نعم الله تعالى لا تُعدُّ ولا تحصى. «وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها إنّ الإنسان لظلوم كفّار» [سورة إبراهيم 34]. ومن أجلّ النّعم الإلهية على الإنسان نعمتا الإيمان والعافية. فالإيمان هبة ربّانية، وعطاء رحماني، يستوجب عظيم الشكر، إذ على قدر جلال المنعم يكون الشكر، وعلى قدرِ قيمة النّعمة يكون الشكر كذلك. «وما كان لنفسٍ أن تؤمن إلا بإذن الله. ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون» «أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين؟!« والأمة المحمدية، ولله الحمد، حظيت بهذه المنّة الإلهية: «لقد منّ الله على المؤمنين« . وللّه المشيئة المطلقة «يضل من يشاء ويهدي من يشاء« «من يشأ الله يشرح صدره للإسلام، ومن يشأ يجعل صدره ضيقا حرجاً كأنّما يصعّد في السماء« «ولكن الله حبّب إليكم الإيمان وزيّنه في قلوبكم وكرّه إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الرّاشدون فضلا من الله ونعمة. والله عليم حكيم« [سورة الحجرات: 8]. والإنسان مسؤول عن إيمانه أو عدمه، لأنه مكلّف يتمتّع بنور العقل، وحرّية الإرادة، وقد نصب الله الآيات الدّالة على وحدانيته وربوبيته. وألوهيته وعظمته وقدرته في الأنفس والآفاق، فما من شيء خلقه الله سبحانه إلاّ وهو رسالة هداية ناطقة تدلّ الإنسان على هذه الحقائق الإيمانية، شريطة أن يفتح عقله، وقلبه، ليستجيب لخطابها الإرشادي، ورسالتها الهادية. فمن استجاب زاده الله هدى {ويزيد الله الذين اهتدوا هدى«، ومن أعرض عن هذه الآيات البيّنات في الأنفس والآفاق، ولم يتدبّر آيات الذّكر الحكيم التي هي أعلى مستويات البُرهان الإيماني، وأرفع مقامات الاستدلال الاعتقادي، بقي بعيداً عن الهداية، غارقاً في أوحال الغواية، {أفلا يتدبّرون القرآن أم على قلوبٍ أقفالها« «إنّ هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم» «وكأيّن من آية في السماوات والأرض يمرّون عليها وهم عنها معرضون وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون. أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله أو تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون» (سورة، يوسف : 105 107). «قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وما تُغني الآيات والنّذ ر عن قومٍ لا يؤمنون» (سورة يونس: 101)، إنّ الله تعالى يعطي الدّنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الإيمان إلاّ من يحبّ، فمن أعطاه الله الإيمان فليدم شكر هذه النّعمة، وليحفظها أشد ما يكون الحفظ لأغلى العطايا. فالحياة بلا إيمان لا تساوي شيئا. فإذا منح الله عبده المؤمن العافية، مع الإيمان، فليضاعف شكر مولاه، فما أوتي النّاس خيراً من الإيمان والعافية. وقد أوصانا المصطفى بوصيّة يجب أن نتدكّرها دائما وهي قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا سألتم الله فاسألوه العافية». ومن أصبح معافى في بدنه، آمنا في سربه، وعنده قوتُ يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها. «إنّ في ذلك لعبرة لأولي الألباب»