ما تزال عالقة في الأذهان صورة الشيخ حمد والشيخة موزة وهما ينتشيان طربا وفرحا ذات خميس من أواخر 2010 في زيوريخ السويسرية، حينما زف لهما جوزيف بلاتير، رئيس الإتحاد الدولي لكرة القدم ، بشرى فوز قطر بشرف تنظيم كأس العالم لسنة 2022. غير أن تلك الابتسامة العريضة كانت تخفي من ورائها ستارا سميكا من الدسائس والتحايل الذي لجأت إليه السلطات القطرية، حتى يتسنى لها اقتناص فرصة احتضان هذا الملتقى الكروي العالمي، على حساب أربع دول أخرى نافستها في هذا السباق، وهي اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا والولايات المتحدة، ولو أن بعض المصادر أوردت أن الترشيح الأمريكي كان شكليا بحتا، وأن المنافسين الأمريكيين كانوا يدركون أن قطر ستفوز بتنظيم الكأس. واليوم بدأت تتناسل أخبار الخدعة القطرية وتحركات الكواليس غير البريئة التي مهدت لذلك "الفوز المبين". وقد كشفت صحيفة ال"دايلي تليغراف" البريطانية أن جاك وورنر، وهو مسؤول سابق في الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) تلقى مبالغ مالية من شركة قطرية بغرض ضمان استضافة قطر للتظاهرة العالمية الكروية سنة 2022. وأوضحت الجريدة أن وورنر تسلم شخصياً مبلغاً يناهز المليوني دولار من قبل شركة قطرية يملكها محمد بن همام الذي كان بدوره عضوا في المكتب التنفيذي لدى الفيفا. علاوة على هبات مالية أخرة لأفراد من عائلته. ونظرا لخطورة هاته المعطيات قرر مكتب الإستخبارات الأمريكي المعروف اختصارا بال"إيف بي آي" التدخل مباشرة وفتح تحقيق في النازلة، اعتبارا لكون عمليات تحويل الأموال تمّت من خلال مصرف أمريكي في نيويورك. و من بين الوثائق التي نشرتها ال"دايلي تليغراف" في الموضوع، رسالة بعثت بها شركة "جاماد" لصاحبها وورنر إلى شركة "كيمكو" التي يملكها بن همام، حيث طالبت الشركة الأولى تسليمها 1.2 مليون دولار نظير ما قالت عنه الرسالة "أعمال نفّذت ما بين 2005 و2010". وجدير بالذكر أن جاك وورنر يعتبر شخصية مؤثرة في اتحاد الفيفا، وكان يحتل منصب نائب رئيس الإتحاد الكروي الدولي لمدة 14 سنة إلى غاية 2011، وكان من بين 22 عضوا آخرين ممن حسموا في اختيار قطر لإستضافة كأس العالم. ومن دون شك فالفترة المقبلة ستشهد مزيدا من الكشف عن الحقائق حول العمليات المشبوهة التي أشرف عليها ساسة قطر عبر أخطبوط مالي وتجاري وأسواق البورصة العالمية في سبيل تحقيق ذاك المبتغى، غير مبالين بإهدار الغالي والنفيس من ثروات البلد لأجل خدعة كروية عابرة. وإذا أضفنا إلى هاته الأساليب غير المشروعة في التنافس غير الشريف نحو تظاهرة دولية، معطيات أخرى، ومنها ارتفاع الأصوات المشككة في جدوى إقامة أطوار كأس العالم بقطر نظرا لتصادف إجراء المباريات مع فصل صيف لن يستطيع معه لاعبوا الدول الغربية صبرا، وظهور مؤشرات على احتمال تنفيذ عمليات إرهابية أثناء ذلك الملتقى الكروي، ناهيك عن العزلة الإقليمية للإمارة القطرية جراء ما خلقته من توتر مع جيرانها مما أدى إلى سحب سفراء كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين من الدوحة، كل تلك المعطيات مجتمعة تنذر أو على الأصح تبشر باحتمالات تراجع الفيفا عن تنظيم الكأس الدولية في قطر، وتعميق أزمة البيت الداخلي في الأسرة الحاكمة التي سيكون عليها خوض مباريات من صنف آخر، غير كرة القدم.