يسهل الحكي ويسهل الكلام ، لكن ما تعليق أي منا حين تقول لك إحدى الأرامل تستند إلى عكازتها لتسير، «خلاو لي أميميتي 5400ريال فشهر واللات دابا 8000 ريال «، «مات الزوج يوم السبت يوم محاولة الانقلاب وولدت الاثنين توأمين الولد اللي كانتسناهاه مات وعاشت البنت لتنضاف إلى أخواتها الأربعة..وماتت حتى هي في سن 24 سنة وماتت لي بنت أخرى وكولهوم خلاو لي الدراري..» لم أجرؤ أن اسأل المرأة التي كانت ترافقها إحدى بناتها وحفيدتها، لم أجرؤ على سؤالها كيف ربيت البنات ..؟ وكيف عاندت الزمن بمعاش لا تليق قيمته أن تحمل لا اسم معاش أو حتى ممات، وكيف عشت جنازتين، وحدادين وكيف.. وكيف...؟ في هذا الروبورتاج شهادات مؤلمة لبعض ذوي حقوق ضحايا سقطوا في احداث الصخيرات يوم السبت 10 يوليوز 1971، انجزناه على هامش اللقاء الذي نظمته جمعية « اسر ضحايا احداث الصخيرات « يوم 29 من مارس الماضي بالرباط..لنتابع... المرأة اسمها مليكة فصيح 64 سنة، لم يعد المشي يسيرا بالنسبة لها كما الحياة، تتوقف المرأة عن الكلام لتلتقط أنفاسها ، كانت تتحدث فقط عن المعاناة التي حددت تاريخها أو حددوه في العاشر من يوليوز 1971 ، المرأة لا تذكر تاريخ وقوع الحادث في كلامها بل تذكر يوم السبت فقط ، ذلك السبت» اللي تقتلوا فيه رجالنا وخلاونا ضايعين هناك كثير من اسر الضحايا التي سحقها الفقر ، أرامل الجنرالات يقبضن معاشا لا يتجاوز 2000 درهم و2600 درهم « كلام قالته نجيبة اعمار السدراتي أرملة منصف السدراتي رئيس نيابة مديرية الشؤون الإدارية بالإدارة العامة للأمن الوطني الذي سقط ضمن ضحايا أحداث محاولة انقلاب الصخيرات خلال اتصال هاتفي معها.. تحدثت ابنة الأرملة مليكة فصيح وتدعى أمينة الجمالي حالها يغني عن السؤال تقول: اسم أبي الجمالي البصري «عسكري فالجوق الوطني « حين قتل في قصر الصخيرات كان عمري 10 سنوات، مازلت اذكر ذلك اليوم وتلك المأساة التي مازلنا نعيش تبعاتها إلى الآن ، فقر مدقع ، وآلام مستمرة، واثنان من أخواتي متن أيضا، لا احد يذكر أبناء وبنات الشهداء.. المعاش هزيل ومحقر، ونتائج تهميش ونسيان اسر الضحايا واضحة على اغلب الأسر التي استسلمت لقدرها..لفقرها وانهزامها ، تقول امينة التي كانت تمسك بيد امها وباليد الاخرى ابنة لها: لولا هذه الجمعية التي أخذت على عاتقها حمل ملف الضحايا وإيصاله للمسؤولين لكنا منسيين مثل ابائنا الذين سقطوا ضحايا وهم في عز شبابهم نريد من الدولة ان تتحمل مسؤوليتها تجاه الارامل وتجاه ذوي الحقوق ، الدولة مسؤولة عن ما نحن فيه ، مرض وفقر وحرمان من التعليم من كل شيء حتى طفولتنا حرمنا منها كما حرمنا من والدنا، لن ينسي أحد منا مرارة تلك الفاجعة و معاناة استمرت أزيد من 40 سنة، فهانحن بلا عمل بلا تعليم وبلا مستقبل، ماذا ينتظر هؤلاء المسؤولون ، نطالب بمراجعة المعاشات الهزيلة وبتعويض يخرجنا من حالة