لم يشهد المغرب في تاريخه السياسي مشهدا منحطا كما يعيشه في عهد حكومة بنكيران. بنكيران استهل مساره الحكومي بالوعود الكاذبة التي وزعها يمينا وشمالا في كل مناسبة، تحت قبة البرلمان، وفي الأعراس والمآتم والتجمعات بل حتى في المقابر وهو يشارك في تشييع بعض الموتى، وسرعان ما فطن المواطنون عندما أدركوا أن رئيس الحكومة يقود السفينة إلى المجاهل، وتأكدوا أنه ماض بهم إلى الهاوية، لذلك سارع إلى تغيير أسلوبه في القيادة، واستنجد بقاموسه الخاص يعلل به إخفاقاته المستمرة. وبعد أن رافقت بنكيران مجموعة من الأشباح والحيوانات والضواري من قبيل العفاريت والتماسيح علَّهَا تبرر فشله في القيادة، انتقل الى التبوريدة ليستهل بها حركاته الاستفزازية أمام البلاد والعباد، كل ذلك من أجل المداراة وتحويل اهتمام المواطنين عن قضايا الوطن المصيرية، الى جو من مفردات غريبة لم يألفها المواطنون من مسؤول حكومي. هكذا تحول إذن بنكيران من الحديث عن «الصح والمعقول» الى «النكيرْ» واختلاق المناوشات و «جّبيدْ البلا» تماما كما يحكى عن حمامات النساء في أيام خلت. وهكذا أضحى بنكيران وكأنه يحارب طواحين الهواء، يريدأن يحارب الفساد ويصرح أنه يملك أسماء المرتشين والفاسدين والمفسدين ومهربي الأموال والمتلاعبين بالصفقات، ولكنه لا يملك الشجاعة للكشف عنها، ويكتفي بالتلويح بها ويهدد بكشفها، ولا يجد حرجاً في اتهام برلماني بأن «في كرشه العجينة» أو رمي آخر بتهمة الحصول على علاوة في الصفقات، دون أن يتحلى بالشجاعة ليقدم الدليل على ذلك، ولو كان له الدليل لأحال الملفات على السلطات المسؤولة. ومادام رئيس الحكومة قد تمادى في استفزازاته، ووصل إلى «قاع الخابية» في حكاية جحا، فإنه قد فتح النار على نفسه، وعليه أن يتذكر المثل القائل: إذا كان بيتك من زجاج فلا ترم الناس بالحجارة. وعلى عكس ما يصرح به بنكيران، فإنه يتستر على عدد من المسؤولين في حزب العدالة والتنمية، الضالعين في تهم الاختلاسات وتبديد الأموال والاتجار في المخدرات، ولم تصل المحاكم سوى بعض من هذه الملفات التي تعذّر عليه مساندة أبطالها، وما ملف رئيس المجلس البلدي لمكناس وهو قيادي من حزب بنكيران المعروض على محكمة الأموال بفاس إلاّ نموذجاً صارخاً لذلك. وهل ينكر بنكيران أن أوضاع مدينة القنيطرة قد تدهورت في عهد رئيس مجلسها البلدي الذي ما هو إلاّ وزير من حزب العدالة والتنمية؟ وقد بدأت والي القنيطرة في معاينتها بمجرد تسلمها مهمتها. وهل ينكر بنكيران أن وزيره في الاتصال قام بالتوسط لرئيس الذارع الدعوي للحزب من أجل توظيف ابنه في القرض الفلاحي؟ لا، بل إن بنكيران اعترف صراحة بأن هذا الوزير ارتكب خطأ جسيما. وربما لأن بنكيران اغتاظ من الحشود الهائلة التي شاركت في مسيرة نظمها حزب الاستقلال فصرح بأن الحمير هي التي شاركت في المسيرة، والخطير أن هذا التصريح جاء على لسانه خلال استقباله من طرف الرئيس التونسي منصف المرزوقي، هكذا إذن وصف رئيس الحكومة الاستقلاليين والمتعاطفين معهم ب الحمير، وأنهم حصلوا على مبالغ مالية مقابل مشاركتهم، فهل من شيم مسؤول حكومي أن ينعت مواطنين بأنهم حمير؟ لقد هزلت حقاً. المواطنون يرغبون في نقاش في المستوى السياسي، نقاش بين الأغلبية والمعارضة حول انشغالات هذه الجماهير التي أرهقها الغلاء والبطالة وسوء الأوضاع الصحية والتعليمية ونقل المديونية وتفشى المحسوبية والفساد، ويريدون أن يتحلى بنكيران بالشجاعة لمحاربة الفساد والريع، لا أن يستفز الناس ويحول اهتمامهم للتهديد ولغة «اللي فيه الفزّ كيقفز» وهو كلام يتردد تحت قبة البرلمان، والكاميرا «شاعلة» وأمام ضيوف المغرب ورؤساء بعثاته الدبلوماسية. الاتهامات التي ساقها بنكيران مؤخرا في اتجاه رؤساء أحزاب وبرلمانيين تظل اتهامات مجانية يجب فتح تحقيق حولها من طرف السلطات المسؤولة، لوضع حد لتصرفاته التي تشبه ما يقع في «سوق الدلالة». السياسيون الذين أصابتهم اتهامات بنكيران لن يقفوا عاجزين عن الردّ، والمواطنون هم الآخرون وبعد أن تذمروا ويئسوا من هذه الأوضاع لن يصمتوا ولن يستكينوا، وكلهم سيعبرون عن ردّهم قريبا. وعسى بعد كل هذا أن يغيرّ بنكيران من أسلوب قيادته من لغة التهديد والاستفزاز إلى لغة الحوار.