« كرعتُ كؤوس ذكراكِ، يا أثيرة، فما ارتويتُ، بل ازددتُ ظمأً لخمرة لقياك. أهرب منكِ إليك. وكيف الهروب منكِ وأنا متوحِّد فيك... جئتِ كالحُلم وكالحُلم مضيتِ. حلمٌ لن يُنسى. وبقيتُ أنا أغوص في أعماق ذاتي، أغرز رايات انكساري، وأبحث عن كُنه الحبِّ. آه لو أنَّي أعرف سرَّ الحبِّ، لأدركتُ سرَّ وجودي، وسرّ رحيلي، وأسرار العيون التي تحيّرني ألغازها. ولكن عقلي عاجزٌ عن إدراك أيّ شيء.» وأثيرة هذه حسناء مغربية التقاها الشخصية الرئيسية في الرواية الدكتور سليم الهاشمي في الرباط بعد طول تشرُّد وتغرُّب، فوقع - لحظِّه أو لسوء حظِّه - في غرامها، وأحبَّ من خلالها المغرب والتراث المغربي العريق، ولكنّها لم تبادله المحبّة، لأنها كانت وفية لزوجها الطبيب الذي قُتِل في انقلاب عسكري فاشل. وظلَّت ذكراها تلاحقه أينما ذهب، وظلَّ طيفها يتبعه حيثما حلّ، حتى بعد أن غادر المغرب. وكان سليم الهاشمي قد هرب مع صديقه زكي من العراق بعد انقلابٍ عسكري وقع في بغداد، ونتج عنه حكمٌ شمولي طارد المثقفين الأحرار، وكمَّم أفواهم، وعادى كلَّ مَن لا يطبّل لحكم الحزب الواحد الذي أسَّسه الانقلابيون. وبعد مقتل صديقه زكي في بيروت بتدبيرٍ من الحزب الحاكم في بلده، اضطر سليم الهاشمي إلى الهرب إلى أمريكا لمواصلة دراسته العالية. بيدَ أنه أُصيب بمرض الحنين إلى الوطن: « غريبٌ أنا. لا أعرف مَن حولي، ولا أتبيّن ما حولي. اشتدّت بي الغربة حتى إنني لم أَعُد أعرف نفسي، بل ينكر بصري ردائي، ويستغرب سمعي من لساني. غريب عن أرضي، غريب عن أهلي، غريب عن لغتي وفكري. أقتات على مذاق الحنين، والذكرياتُ ملحُ طعامي...» وهكذا يمكن أن تُعدّ هذه الرواية رواية اللاجئين والغرباء، والمشرَّدين والمهجَّرين والبؤساء، الذين نخلهم الحنين إلى الوطن والدفء، وطحنهم الشوق إلى الأهل والأحباب وملاعب الطفولة. والرواية في جوهرها عمل ثقافي بامتياز، فهي مطعَّمة بالثقافة والفكر، مطرَّزة بالمعارف والمعلومات التي يلتهمها القارئ دون وعي، لأن الكاتب استخدم تقنيات سردية متنوِّعة استقاها من مخزون معرفته وتجربته؛ فهو باحث متعدِّد الاهتمامات له أكثر من أربعين كتاباً في القصة القصيرة، ونظريات الترجمة، وعلم اللغة، وصناعة المعجم، وعلم المصطلح، وحقوق الإنسان، والتنمية البشرية، والتربية والتعليم. وقد نقل عدداً من روائع الأدب العالمي إلى اللغة العربية، وهو مقيم في المغرب وعضو في بعض المجامع اللغوية العربية والهيئات الثقافية الدولية. وقد صدرت رواية « مرافئ الحب السبعة» عن المركز الثقافي العربي في الدارالبيضاءوبيروت، وتقع في 320 صفحة من الحجم المتوسط.