الفقر والضياع التي نعيشها منذ أحداث 1971.. أسرة أخرى تحمل ملف معاناتها بعد موت الأخ الشقيق الأعزب أسرة محمد الويزي ، تحدثت الأختان خديجة الويزي والسعدية الويزي عن أخيهما الذي كان يتكفل بالأسرة بما فيها الأب الطاعن في السن الذي لم يتحمل خبر مقتل ابنه فمات يوما بعد تلقيه الخبر ، لتكون بدل الجنازة جنازتان، تقول خديجة كان عمري ست سنوات مباشرة بعد مقتل اخي الذي كان «عسكري « خرجت وأنا في تلك السن الصغيرة للعمل في البيوت، وكذلك أختي السعدية وأخت أخرى ،لم يبق لنا معيل ، بعد مقتل أخي ووفاة أبي ، كانت ملامح خديجة تكشف عن شخصية طيبة مغلوبة على أمرها، تضيف تزوجت من رجل يعاني من إعاقة مستديمة، مازلت اعمل في البيوت من اجل إبقاء أولادي في التعليم الذي حرمت منه، لكن بماذا سنواجه هذه الحياة وغلاء الأسعار والفقر الذي رافقنا منذ غياب الأخ والأب ، ابني تخرج لكن البطالة كانت مصيره، حال السعدية لم يكن أفضل من حال خديجة فالمرأة فقدت الصوت بسبب المواد الكيماوية المستعملة في تنظيف البيوت، تقول السعدية نريد من المطلعين على ملفات اسر الضحايا أن يعوضوا هذه الأسر بما يكفل لها ولأبنائها العيش الكريم ، قضيت وأخواتي عمرنا في الخدمة في البيوت، ولو تم الالتفات إلينا في 1971 تاريخ تشرد الأسر وغياب المعيل، لما كان هذا حالنا وحال أبنائنا، ومطالبنا هي توفير مناصب الشغل لأبنائنا والتغطية الصحية وصرف تعويضات تعفينا من العمل في البيوت حتى آخر العمر .. أرامل يحسبن معاشاتهن ب»الريالات» اما صمت المسؤولين فيجابهنه بترديد: رجا فالله هي الزاهية الخليفي من مواليد 1940 أرملة محمد بن العلمي الخليفي وابنة عمه، تقول كان «مخزني» بالقصر الملكي سقط هو الآخر في أحداث 10 يوليوز 1971، تاركا وراءه ثمانية أطفال، واحد منهم اسمه إدريس كان يصاحبها خلال اللقاء الذي عقدته جمعية اسر وضحايا أحداث الصخيرات يوم 29 مارس بالرباط هو وإحدى بناتها ، ادريس حضر المجزرة وكان عمره 8 سنوات، سقط والده مقتولا أمامه ، تحكي أخته رجاء في عقدها الخامس ، منذ ذلك اليوم لم يستطع أخي استعادة توازنه النفسي، لم يكمل احدنا تعليمه، انتهى مستقبلنا مع غياب الأب في مرحلة حرجة من حياتنا، معاش الأم هو 7000 ريال تقول رجاء وزادوها ألف ريال، التفتت إلى الأم وسألتها، كيف قضت هذه السنوات بمعاش مثل الذي تتقاضينه وماذا تقولين للمسؤولين عن ملف الضحايا؟ أجابت المرأة وهي تنظر إلى فوق: أقول ارجا فالله.. مقراوش ادراري خرجت كان نخدم.. أش غدي دير 7000 ريال ، أو 8800 ريال اللي كايعطيوني دابا ، علموني باللي الراجل مات، والولد جابوه من بعد كولو عامر بالدم ديال اباه.»..مرارة ودموع تسح من عينين ذهب عنهما البصر..ليبقى الظلام ومعاش يذكر بالالم وبالموت...ختمت الأرملة التي اضحت عليلة و ضريرة كلامها بالقول»انا عايشة مع بناتي رادين ليا البال..