عندما قررت المشاركة في مؤتمر " نحو خطاب إسلامي ديمقراطي مدني " بالعاصمة اللبنانية بيروت , سارع كل من سمع بالخبر إلى ثني عن المشاركة لأسباب أمنية تتعلق أساسا بالوضعية التي توجد عليها سوريا والإنعكاسات الأمنية والسياسية لتلك الوضعية على الداخل اللبناني في ظل علاقات التبعية والتوتر التي تربط الأطراف اللبنانية بدمشق , لكن أهمية المؤتمر وطبيعة الشخصيات التي ستحضره وتوقيته وموضوعه دفعني لتجاوز تلك التحذيرات وإسقاطها من توقعاتي , علما أنني كلما قررت زيارة لبنان إلا وأستحضر الجانب الأمني الذي كان دائما هشا وقابلا للإنفجار في أية لحظة , لذلك لم تكن هذه المخاوف لتدفعني لمراجعة قرار السفر إلى بيروت. وصلنا مطار رفيق الحريري الذي يسيطر عليه حزب الله ويمنع الدولة اللبنانية من تشغيل أي مطار آخر , وذلك للتحكم في المعلومة الأمنية المتعلقة بالداخلين والخارجين من لبنان , بما في ذلك كبار الشخصيات والخصوم السياسيين , تصادف وصولي مع عودة العميد وسام الحسن رئيس فرع المعلومات في المخابرات اللبنانية من رحلة إلى باريس قام فيها بترحيل أسرته الصغيرة إلى مكان ما في أوربا وذلك لأسباب أمنية وخوفا من تصفية الحساب معه عن طريق أسرته بعد ضبطه شبكة لبنانية يقودها وزير الإعلام اللبناني الأسبق ميشيل سماحة كانت تخطط للقيام بتفجيرات تحريضية في لبنان وكل ذلك بتنسيق كامل مع بشار الأسد الذي كان سماحة رجله في بيروت لسنوات طويلة , وميشيل سماحة كنت إلتقيته لقاءا سريعا في دمشق سنة 2003 وكان هو من سلمني شهادة المشاركة في دورة تكوينية للصحفيين الشباب من تنظيم إتحاد الإذاعات العربية التابعة للجامعة العربية وإتحاد الشباب العربي الذي كان يقوده في تلك الفترة عبد الهادي لحويج من ليبيا , فشاء القدر أن يتصادف وصولي مع وصول وسام الحسن الرجل المقرب جدا من بيت الحريري وتيار المستقبل , الذي أصبح المطلوب رقم واحد للنظام السوري. إغتيال وسام الحسن كان يحتاج إلى كمية كبيرة من المتفجرات , لكن كان يحتاج أكثر من ذلك إلى المعلومة الأمنية التي تحدد تاريخ رجوعه من خارج لبنان والأهم من ذلك هو خطته الأمنية لحماية نفسه وأهمها مجموع الطرق التي يسلكها داخل بيروت , ومنطقة الأشرفية الآهلة بالسكان والتي تقطنها أغلبية مسيحية وبالضبط في الشارع الضييق الذي وقع فيه الإنفجار يكشف إلى أي حد كانت لدى الجهة التي قامت بتخطيط وإغتيال وسام الحسن , بل كيف أن الخطة كانت جاهزة وتنتظر فقط لحظة الصفر. إغتيال وسام الحسن هز الكيان السياسي في لبنان , وأوضح أن المخاطر التي كانت إحتمالات أصبحت واقعا على الأرض ويجب التعامل معها على هذا الأساس , تيار المستقبل ومعه مجموعة 14 مارس سارع إلى إتهام بشار الأسد بشكل واضح , لأسباب موضوعية تتمثل في كون العماد وسام كان جدار الصدرالأمني في وجه الخطط الأمنية لنظام الأسد في لبنان , بل إن العميد أصبح يوجه ضربات تحت الحزام من أبرزها تفكيك شبكة ميشيل سماحة دون الخضوع أية إعتبارات طائفية أو سياسية مادام سماحة مسيحي ومحسوب على تيار 8 مارس الذي يقوده حزب الله , هذا الأخير سارع إلى إتهام إسرائيل بالتورط في هذه الجريمة معتبرا وسام الحسن واحدا من رجال المقاومة وقد ربطته بالمقاومة علاقات عميقة, وأيضا لأنه كان وراء كشف أكثر من 30 شبكة للتجسس لفائدة إسرائيل في السنوات الأخيرة. بغض النظر عن من خطط ونفذ الإغتيال فإن هذا الفعل أنتج تداعياته منذ اللحظة التي تأكد فيها أن المستهدف هو وسام الحسن , الكثير من قيادات 14 مارس المعارضة مضاف إليها الزعيم الدرزي وليد جنبلاط بدأت تستشعر حجم الخطر الذي يحيط بها بعد إغتيال الحسن , وهذا ما منع قيادات التيار البارزة من الحضور الشخصي لإجتماع الموسع الذي عقد ليلة السبت في بيت الوسط بقيادة أحمد الحريري الأمين العام لتيار المستقبل , بل إن زعيم التيار سعد الحريري يوجد خارج البلاد لأسباب أمنية , وهناك من طلب منه عدم العودة في هذه الظروف , إجتماع بيت الوسط خرج بمواقف حاسمة تتعلق يتحميل المسؤولية السياسية للجريمة إلى الحكومة ولرئيسها نجيب ميقاتي شخصيا الذي وصفه البيان بأنه إرتضى أن يقدم غطاء سياسيا للجريمة وللمس بالأمن اللبناني. الوجه الآخر للإنفجار كان هو رد فعل المواطنين اللبنانيين , البعض منهم إعتبره مجرد شريط ممل يعاد بثه بصيغة جديدة في دلالة قوية على نوع التطبيع الذي أصبح للمواطن اللبناني مع الإشكالات الأمنية , لكن الوضع وسط بيروت ساعات قليلة بعد الإنفجار كان يكشف عن حجم الضربة التي تلقتها لبنان , فساحات العاصمة كانت شبه فارغة والمطاعم خالية من الزبناء , وأصحاب المطاعم والمقاهي رغم إجتهادهم في إخفاء القلق بإبتسامات عريضة فإن عيونهم كانت تكشف حجم الخوف الذي يستبد بالناس هنا , وهم يعرفون أنهم أصبحوا وجها لوجه مع ساعة الحقيقة , فمطالبة 14 مارس من رئيس الوزراء تقديم إستقالته فوريا , سيكون له ما بعده... أما أنا فقد حزمت حقائبي للعودة إلى الرباط.