى قصر الرئاسة بالمرادية. ويؤكد المحتجون أن "عناصر الشرطة مستمرون في اعتصامهم إلى غاية تحقيق مطالبهم". مضيفين "لا يهمنا قضاء ليلة أو ليال بيضاء، ونحن هنا بالتناوب، على شكل فرق، كل فرقة تعوض الفرقة المعتصمة باستمرار". غياب السلطة سبب الأزمة وتضاربت التصريحات بين مسؤولي وزارة الداخلية، فبينما صرح مستشار الوزير جمال بوزرتيني بشأن اعتصام الأعوان بالمرادية من أن هناك نقصا في التنسيق والتواصل بين أفراد الشرطة المحتجين بغرداية والعاصمة، كون الوزير الطيب بلعيز استجاب أمس لمعظم مطالب المتظاهرين. وقال بوزرتيني: "هناك مطالب ستتم الاستجابة لها في القريب العاجل، وأخرى تحتاج بعض الوقت". مضيفا "أجرينا حوارا معهم (المحتجون) هنا رفقة المدير العام بالوزارة المكلف بالموارد البشرية، ونقلنا لهم ما أقرّه وزير الداخلية.. ليس لدينا ما نقوله لهم زيادة.. وبقاؤهم هنا عديم الجدوى". وأكد المدير العام المكلف بالموارد البشرية بوزارة الداخلية، عبدالحليم مرابط أن "المطالب الاجتماعية والمهنية التي رفعها المتظاهرون، قيد الدراسة من طرف الداخلية". ولم يمانع في تأسيس نقابة مستقلة للشرطة بالقول: "الداخلية ليست ضد تأسيس نقابة للشرطة، ولا مانع من تأسيس نقابة للشرطة". أما في ما يتعلق بمطلب رحيل اللواء عبدالغني هامل من على رأس جهاز الشرطة، أفاد مرابط أن: "الأمر ليس من صلاحيات وزارة الداخلية". وكشف أعوان الشرطة المعتصمون، قائمة مطالب تضم 19 مطلبا موجهة إلى الوزير الأول عبدالمالك سلال، وتحصلت "العرب" على نسخة منها، ويأتي على رأسها، رحيل المدير العام للأمن اللواء عبدالغني هامل، وتأسيس نقابة مستقلة للشرطة وتغيير مدير وحدات الأمن الجمهوري، والزيادة في الأجر القاعدي بنسبة 100 بالمئة، والحق في الاستفادة من السكن الاجتماعي ووكالة عدل، إلى جانب العديد من المطالب المهنية والاجتماعية. إلى ذلك انتقد مرشح الانتخابات الرئاسية الأخيرة، علي بن فليس، صمت الرئيس بوتفليقة تجاه الأزمة الحاصلة في غرداية منذ مدة طويلة، معتبرا ذلك أكبر دليل على "شغور" الحكم في البلاد. وقال بن فليس في بيان صحفي "إن التطورات المأساوية التي عادت لتعيشها هذه المنطقة الغالية من بلادنا، ما هي إلا نتاج لأزمة أعمق لم تتمكن ولم تحسن حكومة غير مبالية وغير جادة ولا مسؤولة على تقديم حل في مستوى حجمها ومدى تعقدها". مضيفا "بل ولا جدال أنه من خلال الأوضاع التي تعيشها غرداية ذاتها تتجلى لنا حقيقة من حقائق شغور الحكم والتبعات الهدامة التي مُني بها الشأن العام". واعتبر بن فليس أن "ذوبان السلطة وانحلالها المتزايدين، هما أول مصدر لدوام هذه الأزمة وتفاقمها"، مشيرا إلى أنه: "إذا كانت مأساة غرداية كبيرة فهي أكبر بالنسبة إلى البلد كله، وبالفعل فإن بلدنا يعيش أزمة سياسية حادة يمكن أن تعتبر غرداية من بين مظاهرها الأكثر دلالة وانشغالا وألما".