اما اش كانترجا.. كانترجا الله..» كان إدريس الخليفي وهو من مواليد 1962 حاضرا يستمع لكلام أمه يبدو مضطربا ويتحرك بانفعال، أكد حضوره المجزرة بالقول: مازلت اذكر ذلك اليوم واذكر أبي « ماعمر ماغدي يتنسا لي..» كان يتحدث كالطفل لم يسبق له أن اشتغل ، يعيش مع الأم ومع أخواته، المأساة إذا أخذت الأب وأغرقت الابن في اضطراب تنعشه صورة الأب القتيل..الأرملة يحاصرها المرض وفقدان البصر، أما رجاء فهي مطلقة بابنتين تجتر مع أسرتها مرارة دامت أزيد من 40 عاما.. من يعيد الاعتبار لآبائنا؟ تقول ليلى التائب وهي مهندسة دولة و ابنة محمد التائب احد خريجي أول فوج درس بدار الحديث الحسنية ورئيس قسم بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، كان والدي احد ضحايا أحداث الصخيرات الدموية ، حين قتل كان عمره 36 سنة كنت أنا في بطن أمي ، نحن 11 إخوة، الأم كافحت لتربينا رغم هزالة المعاش الذي لم يتجاوز حتى 2006 تاريخ مماتها 1000درهم، تتساءل ليلى كيف لامرأة حامل قتل زوجها أن تواجه مصيرا كهذا ، لم تكن في حياة والدي تخرج للشارع، لكن بعد وفاته اضطرت للخروج ولتحمل المسؤولية وبين يديها 11 طفلا أكبرهم كان في سن 18 سنة ، وهي كانت في سن 35 سنة.. تقول ليلى والى جانبها كانت أختها مريم التي أضافت كان والدي من بين العلماء الذين قدموا الدروس الحسنية في القصر الملكي، حين اشتغلت في إحدى الإدارات التقيت بالصدفة بموظف سبق أن رأى على اليوتوب شريطا لأحد العلماء وهو الشيخ محمد السحابي الذين كرمهم الملك محمد السادس وخلال التكريم ذكر الرجل اسم والدي الذي حسب قوله تتلمذ على يديه و اثر فيه وجعله يسلك طريق العلم ، الأمر الذي جعله خلال يوم تكريمه يتقدم بكلمة شكر للأب الذي لم ننعم بالعيش معه، بحث3ت عن الرجل تضيف مريم واستقبلني في بيته ، كنت أريد أن اسمع عن أبي ، الأب الذي نسيته الدولة ونسيت جميع الآباء والرجال الذين سقطوا دون ذنب .. في 2007 تلقيت قرار الإدماج في الوظيفة العمومية لكني لم أتوظف؟ هي رشيدة مارك ابنة الطيب مارك احد عناصر الشرطة الذي لقي حتفه في 10 يوليوز1971 بقصر الصخيرات، تاركا وراءه 5 أطفال، تركوا لوالدتي معاشا هزيلا ، لم تستطع أن تتحمل ثقل المسؤولية والمرض فتوفيت وانا في سن 12 سنة، تضيف رشيدة لا اعلم لماذا تم احتقار واهمال عائلات ضحاي احداث الصخيرات، لم نجد من يمد لنا يد المساعدة ، قبل انشاء الجمعية في 2000 ومنذ ذلك التاريخ اصبح لدينا مخاطب، واصبحنا نلتقي خلال اللقاءات التي تنظمها الجمعية، واصبحنا نعلق امالا قد تخرجنا مما نعيشه وعشناه من يتم وفقر، نريد اعادة تقييم التعويضات المقدمة لذوي حقوق الضحايا واستعجال ملفات تشغيلنا، خاصة واني تلقيت قرار بادماجي في 2007 لكني مازلت انتظر.. ارملة سائق الجينرال البوهالي : الزوج عسكري وفي شهادة الوفاة سجل على انه مدني: هي رقية امشيشو أرملة قسو