حلت يوم أمس الذكرى العشرون لحدث الإضراب العام ل14 دجنبر 90 وخاصة الأحداث الأليمة التي عرفتها فاس ،هذا التاريخ الذي شكل علامة فارقة في التاريخ المعاصر للمغرب، يُصر على أن يستمر بكل قوة فارضا نفسه على واقعنا من خلال الدروس التي قدمها ومن خلال نموذج في المواجهة بين نظرتين للوطن...تحل هذه الذكرى وسط تحولات عميقة يشهدها المشهد السياسي والاجتماعي المغربي ، أهم سماتها الإحساس الذي يقترب من اليقين .. بأن بلادنا بصدد إضاعة الطريق مرة أخرى والعودة إلى نقطة البداية فيما يشبه حرب استنزاف جديدة ، كانت 14 دجنبر 90 جوابا على محاولات مماثلة في الفترة السابقة وإشارة صريحة بكون الخطاب الوطني الديمقراطي لا يمكن أن يلين ويتراجع، وأن الإصرار على بناء المغرب كما يستحقه المغاربة مهمة تاريخية، ليست من مسؤولية الأفراد بل هي إختيار الشعب المغربي ومعركته المصيرية ..14 دجنبر 90 كانت نموذجا لتحالف الطبقة العاملة بقيادة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب والكونفدرالية الديمقراطية للشغل، هذا التحالف قاد إلى أكبر انفراج عرفه المغرب ما بعد الاستقلال وهو ما سمي في حينه بفتح ورش التناوب التوافقي، الذي كان من المفروض أن يشكل مرحلة عبور فقط نحو إقرار الديمقراطية كما هو متعارف عليها دوليا ، 14 دجنبر لم تكن معزولة عن السياق السياسي والدستوري ،حيث شهدت المرحلة تقديم ملتمس الرقابة من قبل أحزاب الصف الوطني الديمقراطي وفي طليعتها حزب الاستقلال وتوج هذا المسار بإعادة توحيد الحركة الوطنية بتأسيس الكتلة الديمقراطية التي سبقها التنسيق بين حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي بداية من تقديم مذكرة حول الإصلاحات الدستورية ...اليوم الصورة تبدو قاتمة وعلامات التوترات القادمة أضحت تفرض نفسها وتحجب كل خطاب متفائل، ويبدو أن هناك توجها يحن إلى ماضي دفناه يصر إلى العودة من جديد، وعودة الأموات حتى عند القبائل البدائية لا تكون سوى في صورة أشباح، فهل يصلح الأشباح لقيادة الأوطان؟ هل من مصلحة بلادنا تقليد سيزيف كلما وصل بالصخرة/ الديمقراطية والمصالحة إلى رأس الجبل، تدحرجت إلى القاع لنُعيد الكرة من جديد؟ هل نملك كل هذا الزمن الذي نضيعه على المغاربة والأجيال المقبلة منهم؟ هل ضروري اليوم أن نعيد الخطابات والشكوك والمواجهات السابقة لكي تقوم لهذا الوطن قائمة؟ هل ضروري أن نرفع شعار نكون أو لا نكون؟ من الرابح في هذه اللعبة السخيفة التي أصبحت مبتذلة من فرط ما تكررت في هذا الوطن، مع كل ما تحمله من احتقار لذكاء المغاربة، وتلاعب بمصيرهم ومصير أبنائهم؟ إلى متى سوف تصبح الالتزامات والتعاقدات مجرد «تَفْرَاقْ اللْغَةْ» بلا جدية في احترامها وتفعيلها؟ هل ضروري أن نكون أوفياء ببلادة لمقولة التاريخ يُعيد نفسه؟ هل المغاربة لا يستحقون كباقي خلق الله أن يعيشوا في وطن يقررون مصيره لأنه جزء منهم؟ ...الذين يُحبون المغرب بصدق يضعون أيديهم على قلوبهم حرقة وخوفا على مصير مجهول يقودنا إليه صغار الساسة وفاقدي الموهبة...الإصلاحات الدستورية لبداية التسعينات والانفراج السياسي وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، كل ذلك أصبح اليوم مجرد ذكرى يبدو أنها يجب أن تُنسى، وأن تُأخذ الدروس اللازمة منها لتأسيس فعل نضالي جديد استعدادا للقادم من الأيام ... [email protected]