لمان عسكري كان خلال احداث الصخيرات سائقا للجنرال البشير البوهالي، تقول ارملته ترك لي الزوج ابنا واحدا هو نجيب لمان عاطل درس حتى الرابعة اعدادي، واشتغل حمالا ليعيل اسرة فيها طفلان، تركوا لي معاشا يساوي 300 درهم الان اصبح الف درهم، الابن اصيب بمرض في الظهر بسبب حمل الاثقال، فتوقف عن الشغل تمكن من الاستفادة من التغطية الصحية بفضل الجمعية، لكن اين العمل الذي سيعيل به اسرته، يقول نجيب لا استطيع ان اعيل اسرتي التي اضحيت عالة عليها، نحتاج الى مساعدة من الدولة ان تعيد الاعتبار لابائنا من خلال اعادة تقييم التعويضات الممنوحة للارامل وذوي الحقوق ، حياتنا تدمرت وتشردت اسرنا بعد مقتل الاب والمعيل..الارملة لم تنس ان تذكر ان الجهات المعنية سلمتها شهادة وفاة دون فيها ان الزوج مدني، مسار طويل عاشته هذه الارملة كباقي الارامل الاخريات لينتزعن حقا ، اظهرت لهن السنين انه حق يستعصي على النزع.. نفسية السويداني اخت مصطفى السويداني احد الجنود الذين سقطوا في قصر الصخيرات ، حين قتل كان هو كبير الأسرة ومعيلها، تقول نفسية كان اخي مصطفى اعزبا مقبلا على الحياة، بعد الحادث تغير كل شيئ ، لن اتحدث في الماضي الذي كان طويلا ومؤلما الآن أمي تتقاضى معاشا هو 400 درهم، مقعدة وتعاني من الزهايمر، الجمعية من مكنتها من الكرسي المتحرك، كانت نفيسة تتحدث باكية عن مرارة العيش مع أمها وأخيها المتزوج والأب لطفلين وفي البيت أيضا أخ في منتصف العمر يعاني مرضا عقليا كان يجلس الى جانبها.. بكت نفيسة خلال إدلائها بشهادتها وأبكت الجميع الحاضر خلال اللقاء الذي عقدته «جمعية اسر ضحايا احداث الصخيرات» ،وفي لقائنا بها صرحت أنها مطلقة وأم لابنة واحدة، و لتساعد في مصروف البيت والعلاج وشراء الحفاظات للام تشتغل نفيسة في البيوت، التي تساءلت بحرقة حين ستموت والدتي سينقطع المعاش الهزيل ، سنصبح في الشارع أنا وأخي المريض عقليا ، وحتى اخي عبد الرحيم الذي يعيش مع أسرته في جزء من غرفة يتقاسمها مع أمه المريضة ويفصل بينهما «ازار من الثوب»..عبد الرحيم السويدي كان حاضرا أيضا، هو الآخر مصاب بعاهة في إحدى يديه، تحدث إلينا قائلا حصلت على شهادة الباكلوريا في 1985 لم أتمكن من الحصول على وظيفة او أي شغل قار، وبواسطة الجمعية تم إعطائي رخصة «الطاكسي صغير»لكني لا استطيع فعل شيء بيدي ، مردود هذه الرخصة هو 1500 درهم ، كيف سأصرفها في ظل ما نعيشه من فقر وضيق في البيت نحن في حاجة الى تعويض يلائم حاجات هذا الزمن، الاخ مريض عقلي الام مصابة بالزهايمر واختي تشتغل في البيوت... حكايا كثيرة وضحايا كثر سنعود اليهم في عدد لاحق مع لقاء مع السيد محمد المعزوزي الرئيس المؤسس لجمعية « اسر ضحايا احداث الصخيرات» والسيدة نجيبة اعمارالسدراتي رئيسة الجمعية..في انتظار أن ياخذ المسؤولون ملف ضحايا احداث الصخيرات وذوي حقوقهم لتسويته بشكل حقيقي..